نساء فقدن أسمائهن



فارس حميد أمانة
2013 / 9 / 9

قبل أربعين عاما كان أخي الأصغر لا يتجاوز الثامنة من عمره عندما شاكسه أحد أصدقائي قائلا له انه يعرف اسم أمه .. وقد أضمر أخي أن يعرف اسم أم صديقي حيث انسحب من الغرفة هو محمر الوجه خجلا من صاحبي .. في اليوم التالي دخل علينا أخي الصغير زاعقا وهو يكاد يطير من شدة الفرح : "غالب .. لقد عرفت اسم أمك" .. ووسط دهشة الجميع أكمل أخي الصغير قائلا : "اسمها أم حسين" .. انفجر الجميع مقهقهين حتى ان أحدهم انقلب من الكرسي ساقطا على الأرض وأخي يدور بعينيه وهو محمر الوجه متسائلا عن سبب القهقهات المنطلقة من الحناجر .. كان موقفا لا ينسى ..
تعتبر اسماء الأناث الصريحة في مجتمعاتنا خطا أحمر لا يجوز تجاوزه .. بل وربما يعتبر شيئا محرجا أو حتى مهينا.. ولا أدري من أين أتت وتكرست تلك الثقافة السقيمة والغريبة في آن واحد .. وأذكر ان الكثير من نسائنا عندما كن يراجعن الأطباء على سبيل المثال كن يسجلن باسماء غير صريحة مثل أم فلان أو أم فلانة وكنت أشاكسهن عندما يضطررن لاعطاء الأسماء الصريحة في المعاملات الرسمية فيتحججن عند ذاك بالاضطرار ..
قبل أيام لفتت انتباهي لافتة لسيدة متوفاة حيث كتب على اللافتة اعلان عن وفاة السيدة الفاضلة عقيلة السيد فلان الفلاني وأم كل من فلان وفلان وفلان ..كثرت الأسماء في اللافتة واختفى اسم السيدة المتوفاة صاحبة الشأن .. فقلت في نفسي ان هذه السيدة الفاضلة قد سلبت اسمها في حياتها ثم سلبته لآخر مرة عندما علقت لافتة وفاتها ..
صحيح ان الظاهرة في انحساربطيء نوعا ما بسبب انخراط الفتيات والنساء في العمل الوظيفي حكوميا كان أو غير حكومي الا ان تلك الظاهرة السلبية والمستمرة منذ قرون طويلة لابد وان نتوقف عندها ونحاربها بكل الوسائل المتاحة .. لماذا نعرف أسماء النساء اللامعات على مر التاريخ ونخجل من ذكر اسم الأنثى الصريح لدينا ونحن نعبر الألفية الثانية الى عصر التحرر المفترض ؟ لماذا لا نفتخر بأسماء أمهاتنا وأخواتنا أو بناتنا ؟ هل ان اسم الأنثى عورة ؟ هل ان هذه الأسماء سبب من أسباب الاثارة لدى الرجل ؟ هل انحدرنا الى مستويات حيوانية يكون فيها مجرد نطق الاسم مثيرا للعواطف والخيالات ؟ هل ان الأنثى أدنى من الذكر ؟ ان معايشة الخطأ اليومية تحوله الى ظاهرة مألوفة يمر الانسان بها دون ان تكون شيئا غريبا أو محفزا يلفت الانتباه .. هذا ما أعرفه .. ولذلك فقد تعودت الكثير من نسائنا الواقعات تحت تأثير تلك الجزئية السلبية من المجتمع على ان يكون الاسم غير الصريح هو المعتاد وان يكون الأسم الصريح شيئا غريبا أو غير مقبول ..
من المعتاد ان يكنى الرجل باسم ابنه حتى وان كانت لديه ابنة كبرى فيقال له أبو فلان بدلا من أبو فلانة .. وهنا تكون الأنثى قد فقدت الأولوية رغم كونها ولدت قبل أخيها متأثرة بتلك الثقافة السقيمة وهي كون مجتمعاتنا مجتمعات ذكورية تفضل الذكر على الأنثى أو تتفاخر بالذكر مستعيبة من الأنثى .. أجد ذلك اصرارا على دفع الأنثى للشعور بالدونية والنقص ودفع الذكر للشعور بالفوقية تحت تأثير مكتسبات مسروقة .. وقد تطرقت الى ذلك مسبقا في مقالتي "ضعف الأنثى وقوة الرجل وزوربا اليوناني" والتي نشرت في وقت سابق في موقع المحور المتمدن هذا ..
قبل سنتين وعندما كنت أحدث ابن عم أبي "طالب" الذي قضى أكثر من أربعين عاما في أوربا ومخاطبا اياه باسم ابنته قائلا " يا أبا ليلى " وذلك من باب الاحترام وليس لسبب آخر رد علي منزعجا بشدة وطالبا مني أن أناديه باسمه الصريح وهو " طالب " .. لم ألمه بل اعتذرت متعللا بفارق العمر بيني وبينه حيث يكبرني بثمانية أعوام .. الا انه أصر على مناداتي له باسمه الصريح الذي يعتبره شيئا يفتخر به حيث الاسم جزء منه ومن شخصيته .. وقد لاحظت ان ابنته من طليقته تنادي زوجته الحالية باسمها الصريح " Cvetca " كما ان ابنة زوجته من زواجها السابق تناديه باسمه الصريح "طالب" .. كان ذلك شيئا رائعا جدا حيث ان المناداة بالاسم الصريح لا تعني عدم الاحترام ..
حسبت حينها اني تعلمت في ذلك الصباح البارد من صباحات سلوفينيا شيئا جديدا ورائعا ..