قبل أن يسرقكِ العمر



احسان طالب
2013 / 10 / 4

أمام المرآة:
ـ وقفتْ أمام المرآة تتأمل وجهها ، لاحظت ظهور خطوط جديدة وذبولاً في نظرة عينيها ، أصابتها الدهشة: هل تقدمت بالعمر بهذه السرعة أم أنني غفلت عن نفسي لزمن طويل حتى لم أعد أعرف متى غزت تلك التجاعيد وجهي ، لقد أهملت جمالي وصحتي بحجة الانشغال بالعمل وانهماكي بهموم الآخرين وأمضت ردحا طويلا من حياتي متجاهلة ذاتي وحاجاتي. لا أتذكر أخر مرة ذهبت فيها لعيادة طبيب أو زرت بوتيكا نسائيا ، ياترى منذ متى كانت آخر مرة اشتريت فيها لنفسي مكياجا أو أمضيت ساعات أتجول في محلات الملابس النسائية ،
كان ينظر إلي من خلفي بحنان وحب وكأنه يستمع لما بداخلي، لم يتحدث إلي بكلمة، وفي صباح اليوم التالي أخبرني بأن الوقت قد حان لتكوني أنت همي وهمك الأول وقدم لي مفاجأة لم أكن أتوقعها !
سؤال :
ـ سألتها : لماذا تتحول المرأة بعد عدة سنوات من الزواج إلى آلة ميكانيكية لتلبية طلبات الجميع، وتتراجع مكانتها تدريجا حتى تصل ليوم تنسى نفسها وينسى الآخرون أنها أنثى، وينظر الجميع إليها كشخص مهمته إرضاء الآخرين وتقديم الخدمات لهم ؟
ردت: تعيش المرأة في أول سنوات زواجها باحثة عن مكانة تجمع فيها بين الزوجة والمرأة والأنثى ويدفعها الزوج والمجتمع ببطء لزاوية ضيقة نمطية تصبح فيها زوجة وأم، وإذا حاولت الجمع بين مهامها العائلية وتوقها كأنثى تحب الظهور والتنافس والجمال والحياة تجد الجميع ضدها.
قلت لها: ربما كان تخلي المرأة عن كثير من حقوقها وحرصها الكامل على أداء واجباتها دون شكوى أو مطالبة سبب لجرأة الرجل والمجتمع عليها.
الكلام بالعموم والاستثناءات كثيرة.
من يدري ؟.
أريد الصراخ :
كنت شابة رومانسية حالمة ، أحب الموسيقا والشعر أمضي نصف ليلي ألتهم روايات عربية وغربية ، أنسى نفسي مستغرقة على شطآن الرواية والسرد ولا أنته إلا والفجر يؤذن بنهار جديد ، أحرص على اقتناء أحدث الأسطوانات لمشاهير الغناء في العالم ، أشترك في نقاشات حادة عن الحرية والتحرر وانخرط بعمل حزبي سياسي يخدم قضية التقدم والحداثة التي آمنت بها ، لم أبلغ العشرين عندما وجدت نفسي عروسا على الأيكة ، والضجيج يملأ المكان وروائح العطور تختلط برائحة العرق وأصوات المحبين تتداخل مع أصوات الغيورين والحساد ، لا أنكر أنه شاب وسيم وطموح ووعدني بحياة مليئة بالترف والسفر ، لم يخدعني وعشت سنوات طوال أفتش عن مظاهر الحفلات والاختلاط بالطبقة المثقفة وبات منزلي الخاص صالونا ثقافيا لا بد أن يمر عليه مشاهير الأدب والفن والموسيقا من أهل البلد ومن زواره
عند عتبة الأربعين لم أكن أدري كم بلغت من العمر ، حفلة عيد ميلاد رائعة طغت فيها التهاني والأمنيات وملأت زوايا الصالة هدايا جميلة ورائعة ، دخلت إلى غرفة نومي وحيدة كما هي عادتي منذ سنوات والهدوء يعم أرجاء المكان بعد انحسار الليل ، أريد الصراخ بأعلى صوتي ، أريد أن يعرف الجميع ، أريد كشف كل الحقيقة ، أنا لست سعيدة ولا أشعر بطعم الحياة الحلو ، لا أعرف معنى الهناء والسكون الداخلي ، لا أذكر أخر مرة تحسست فيها جسدي كامرأة تنبض بالشباب والعنفوان .
منذ سنوات أنام في غرفة نوم منفصلة عن غرفة زوجي ، وإذا جمعنا سرير واحد فصل بيننا عالمان مختلفان ، كنا دائما كالماء والنار ، كموج البحر الصاخب وخرير ساقية ماء مهجورة ، كنا كعصفور أخرس وبلبل شادي لا يكف عن الغناء
لا أعرف كم مضى علي من شهور أو سنوات وأنا وحيدة بين الجموع أحتضن وسادتي الخالية بغرفة مجاورة لغرفة يعلو من خلال بابها الموارب صوت شخير زوجي ، بت جسدا بلا روح وامرأة بلا أنوثة ، عندما أزور صالات عرض الألبسة الكبرى في المدينة تطالعني صور المانيكانات فأشعر مباشرة وكأنني واحدة منهم ، صنم بلا روح وبلا حياة ، مشجب تلقى عليه أجمل الثياب وأرق كلمات الإعجاب ، دون رد أو جواب.