لماذا نناصر المرأة في صراعها التاريخي؟! 3: وجهة نظر ماركسية



أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 9

لقد بينت أهم أسباب الدفاع عن المرأة وحقوقها بشكل عام في المقالة السابقة، أم هنا فأود توضيح طبيعة صراع المرأة من وجهة نظر ماركسية، والأسباب التي تدفعنا كماركسيين دعم المرأة بإيجاز.
تنطلق النظرة الماركسية لقضية المرأة من منطلق الملكية الخاصة بوصفها أداة الظلم، وانقسام المجتمعات عبر التاريخ إلى ظالم ومظلوم. وربطت حل مشكلة المرأة وتحررها مع إنهاء كافة أشكال الظلم، أي مع حسم الصراع الطبقي وتسويته. لذلك قال ماركس "إن تطور المجتمع يقاس بتقدم المرأة" لأن أساس اضطهاد المرأة مرتبط بالانقسام الطبقي للمجتمعات واستمرار اضطهادها يعني استمرار الصراع الطبقي، وإنهاء اضطهاد المرأة مرتبط بإنهاء كافة أشكال الظلم والاضطهاد في العالم.
أول باحث ماركسي تحدث عن قضية المرأة هو فريدريك إنجلز في كتابه (أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة). فقد وضح إنجلز، مستنداً إلى المفهوم المادي للتاريخ الذي يقول بتأثير أساليب الإنتاج على البنية الفوقية (الوعي بشكل عام)، أن المجتمعات البدائية المشاعية كانت تقوم على الاختيار الحر لكلا الجنسين، وكانت المساواة في أتمها حتى إن بعض المجتمعات كانت تنسب الأولاد إلى الأم وليس الرجل. فلم يكن هناك فرق على أساس جنسي لأن كلا الجنسين بشراً لهم نفس الحقوق والواجبات. ولم يكن وقتها قد ظهر الباعث للاستبداد والصراع الجنسي بين الرجل والمرأة.
ولكن بعد الانتقال إلى المجتمعات الزراعية والرعوية حيث الحاجة إلى القوة الجسدية بدأت سيطرت الرجل وهيمنته على وسائل الإنتاج و مختلف الأمور في الحياة بما فيها سيطرته على المرأة، وذلك بسبب ظهور الملكية الخاصة للأرض والماشية والتي بموجب توزيع القوى بين كلا القطبين تملكها الرجل. وبذلك ملك الرجل كل أسباب القوة في المجتمع وأصبحت المرأة كغيرها من الأملاك وبدأت ملامح الاستغلال والاضطهاد للمرأة وللطبقة التي لا تملك بشكل عام.
وظهور الملكية كانت بداية بزوغ وتبلور القوة الذكورية العليا المسيطرة على المرأة. فقد أصبحت المرأة كأي شيء آخر يملكه الرجل ويتمتع به ويستقوي عليه، وأصبحت الورثة من جهة الرجل والنسب إلى الرجل.
وخلال تطور التاريخ وما شهده من تطور الأنظمة الاقتصادية بقيت المرأة ملك للرجل بدئاً بالعبودية، انتقالاً إلى النظام الإقطاعي ومن ثم النظام الرأسمالي الذي يعيشه العالم حالياً.
ففي النظام الرأسمالي رأى البرجوازيون أن من مصلحتهم إطلاق حرية المرأة، كما حرية الرجل أيضاً، لكن الحريات البرجوازية في جوهرها اضطهاد واستغلال.
فجوهر الحرية البرجوازية هو قدرة الرجل والمرأة على بيع قوى عملهم بدون أي عوائق، وهذا يتطلب الحرية السياسية والفكرية والدينية، ولكن الاستغلال موجود وخارج عن إرادة المرأة بسبب علاقات الإنتاج القائمة.
فقد تبين إذاً أن المرأة كغيرها من المضطهدين والمظلومين عبر التاريخ، كانت قد ظلمت بسبب وجود الملكية الخاصة التي بدورها تخول المسيطر سلطات مطلقة على ما في الأرض، بل ربما يتجاوزها في محاولة للسيطرة على من في السماء من عظمة الجشع.
كما أوجد وغذى البرجوازيون كافة الصراعات الأفقية بين الطبقة الواحدة من طائفية وعرقية وأيديولوجية، أوجدوا بوجودهم صراعاً جنسياً بين الرجل والمرأة.
فها هو صراع آخر يشق صفوف البروليتاريا ويصدع بنائها مبعداً آمال الوحدة والتراص البروليتاري في وجه الظلم والطغيان أكثر فأكثر.
لذلك وجب على الجماهير معرفة مكنونات الصراع وإماطة اللثام عن الغطاء المخفي للصراع الحقيقي، الجوهري القائم بين الظالم والمظلوم، المالك والمملوك، الصراع الطبقي.
فبذلك يدرك المظلومون أن المرأة هي رفيق الدرب في الصراع مع الظالمين الفوقيين، وأنها عنصراً أساسياً في قتال الاستغلال والحرية البرجوازية التي في جوهرها استبداد، والديموقراطية البرجوازية التي في جوهرها دكتاتورية.
فلا تقسيم بين رجل وامرأة، التقسيم بين مالك ومملوك، الرجل والمرأة البروليتاريان رفاق في محاربة الرجل والمرأة البرجوازيان، هذا هو عنوان الصراع، وليس كما علمنا البرجوازيون أن المرأة هي في الدرك الأسفل وسبب التخلف والجهل.
فالتمييز ضد المرأة واستلابها حياتها والنظرة الدونية باتجاهها يعبر عن رجعية القوى المحافظة، وكل من يناصر الصراع ضدها إنما يصب في مصلحة الطبقة البرجوازية وجهازها البيروقراطي الرجعي من الطبقة الوسطى.
فعلى الطبقة البرجوازية أن تعي أن الصراعات داخلها تخدم البرجوازيون فحسب، ومن أوجه هذا الصراع الداخلي هو بين الرجل والمرأة، وعند توعية الجماهير بدور المرأة كرفيقة السلاح ضد البرجوازيون، يتوضح الصراع الحقيقي بين المالك والمملوك ويصب كلا الجنسين جهدهم في الصراع ضد الظالمين البرجوازيين، فتحرر المرأة وتحرر كل المظلومين في العالم سبيله واحد.
فإذا أردنا التلخيص، وجود التمييز ضد المرأة يساوي وجود طبقات واستغلال طبقي، لأن أساس ظلم المرأة هو طبقي. وزوال أو إنهاء الصراع الطبقي وإلغاء الملكية الخاصة يعني زوال استغلال المرأة. فالمرأة والرجل المنتمين إلى طبقة البروليتاريا هناك عدو أوحد يستغلهم ويضطهدهم وهو البرجوازي الذي يجب تكريس كل معاني القتال والنضال ضده في سبيل التحرر الشعبي.