المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية بين الحق و الاستجداء



رامي مراد
2005 / 5 / 22

مما لا شك فيه أن أي حديث حول واقع المشاركة السياسية للمراة الفلسطينية منقوص إذا لم يأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي السائد بتراكماته الموروثة التي تؤسس لنظرة دونية للمراة، ذلك يجعلنا و قبل الحديث عن مدى إمكانية تفعيل دور المراة الفلسطينية بشكل جدي عبر المشاركة الفاعلة و المؤثرة للمراة في آليات صنع القرار السياسي أن نلقي نظرة تفحصية على واقعنا الاجتماعي.
فان القراءة الموضوعية و الواعية لواقعنا المجتمعي تجعلنا نرى تجزر لقيم الإتباع و التسليم و البعد عن التفكير و التحليل العلمي طمعا في حياة سرمدية، تلك القيم التي تتحكم فيها العاطفة و يعطل العقل، و يأخذ بالمظهر على حساب الجوهر و يكون مطلوبا الانصياع و الطاعة عوضا عن التحرر و التمرد و التغيير، و في خضم تلك المعادلة البائسة تكون المشاركة السياسية للمراة الفلسطينية إما مرفوضة قطعيا لدى المتشبثين بالموروث و المقدس من العادات و القيم البالية أو تمثيل سطحي لا يتعدى الشكلية فقط لإكمال ديكور الديمقراطية و ارتداء ثوب التقدمية لدى الكثير من الأحزاب أو الأطر ذات الطابع الديمقراطي التقدمي.
و بقراءة كل ما سبق من عوامل من شانها أن تعطل عجلة التحرك نحو المشاركة الحقيقية للمراة الفلسطينية في صنع السياسات، تبقى أيضا معضلة لا تقل إعاقة بل و تدمير لكل ما من شانه أن ينهض بواقع الحياة المدنية بشكل عام في الساحة الفلسطينية ألا و هي الاحتلال الجاثم على ارض فلسطين و الذي ما فتىء يقتل و يدمر و يقتلع الحياة من جذورها.
و بذلك تكون المراة الفلسطينية واقعة بين مطرقة الاحتلال و سنديان التخلف و الرجعية و التشبث بالقيم و الموروثات التي ترفض واقع المشاركة للمراة.
كل ذلك انعكس سلبا على الحركة النسوية التي وقعت في الارتباك و الحيرة بين برامج العمل الوطني و آليات و سبل النضال الديمقراطي على الصعيد الوطني الاجتماعي، و دار نقاش و لا يزال قائما بين اولويات العمل التي تطرحها المرحلة الراهنة.
فقبل عملية اوسلو و الشروع بالتحركات السياسية السلمية كانت الحركة النسوية غارقة في النضال ضد الاحتلال و ذلك على حساب النضال الديمقراطي الاجتماعي الذي يضمن مشاركة حقيقية للمراة الفلسطينية، رغم أنها كانت جنبا إلى جنب مع الرجل في باحات العمل الوطني إلا أن دورها في صنع القرار السياسي كان مهمشا، و بعد عملية التسوية و الحديث حول السلام بدا العالم بتوجهاته لتفعيل أسس النضال السلمي السياسي و أصبحت توجهات الممولين تتجهة نحو تعزيز السلام و تشجيع النضال على الصعيد الديمقراطي و الاجتماعي، و بذلك وجدت الحركة النسوية الجو السائد في العالم ربما يساعد في انتزاع بعض الحقوق المدنية و السياسية و الاجتماعية عبر النضال المركز في ساحات العمل الأهلي و المدني و عبر تاطير عدد كبير من النساء في منظمات و اطر نسوية تأخذ طابعا ديمقراطيا مجتمعيا بحتا، و هنا وقعت في ذات الشرك السابق من حيث غرقها في النضال المجتمعي على حساب قضايا الاحتلال اليومية التي تدمر كل ما ينبض بالحياة، و رغم نقاط الضوء التي بدت وسط عتمة التهميش و الإقصاء للمراة الفلسطينية عن المشاركة السياسية إلا أن المشاركة ظلت تأخذ طابع الشكلية و تجميل الصورة لدى المجتمع الدولي و تجلى ذلك بإنشاء دائرة خاصة للمراة داخل وزارات السلطة سعيا وراء تثبيت النهج الديمقراطي لممارسات السلطة فقط أمام المانحين و الممولين من المجتمع الدولي.
يجب أن لا يفوتنا بان تكون القراءة الموضوعية لواقع المشاركة السياسية للمراة الفلسطينية دافع باتجاه العمل الجاد لترتيب و تنظيم حالة النضال الذي تمارسه الكادرات النسوية و المؤسسات التي تمثل النساء باستغلال حالة المشاركة الصورية للمراة الفلسطينية بالضغط باتجاه تفعيل تلك المشاركة إلى جانب الموازنة بين النضال من اجل المطالب الديمقراطية ذات الطابع التقدمي المتمثلة بتحقيق المساواة و إلغاء كافة أشكال التمييز و بين النضال ضد الاحتلال.
و علينا أن ندرك أيضا بان أي تحسين لوضعية مشاركة المراة الفلسطينية في صنع القرار السياسي يفترض أن تبدأ من الآن لان المرحلة الحالية ستؤسس بالضرورة لشكل المراحل المستقبلية المقبلة.