تربية الأنثى أو إنتاج شخصيات عُصابية



حمودة إسماعيلي
2013 / 9 / 29

أنا لم أوجد فقط لأتعلم الطهي ثم أتزوج فانجب أطفالاً ثم أموت ! إذا كانت هذه هي القاعدة في بلدي فسأشذ أنا عنها
¤ كوليت الخوري

تعتبر التربية من أكثر العوامل مساهمة في تشكيل شخصية الفرد، وشخصية الفرد هي واقعه وقدره وتحديده لذاته في العالم والوجود. وتعتمد التربية على أفكار ومفاهيم اجتماعية (عادات وتقاليد الخ) تشكل شخصية المجتمع ـ الواقع الاجتماعي ـ الذي تعمل مؤسساته (منها الأسرة) على ترويض الأفراد للتلائم معه، انطلاقا من نماذج تربوية مستقاة تخدم ـ غرض ـ تشكيل الأفراد بما يلائم الواقع الاجتماعي (حفاظا على استقراره واستمراره ككتلة أو وحدة). فيتم ملائمة الأطفال مع المجتمع ليلائهم هو كذلك عند النضج ! فيُعيدوا كذلك انتاج نفس المنظومة التربوية للجيل اللاحق، ليتكرر انتاجها جيلا بعد جيل كدورة ثقافية لا يطالها التغيير ـ إلا بنسب طفيفة نتيجة التغيرات المفاجئة، سواء كإنتاج/تغيير من داخل الوسط أو من خارجه(كوسط آخر مؤثر).

ومن ضمن مكونات التربية نجد الدين (كدور) مهيمن في العملية (خاصة عندما نتحدث هنا عن المجتمع العربي)، باعتباره (الدين) مؤسسة لها دور/قرار/تأثير في الحُكم السياسي على المجتمع. ونظرا لأنه أسّس تاريخيا نظاما ذكوريا، يُركّز على الفروق الجنسية بالإنسان، فإنه سيعتمد في منتجه الثقافي ونظامه التربوي على نموذجين خاصين بكل جنس (الأنثى والذكر).
ومن اليهودية مرورا بالمسيحية إلى الاسلام، تم العمل على ترويض الرجل كفاعل آمر صاحب سلطة سياسية/اقتصادية/ثقافية (كمتلقي لرسائل السماء)، وتم ترويض الأنثى كمساعدة وراعية وخادمة (آثمة بنظر السماء). لكن يمكن أن نجد أن لمريم العذراء ـ كأنثى ـ لها دور وسلطة في المؤسسة الدينية، توازي سلطة الذكر في رعايته وبركته ـ كمؤثر ايجابي (كما نلاحظ بالدعوات الموجهة إليها) ـ غير أن الأمر مرده لتأثير الأديان الوثنية بالمسيحية، وسكب أغلب رموزها لدى اعتناق الدولة الرومانية بعهد "جايوس كوستانتينوس" ـ أو قسطنطين ـ للمسيحية كديانة رسمية، وتحويل المعابد الوثنية لكنائس. ليندمج الدين الوثني ـ الذي تحظى فيه الأنثى بمكانة كمتداد لسلطتها القديمة (ام الاله وحبيبته) ـ وتبرز مفاهيمه (كزيادة) في الإعلاء من قيمة العذراء "كأم للرب" موازية لسلطته. بل إن سلطتها تتجاوزه ـ على مستوى اللاوعي ـ باعتبار الأنثى أم الذكر (الخالقة والراعية والموجدة له). لهذا نجد مكانة/تأثير الأنثى كأم للملك أو النبي تختلف عن مكانة/تأثير باقي النساء (وحتى الرجال) بالمجتمع، "كأداة انتاج" للسلطة و"وسط" لرعايتها (الابن).

وبالنسبة للمجتمع العربي، والذي ما أن يُذكر فيه لفظ انثى/امرأة حتى تُشغّل أسطوانة "أنها في ظل الدين حظيت بمكانة لم تحظى بها من قبل" ـ كإشارة للإسلام كدين مؤسسي - الأكثر انتشارا وتأثيرا بالمنطقة ـ بل أن الأمر يصل حد قول أنه "اختصها بامتيازات عن الرجل تقديرا واكراما لها"، غير أن التاريخ يكذّب هذا الأمر ف"المرأة الجاهلية كانت تتمتع بحرية واسعة تكاد تتكافأ مع حرية زميلها الرجل في مجتمع عديم الدولة. ولم يكن المنزل يعني عندها أكثر مما يعنيه للرجل إلا في حساب التدبير المنزلي ـ المعهود اليها ـ واعتبارات الامان التي تجعلها اقل قدرة من الرجل على الحركة في الخارج. وقد تبدل هذا الحال في الاسلام ففقدت المرأة كثيرا من حريتها – وفرضت عليها قيود لا يعرفها اهل الجاهلية. ويتصل هذا التحول باكتمال تطور المجتمع العربي في الاسلام نحو الابوية الذكورية الناجزة مع نشوء الدولة القائمة في جوهرها السياسي والتشريعي على اقتصاد التملك الخاص والمدارة من طرف الرجال. وهذا يعني وجود الدولة كمظهر شامل وجود القيد على حرية الافراد رجالا ونساء لكن قيود المرأة كانت اشد"(1) ! . لتُقيّد بالمنزل وأعباءه كمهمتها بالحياة، مايعني خلق نموذج ترويضي يخدم هذا الدور (المنوط بها)، عند القيام بتربيتها.

في تقرير فرويد الذي يتطرق فيه لحالة دورا (المريضة بالهستيريا)، اعتبر أمها التي وصفها "بالغير مثقفة-عادمة الذكاء.. شغلها الشاغل طوال اليوم تنظيف الشقة وترتيبها، والعناية بالأدوات المنزلية"، ليُدرجِها تحت مُسمّى "عُصاب مدبرة المنزل" ـ والعُصاب هو الانفصام الذي لم يصل بعد لأوجه - هذا الأخير الذي ينسحب الشخص على اثره من الواقع ويدخل لعالم وهمي من خياله (للقيام بمهمة فيه أو دور) ـ (باعتبار أنها) مثلها مثل مدبرات البيوت (الغير مدركات لعصابهن حسب تعريفه) !! .

فالأنثى هنا تنفصل بالتدريج عن الواقع (كانسحاب من زخم الحياة اليومية)، والتركيز على عالمها الصغير (البيت) كدورها في المجتمع/الحياة ! وأي دور ؟! الأطفال يقوم الشارع والمؤسسة التعليمية بتربيتهم، والرجل ينشغل بالحياة الواقعية ـ كمؤثر وفاعل وهو لا يختلف/يتميز عنها في شيء ـ .
(دورها) فقط القيام بطقوس يومية بسيطة (من تنظيف وكنس وترتيب) انطلاقا من خدعة أنها أعظم مهمة/دور ملقاة على عاتقها بالحياة المجتمعية ـ كما يعتقد المنفصمون أنهم يقومون بمهمات كونية وأدوار تاريخية ! ـ .

فإذا كان المجتمع العربي يهدف بنظامه التربوي إلى انتاج الإناث كشخصيات عصابية، فإنه قد نجح. وفشلت المجتمعات التي يسمح للنساء فيها بقيادة المجتمع سياسيا، تلك المجتمعات الإباحية (أو التي تشجع عليها) ـ بتعبير المنوّمين مغناطيسيا، الذين لايدركون أنه فقط لعقود خلت كانت النساء (الجواري) بالمجتمع العربي ملزمات بعدم تغطية صدورهن ! ـ . وفعلا المجتمع العربي لم يكن يُشّجع على الإباحية، لأنه كان يعيشها ! .

ولا يقف الأمر عند العُصاب، فهدف التربية العربية للأنثى هو انتاج حذاء : "الحذاء الزوجة لانها موطوءة كالنعل"(2) ـ بشرح الزبيدي (علامة بالحديث واللغة العربية والأنساب ومن كبار المصنفين في عصره).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :

1 : هادي العلوي - المرأة في الجاهلية المرأة في الاسلام، مجلة النهج عدد 5، 1995 ـ ص16
للمزيد أو سهولة الاطلاع :
http://www.sotaliraq.com/womens-world.php?id=16322#axzz2gIB6YN5k
2 : راجع السطر ماقبل الأخير بالموقع :
http://islamport.com/w/lqh/Web/1159/8340.htm