انتصار المرأة الكويتية ترسيخ للديمقراطية



عبدالخالق حسين
2005 / 5 / 23

حققت المرأة الكويتية يوم 16 مايس/أيار الجاري، انتصاراً تاريخياً رائعاً بعد أن صوت البرلمان الكويتي في صالح تمتعها بحقوقها السياسية، الترشيح والتصويت في الانتخابات البرلمانية والمجالس البلدية. ويعتبر هذا المكسب انتصار العقل على الجهل والحداثة على التخلف والحضارة على الهمجية والعدل على الظلم. إذ قبل هذا التاريخ، كان نصف الشعب الكويتي مشلولاً ومحروماً من حقوقه الإنسانية. فمن نافلة القول أنه لا يمكن لشعب أن يتقدم ويستثمر كامل طاقاته في المسيرة الحضارية، منسجماً مع روح العصر ونصفه مشلول ومحروم من حقوقه الآدمية. فمكانة المرأة وتمتعها بحقوقها هي المعيار الحقيقي لمعرفة تقدم أي مجتمع من المجتمعات البشرية. وبذلك فمن حق الشعب الكويتي أن يعتز بعد هذا التاريخ أنه دخل عصر الحضارة والتنوير والحداثة والديمقراطية من أوسع أبوابها.
نعم، هناك من ينتقد قائلاً، لماذا تأخر هذا القرار أكثر من أربعين عاماً، أي منذ استقلال الكويت عام 1961 وصدور دستورها عام 1962؟ في الحقيقة إن العملية الحضارية تسير هكذا، لا يمكن لأي شعب أن يحقق كل ما يريد والقفز من المجتمع العشائري المتعصب لقيم البداوة إلى مجتمع أوربي في القرن الحادي والعشرين بين عشية وضحاها. بل هناك مراحل يلزم المرور بها لتجنب السقوط. لذلك فيمكن القول أن الكويت منذ استقلالها تسير بحكمة وبخطى متزنة في الاتجاه الصحيح في العملية الديمقراطية والحداثة دون استفزاز طائفة معينة أو هزات اجتماعية عنيفة.
لقد بدأت الديمقراطية في أوربا الغربية قبل مئات السنين بمنح حقوق بسيطة للشعب ثم استمرت الجماهير تناضل من أجل المزيد من الحقوق دون نهاية وفق التطور الحضاري إلى أن وصلت إلى المستوى الحالي. وهذا لا يعني أن الديمقراطية في الغرب وصلت نهاية المطاف ونالت الجماهير كل ما تريد، كلا، لأن الحقوق الديمقراطية تنمو وتستمر بلا نهاية ولن تكتمل أبداً. هكذا بدأت في بريطانيا بميثاق الشرف الأعظم Magna Carta عام 1215 عندما فرض النبلاء (اللوردات) على الملك جون مشاركتهم في صنع القرار السياسي وإلا لن يدفعوا له الضرائب. ومنذ ذلك التاريخ تأسس مجلس اللوردات البريطاني. والحقوق الممنوحة وفق ميثاق الشرف الأعظم لا تعد شيئاً بالقياس إلى الحقوق الديمقراطية التي يتمتع بها الشعب البريطاني اليوم. فالمرأة البريطانية لم تحصل على حقوقها في الترشيح والتصويت في الانتخابات البرلمانية إلا في عام 1918. ومعنى هذا أن الرحلة الشاقة التي قطعتها المرأة البريطانية في سبعة قرون قطعتها المرأة الكويتية في أربعة عقود أي منذ أن أقرت الكويت دستورها وأقامت مجلس الأمة عام 1962.
والسبب أن تطور الديمقراطية في بريطانيا كان بلا تجارب سابقة للاستفادة منها، بينما شعوب العالم الثالث تستفيد من تجارب الدول المتطورة التي سبقتها في هذا المضمار. وهذا دليل أن التحولات الاجتماعية الحضارية تسير على وتيرة متسارعة وبتعجيل.
وهذا رد على الماضويين من أعداء الحداثة الذين يعملون على عزل شعوبهم في شرنقة التراث ويعملون على حرمانها من الاستفادة من تجارب الشعوب المتقدمة بحجة حماية "أصالتنا العربية" من "الأفكار المستوردة". إنهم يتهالكون على الطب الغربي والصناعات الغربية والاستثمارات الغربية، لا بل وحتى في العيش بالغرب، ولكن ما أن تتعلق القضية بالقيم الغربية فيما يخص الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وإقرار حقوق المرأة ومساواتها بالرجل ومعاملتها كمواطنة كاملة الحقوق، عندئذ تثور ثائرتهم صارخين وامعتصماه.

إن ما حصل يوم 16 مايس الجاري كان متوقعاً لأننا كنا نلمس أن المجتمع الكويتي قد خطى خطوات واسعة في التقدم الاجتماعي وقد بلغ الحكمة ولا يمكن لعدد قليل من الماضويين من أعداء التقدم أن يقفوا حجر عثرة أمام تقدمه وإيقاف مسيرته الحضارية، وهكذا كان. لذلك نقدم أزكى التهاني للمرأة الكويتية والرجال الكويتيين الذين ناصروا قضيتها العادلة ووقفوا إلى جانبها بكل صلابة إلى أن تحقق النصر التاريخي المؤزر.
إن الكويت الآن صارت منارة لنشر حقوق المرأة في دول الخليج، وهذا يعني أن الخطوة الكويتية لها تأثير قطع الدومينو في المنطقة وستكون هناك منافسة خيرة فيما بين المنظمات النسوية في الخليج ودول المنطقة في هذا المضمار لتحذو حذو الكويت.

وماذا بعد؟
يجب على المرأة الكويتية المناضلة أن تعرف أن ما تحقق يوم 16 مايس الجاري، رغم أهميته التاريخية، إلا إنه مجرد الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل. لذلك فأمامها نضال عسير لترجمة هذا الانتصار من مادة قانونية في الدستور إلى عمل ملموس له تأثيره الإيجابي على المجتمع الكويتي ودول المنطقة. إن أعداء المرأة في المجتمع الكويتي سوف لن يهدأ لهم بال، وسوف يحاولون وضع العراقيل أمام تنفيذ هذا القانون والعمل على تفريغه من محتواه بشتى الوسائل. وسينبشون بطون كتب التراث ليغترفوا منه ما شاء لهم للتشكيك بقدرات المرأة وأن هذه الحقوق تتعارض مع الدين..الخ لمنع المرأة من الاستفادة من هذا التعديل التقدمي في الدستور.
ولكن الجانب الإيجابي المفرح ولحسن الحظ أن الحكومة الكويتية وعلى رأسها أمير البلاد يقفون إلى جانب المرأة ونصرتها، حيث صرح رئيس الوزراء أنهم ينوون على تعيين وزيرة في الحكومة قريباً وهذا نصر آخر للمرأة.
لذلك على النساء المهتمات بالسياسة، التحضير من الآن لخوض الانتخابات القادمة، البلدية منها والبرلمانية. كذلك ينبغي عليهن عدم تبديد الجهود وتضييع الوقت في المنافسة فيما بينهن في الدائرة الانتخابية الواحدة. لأن من المهم في هذه المرحلة إيصال أكبر عدد ممكن من النساء إلى البرلمان لإثبات دورهن وكفاءتهن. فالنشاط السياسي لا يعتمد على القوة العضلية، بل على القوة العقلية، وقد أثبت العلم والتحارب في الدول المتقدمة أن المرأة لا تقل عن الرجل في هذا المجال.
فتحية للمرأة الكويتية وتحية لكل الرجال الكويتيين الذين ناضلوا لنصرتها ووقفوا إلى جانبها لنيل حقوقها كاملة وتحية للشعب الكويتي الشقيق في مسيرته الحضارية المظفرة.