زواج عتريس من فؤادة باطل



هشام آدم
2013 / 8 / 25

تحظى الموضوعات المُتعلقة بالمرأة باهتمامٍ بالغٍ في الفقه الإسلامي، كالطلاق وأحكامه وعدته، والزواج وأحكامه وشروطه، والحيض والنفاس وأحكامهما، وكل ما يتعلق بالمرأة من أحكام وعبادات وسلوكيات كالاختلاط والحجاب والزينة وغيرها، وللأخوة الأفاضل أن يُقرروا سببًا لهذا الاهتمام الفقهي، فمن أراد أن يحمله على جانبٍ إيجابي فله ذلك، ومن أراد أن يحمله على جانبٍ سلبي فله ذلك أيضًا، فهذا المقال ليس بصدد البحث وراء سر اهتمام الفقه الإسلامي والفقهاء المُسلمين على مر الغصور بالمرأة والقضايا المُتعلقة بها، فهذا القال مُخصصٌ لمُناقشة قضيةٍ مُحددة وهي: الزواج أحكامًا وشروطًا.

في موقع الهيئة العالمية للمرأة والطفل، في مبحثٍ حول موضوع شروط انعقاد الزواج نقرأ ما يلي:
"شروط انعقاد الزواج تتنوع إلى نوعين؛ لأن منهما ما يرجع إلى العاقد ومنها ما يرجع إلى مجلس العقد. فأما ما يرجع إلى العاقد من شروط الانعقاد فهو شرط واحد. وهو أن يكون العاقد عاقلاً، فلا ينعقد الزواج إذا كان العاقد مجنوناً أو صبياً لا يعقل؛ لأن كل واحد منهما ليس أهلا للتصرف. وأما ما يرجع إلى مجلس العقد من شروط الانعقاد فثلاثة شروط:
الأول: أن يتخذ المجلس الذى صدر فيه الإيجاب والقبول .
الثانى: أن يسمع كل واحد من العاقدين كلام الآخر ويفهم ما يراد به، فلا ينعقد الزواج إذا كان أحد العاقدين أصم، ولا إذا كان أحدهما لا يفهم المراد من الكلام.
الثالث: ألا يخالف القبول والإيجاب فى شئ يُعد عند التحقيق مخالفة، وذلك بأن يختلف المعقود لهما أو أحدهما أو يكون ما ذكر فى عبارة القبول شرًا مما ورد فى الايجاب سواء أكانت المخالفة فى كل جزء من أجزاء الايجاب أم كانت فى بعض أجزائه دون بعضها الآخر.

وفى هذا أكبر دليل على مساواة المرأة بالرجل فى حقها فى قبول الزواج أو رفضه والاعتداد بإرادتها فى هذا العقد الخطير"(راجع المصدر في الهامش)

وسوف نتوقف قليلًا عند الشرطين الأول والثالث من شروط انعقاد الزواج من ناحية ما يرجع إلى مجلس العقد، المتعلقين إجمالًا في الإيجاب والقبول وحق المرأة في قبول أو رفض الزواج، فهل فعلًا يُعتبر هذا شرطًا أساسيًا لصحة الزواج؟ من الناحية المبدئية يُمكننا إعادة صياغة هذا السؤال بالربط بين الاعتراف بحق الزوجة في القبول أو الرفض وبين اشتراط الولاية للفتاة التي لم يسبق لها الزواج، فإذا كان القبول والرفض حقًا مكفولًا للمرأة عند الزواج فلماذا يُشترط أن يكون هنالك ولي للمرأة أصلًا؟ وإذا وافقت الفتاة على الزواج ورفض وليها، فمن هو الذين يُؤخذ برأيه: الفتاة أم وليها؟ فإن قال قائلٌ: "يُؤخذ برأي الولي" فإننا نتساءل: أين هي حرية المرأة في القبول والرفض إذا كان لا يُعتد إلَّا برأي الولي؟ وإذا قال قائلٌ آخر: "يُؤخذ برأي الفتاة" فالسؤال الذي يطرح نفسه مُجددًا: "فلماذا اشتراط الولي كشرطٍ لصحة عقد الزواج؟"

وربما فيما ذكرته الهيئة العالمية للمرأة والطفل في بقية المبحث على الموقع ذاته ما يُمكن اعتباره مُحاولةً للإجابة على هذه التساؤلات، وحل الإشكاليات المُتعلقة بها، فنقرأ:
"إن وجوب إذن الولي أو ندبه فيه مزيد من رعاية للفتى والفتاة من إنسان صاحب خبرة يكون بجانبها ساعة تأسيس أسرة صغيرة جديدة والرعاية لا تعنى إلغاء إرادة الفتى والفتاة واختيارهما. إنما تعنى الترشيد والمشورة."(المصدر السابق)

فهل يُفهم من هذا أنَّ دور الولي مُنحصرٌ هنا في الإرشاد والمشورة كما تقول الهيئة العالمية للمرأة والطفل؟ أم أنَّ هذه مُحاولةٌ للكذب والتظليل والالتفاف على الحقيقة، كما هي عادة كثيرٍ من علماء وفقهاء المُسلمين؟ فأي إرشادٍ وأي نصيحةٍ هذه التي تأتي يوم عقد الزواج، أليس من المُتعارف عند العامة والخاصة أنَّ هذا الأمر يكون في مرحلةٍ سابقةٍ على عقد الزواج؟ يعرف الجميع أنَّ الرجل إذا أراد الزواج تقدَّم لخطبة الفتاة، وعندها يُطالب أهل الفتاة بمُهلةٍ للتشاور مع الفتاة ومع أفراد الأسرة وللسؤال عن هذا الشخص المُتقدم للزواج، وأسرته ثم بعد إبداء الجميع الموافقة يتم عقد الزواج. فأي إرشادٍ وأية نصيحةٍ ومشورةٍ في هذه المرحلة؟

وعلى أي حالٍ، فإنَّ الأصل هو استئذان الفتاة البكر وأخذ موافقتها قبل الزواج، ورغم تعارض ذلك مع اشتراط الولاية إلا أنَّ موافقتها على الأقل مشروطة في كُتب الحديث والفقه، حتى وإن كان هذا الاشتراط حبرًا على ورق، ولكن الإشكال الأهم هنا هو حول كون الفتاة قاصرًا، فهل يُشترط استئذانها وأخذ موافقتها؟ وهل من الممكن فعلًا الاعتداد بموافقة القاصر التي لا أهلية شرعية أو قانونية لها؟

من البديهي أنَّ القاصر لا أهلية له، هذه الأهلية التي هي مناط التكليف الشرعي وحتى القانوني، وبالتالي فحتى لو تم استئذان القاصر في أمرٍ كالزواج، فلا يُمكن أن يُعتد برأيه لا من الناحية الشرعية ولا حتى من الناحية القانونية، ويُصبح الأمر كأنه لم يكن، مثله في ذلك مثل استئذان الميت والمجنون والمُخدَّر، فكلهم غير مُدركٌ وغير مُتمتعٌ بالأهلية، فإن حدث وأن استأذن والدٌ ابنته المُصابة بمرضٍ عقلي في أمر زواجها، ووافقت فزوَّجها، فهل يكون الزواج صحيحًا من الناحية الشرعية؟ إذا كانت الإجابة بلا، وهي كذلك فعلًا، فإنَّ الأمر ذاته ينطبق على القاصرة، فكلاهما يخضع لحكمٍ واحد، ألا وهو عدم التمتع بالأهلية القانونية والشرعية، والتي هي مناط التكليف الشرعي الإلهي.

الآن، وبناءً على كل ما تقدَّم آنفًا، لو طرحنا سؤالًا: "هل كان زواح النبي محمد من عائشة وهي بعمر ست سنوات زواجًا صحيحًا؟" إذا كانت الإجابة بنعم، فإننا سوف نكون أمام مُعضلة أخلاقية وقانونية كبيرة جدًا، وهذا هو ما يدعو النُشطاء المُهتمين بقضايا المرأة والطفل إلى مناهضة زواج القاصرات، لأنَّه، وبالإضافة إلى حرمان الأطفال من حق التمتع بطفولتهم، فإنَّه من الناحية الشرعية زواج غير صحيح، لأنَّ شرطًا أساسيًا ورُكنًا ركينًا من أركان الزواج وشروطه قد سقط وانتفى، وعليه فيُمكننا، بارتياحٍ شديدٍ، أنَّ زواج محمد من عائشة باطل، وباللغة الفقهية فإنَّ ما كان يحدث بينهما لم يكن نكاحًا وإنَّما سفاحًا.


----------------
الهوامش
1: http://iicwc.org/lagna/iicwc/iicwc.php?id=336
2: نفس المصدر السابق