العدة في قانون الأحوال الشخصية.. هل تتوافق ووضع المرأة العاملة؟



إيمان احمد ونوس
2013 / 8 / 28

يفترض التطور الزمني والإنساني تطوراً حركياً وتفاعلياً يدفع بالمجتمع إلى الأمام. وهذا بالتالي يفترض تطور القوانين الناظمة للحياة الإنسانية من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية وإلى ما هنالك من جوانب تستدعي قوانين ونظم تحكمها.
والهدف من ذلك الارتقاء بالإنسان أولاً، وتالياً بالمجتمع ليكون على درجة من الرقي والتطور بما يخدم هذه الأهداف.
فمن يبني المجتمع..؟
يبنيه خليته الأساسية- الأسرة- بمكوناتها( نساءً ورجال) يعملون معاً من أجل المصلحة العليا للمجتمع، وبذات الوقت لأجل مصالحهم الخاصة المرتبطة بشكل أو بآخر بمصالح هذا المجتمع بكل أطيافه ومكوناته.
ويتم التعرّف على مستوى تطور المجتمعات من خلال تطور أو تخلّف قوانينها الناظمة لحياة المجتمع من خلال تعامله مع هؤلاء أفراده، وتأتي القوانين الخاصة بالمرأة في صلب أولويات هذه القوانين، لاسيما إذا كانت الحكومة قد وقّعت على اتفاقيات دولية هدفها الارتقاء بإنسانية الإنسان، وإلغاء استغلاله وممارسة العنف ضدّه.
ومعروف أن الحكومة السورية قد وقعت على معظم الاتفاقيات الدولية ذات الصلة (اتفاقية حقوق الإنسان، اتفاقية حقوق الطفل، اتفاقية السيداو أو القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة، القضاء على العنف ضد المرأة.) هذه الاتفاقيات التي تقتضي من الحكومة تعديل تشريعاتها بما يتوافق وهذه الاتفاقيات وبالتالي يكفل ضمان حقوق المرأة وحريتها في العمل والعلم، ورفع الظلم عنها وإلغاء التمييز بينها وبين الرجل في كافة اتجاهات الحياة.
غير أننا إذا ما طالعنا العديد من القوانين المعمول بها، نجد أن بعضها لا يتوافق وتطور المجتمع، لاسيما وضع المرأة بعد أن انخرطت في الحياة العامة بمختلف مجالاتها العلمية والعملية والسياسية... الخ ولعلّ أهم هذه القوانين الناظمة لحياة الأفراد هو قانون الأحوال الشخصية الذي خصص فصلاً كاملاً لقضايا الزواج والطلاق وتبعاتهما، ومن هذه القضايا مبدأ العدّة المفروض على المرأة شرعاً بعد انفصالها عن زوجها طلاقاً أو وفاة، هذا المبدأ الذي يوجب على المرأة المعتدّة عدم الظهور أمام غير المحرمين من أقاربها، إضافة إلى وجوب عدم سماع صوتها- وهذا ما لمسته في الحياة الاجتماعية- وذلك لمدة تتراوح مابين الثلاثة أشهر حتى السنة وفق الحالات التي حددها القانون المذكور حسب المواد التالية:
المادة- 121
عدة المرأة غير الحامل للطلاق أو الفسخ كما يلي :
1 – ثلاث حيضات كاملات لمن تحيض ولا تسمع دعوى المرأة بانقضائها قبل مضي ثلاثة أشهر على الطلاق أو الفسخ.
2 – سنة كاملة لممتدة الطهر التي لم يجئها الحيض أو جاءها ثم انقطع ولم تبلغ سن اليأس.
3 – ثلاثة أشهر للآيسة.
المادة- 123
عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام.
المادة- 124
عدة الحامل تستمر إلى وضع حملها أو إسقاطه مستبيناً بعض الأعضاء.
المادة- 125
تبدأ العدة من تاريخ الطلاق أو الوفاة أو الفسخ أو التفريق القضائي أو المفارقة في النكاح الفاسد.
وبالنظر لمفهوم العدّة نجد أنها إقامة جبرية وتقييد لحركة المرأة في زمن لم يعد يقبل التقييد بهذا الشكل فالمرأة أمام استحقاقات تفرضها عليها حياتها العامة من علم وعمل، إضافة إلى استحقاقات أخرى تفرضها الحالة الراهنة من طلاق أو ترمّل، مما يستدعي معهما مضاعفة مسؤولياتها كأم وربة أسرة بعد انفصالها عن الزوج، ولا أعتقد أن هذا الوضع يسمح لها بالغياب الطويل الذي يتطلبه حكم العدّة، ناهيك عن أن الحياة الاجتماعية لم تعد كما كانت سابقاً تجمع الأسرة كلها في بيت كبير يقوم الآخرون فيه بخدمة المعتدّة، فهي اليوم مستقلة في بيتها وأسرتها التي عليها إدارة أمورها بعد رحيل الرجل، إضافة إلى أن الزمن قد تطوّر بما لم يعد مقبولاً معه هذا السجن القسري للمرأة، باعتباره تكريس وتعزيز تبعيتها للرجل حتى بعد انفصالهما( بالموت أو الطلاق) ولماذا..؟ لأن زوجها توفي عنها أو طلّقها.... ولأنها ومن وجهة نظر المشرّع وعاء لفحولته التي لا بد أن تنتهي آثارها قبل أن يشوبها آثار أخرى متجاهلين أن الطب وعلومه قد وصلت حداً يمكّن المرأة أن تعرف بحملها من الأيام الأولى وبأبسط الوسائل المخبرية.
وعموماً نجد أن المرأة في أحد وجوه هذا التشريع محلّ شك وريبة بأنها ربما تسلك سلوكاً غير سوي، وبالتالي فهي مطعونة في أخلاقها سلفاً، حتى تلك التي تكون بعمر أو مرحلة ما يسمونه سن اليأس والذي يعتبر علمياً مرحلة الانتهاء من حالة الخصوبة والطمث عند المرأة، فهذه ما مدى ضرورة العدة لها، لاسيما أنها ربما تكون قد أصبحت جدّة.
ثمّ لماذا يُنظر للمرأة على أنها عديمة الوفاء لمن عايشته زمناً وقاسمته الحياة بحلوها ومرّها...؟ لاسيما في حالة الوفاة حتى تُفرض عليها أساليب حياتية قسرية؟
وحتى المطلّقة، لم يتم النظر إلى حالتها النفسية التي قد تقصيها لفترة زمنية وبشكل تلقائي عن الحياة العامة بحكم المفاهيم المجتمعية التي ما زالت تنظر للمطلقة كما لو أنها ارتكبت إثماً أو معصية، ليأتِ المشرّع ويفرض عليها إقامة جبرية تعزز من تدهور حالتها النفسية التي تُشل فاعليتها وحركتها بدل التفكير بما عليها القيام به للمرحلة الجديدة القادمة من حياتها.
وفي الحالتين أرى أن المشرّع يتعامل بازدواجية مقيتة مع المرأة تثير التساؤل، فلماذا تبدو في نظره عاطفية وانفعالية تارةً فلا تُقبل شهادتها منفردة، وتارةً أخرى هي بلا مشاعر أو عواطف، وعلى المشرّع أن يفرض عليها عدّة تصون من خلالها ذكرى وآثار زواج رحل.؟ ثمّ لماذا يُنظر إليها على أنها دائماً بحاجة للولاية ولمن يذكّرها بواجباتها، وضرورة صيانة نفسها..؟
من هنا أرى أنه على المشرّع أولاً، ومن ثمّ على اللجنة المكلّفة بتعديل القوانين التمييزية أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار وضرورة التعامل مع المرأة من منظار عقلاني واقعي يأخذ بعين الاعتبار التطور الحاصل في حياتها وحياة المجتمع بعيداً عن أحكام فرضها زمن غير الزمن الذي نعيش.