حقــوق النسـوان



نضال نعيسة
2005 / 5 / 18

بعد لأي وجهد ,وشد وجذب ,ومد وجزر ,وكر وفر ,ولف وصر تم التوصل أخيرا إلى الاعتراف بأن للمرأة صوتا حقيقيا,وحقوقا صوتية, وكيانا ,وإنسانية لاعورة مخجلة,وليس من الغلط أبدا أن يتم اعتبارها كائنا بشريا ذا مشاعر نبيلة تتحسس الفرح ,والحب والألم ,وليست فقط ماكينة لتفريخ الأطفال,ومصدر متعة فقط للشبقين من الرجال,أو مجرد ديكورات ملحقة بفراش الذكور الفحول عندما يأتي المساء .

فقد فرح بعض الأعراب وهللوا كثيرا إثر حصول المرأة الكويتية على بعض من حقوقها الأساسية البشرية المنصوص عليها بالقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية,والتي يتباهى ساسة العربان بالتوقيع عليها في وسائل الإعلام والتي تطبل وتزمر لهم على الطالعة والنازلة ,والبايخة والهايفة,وبمناسبة وبدون مناسبة. فمن المؤلم حقا أنه مازال البعض يحبو على عتبات محو "الأمية السياسية" البدائية هذه التي نسيها العالم من قاموسه المتداول يوميا.وقد اعتبر ذلك نصرا عظيما تحققه المرأة المنكوبة بهؤلاء الأعراب حيث تمت ترقيتها أخيرا إلى مرتبة بشرية ظلت دهرا تترقب الوصول إليها بحسرة وألم.وكان الأجدر أن يبقى ذلك مكتوما وطي النسيان ,وألا يعلن على الإطلاق .فقد تلقفت وسائل الإعلام الغربية هذا الخبر وليس بالطريقة "الهوبراتية" الإعلامية التي يتحلى بها العربان واعتبارها نصرا مؤزرا وفتحا مؤثرا,ولكن بطريقة أخرى تقول انظروا أين هم الأعراب في السلم البشري ,وكيف مازالوا يعاملون النساء حتى الآن,ولتؤلب بمكر وذكاء الرأي العام الذي يتوجس دائما ,وبطبيعته من الأخبار القادمة من غابة الأعراب. لأنه من التقصير الواضح اجتماعيا وحضاريا الإعتراف بحقوق المرأة أخيرا,وكأني بحال المتلقي الغربي وهو يقول يا إلهي ,حتى الآنOh my God!!! Up till now!!! ويجب على دهاقنة الإعلام من العربان التمييز بين ردة فعل الأعراب والغرباء على نفس الخبر وبنفس الصياغة,نظرا لاختلاف المعطيات والثقافات.فما نعتبره نصرا ,قد يعتبره الآخرون وبالا وكارثة حمقاء. ولاسيما بعد أن أصبحت المرأة ملكة يقف الماريشالات أمامها بخضوع وانصياع ,وأصبحت رئيسة وزراء يتسمر بحضورها صناديد الرجال بخشوع وثبات,ورائدة فضاء تتحدى الأجواء وتخترق المجرات.في حين مازالت ,وبكل أسف, تفصلنا مسافات قرون ضوئية عن أقرب مجرة حضارية عرفت كيف تتعامل مع الرجال والنساء على حد سواء.

لاشك كان يوما تاريخيا عاشته الساحة السياسية والاجتماعية في الكويت بعد المعارضة التاريخية المتزمتة والمتشددة لأصحاب التيار الأصولي الذين يسيطرون على الساحة السياسية والثقافية والاجتماعية والإعلامية في عموم المنطقة المسكونة بالغيبيات والأشباح, والذين كان لهم دور بارز في شد وجذب الحياة بشكل عام للوراء, وإبقائها بعيدة عن التيارات الحداثوية والليبرالية التي تعصف بالعالم في ظل ثورة المعلومات والفضاء.وكان لابد من تحقيق هذا الاختراق الملحوظ والمفاجئ بعد أن استفحلت أخطارالمد الأصولي ووصلت الفاس للرأس ,واستشعرالمجتمع كل المجتمع خطر تنامي الحركات السلفية ,وأثره الكارثي والبعيد على نمو وتقدم المجتمعات بعد أن أحكموا بقبضتهم على مختلف تلابيب الحياة.

والسؤال المحير الآن,هل نال الرجال حقوقهم السياسية أولا ؟وهل يستطيعون التأثير بأي قرار أو فرمان آت من الوالي والباب العالي والسلطان؟ وهل لأصواتهم أية قيمة تذكر في حياة العربان؟ وماذا ستفعل أصوات النساء الناعمة في الوقت الذي فشلت فيه أصوات الرجال الخشنة في كل محفل ومكان من تحقيق أي نقلة نوعية تضع هذا الإنسان والمرأة البائسة في موقع محترم على الخارطة الدولية؟وحيث تظهر كل النشرات الدولية تصدرنا بشرف لكل القوائم السوداء في مختلف المجالات. فقد دأب الرجال وعلى مدى عقود منصرمة باستعمال أصواتهم ,وقدراتهم البلاغية الخارقة,وضجيجهم ,وصخبهم ,ونضالهم الدامي في وسائل الإعلام دون جدوى تذكر ودون تحقيق أي اختراق في أي مجال,لا بل كانت أصوات سياسييهم دائما مصدر قلق وإزعاج وإصابة بالفالج والجلطات للكثير من البؤساء,وإسكات دائم للكثير من الأصوات.وكانت كل نوبة من الصياح تظهر حجم التقهقر ومرارة الهزائم المنكرة التي أحاقت برجالهم قبل نسائهم.ولم تفلح كل إعجازاتهم البيانية والصوتية في المسيرات الشعبية المليونية, والاحتفالات المفبركة ,وهتافاتهم المدوية في الساحات الوطنية في هزيمة همسات شارون ,وإيماءات كوندوليزا رايس ,وغمزات جورج بوش الماكرة. وماذا فعل أعراب الرجال أصلا بأصواتهم,وحريتهم الظاهرة,وانتخاباتهم المزورة على مر تاريخهم سوى لتقاذف الشتائم والسباب,وتبادل الاتهامات,وكيل الصفات البذيئة. وكأن صوت المرأة سيخرج الزير من البير, في حين أن "بعيق" الرجال وصراخهم عشرات السنين لم يفلح في زحزحة اسرائيل ولم ميليمتر واحد من الأراضي المحتلة.والسؤال المحير والأهم الآن ,والذي لن يجد له فقهاء الديمقراطية ,وحقوق النسوان جوابا ,هل سيتم اعتبار صوت المرأة الواحدة صوتا واحدا متكاملا بحد ذاته؟ أم سيتم التعامل معه على أساس القاعدة الشرعية المعروفة ,وعدم الاعتراف بهن إلا بصوتين لصوت واحد؟وبالتالي عدم مقدرتهن على تمرير أي قانون واحد يمس مصالحهن مباشرة,أو التأثير في سير أية انتخابات قادمة في ظل سيادة وسيطرة ذكورية شبه مطلقة. وماذا,أيضا وأيضا, عن تلك المجتمعات حيث مازالت الكثيرات من النساء يعشن في ظل القوانين الموروثة من أيام بني عثمان ؟ولا تستطيع امرأة مستوزرة في وزارات الأعراب من السفر لوحدها دون الحصول على إذن من وكيل شرعي بالكاد يفك الخط .

ومع ذلك كله ,وبرغم ضبابية المشهد العام وقتامته وسوداويته ,ومع الاحترام الشديد والمباركة القصوى للشقيقات والأخوات العزيزات في أرض الكويت,حيث عشتُ ردحا طيبا وجميلا من الزمان, على هذا الانجاز الرائع والذي أرجو أن تفلح قوة أصواتهم الجديدة ,برغم أنوثتها ونعومتها الجميلة, في تحقيق ماعجزت عنه أصوات الرجال العتاة في مجلس الأمة الذي تعرض لأصعب امتحان.وألا يكون مجرد "عقد سياسي" يرصع الصدور والنحور في الولائم والاحتفالات الوطنية. وأن تشمل هذه الصحوة الديمقراطية ,والنكسة الغيبية المباركة ,في نفس الوقت, كل تلك الدول التي مازالت تنظر للمرأة و"صوتها"السياسي ,والطبيعي, ووجودها برمته كعورة تجب مداراتها,والخجل منها, والتعتيم عليها وحجبها خلف الستر,والقلاع والجدران.

ولا بد من التذكير أيضا أنه بات من الواضح تماما ,أن الازدهار والرقي والتمدن حالة عامة وشاملة تعيشها الشعوب والمجتمعات وتنمو بشكل متواز في سياق التطور العام .فلا يعقل أن يتبوأ شعب مكانة سامية في مجال واحد من المجالات ,ويعيش التخلف والتردي في مختلف المجالات الأخرى. ولا يمكن أيضا أن تحرز أمة مكانة مرموقة في مجال ما ,وتتربع عليها بين الأمم في حين أنها تعاني ,وعلى صعد أخرى, من البؤس والشقاء والانحطاط ,وهذا هو السبب الرئيسي والمباشر في عدم فوزنا على بورما وبنغلادش في التصفيات المؤهلة لبطولة العالم في شد الحبال.وعلى الأعراب الشطار,بمختلف مشاربهم, أن يعوا هذه الحقيقة المرة ,وتبقى ماثلة في الأذهان.