ظاهرة التحرش بالفتيات – بين نظرة المجتمع، التشخيص و الحلول.



نضال الربضي
2013 / 10 / 9

ظاهرة التحرش بالفتيات – بين نظرة المجتمع، التشخيص و الحلول.

أتصفح الجرائد الإلكترونية بشكل يومي لأبقى على اتصال مع المجتمع و ما يحدث فيه، و لأراقب مجريات الأحداث في بلدان العالم و خصوصا ً الشقيقة منها كمصر و سوريا، ثم أنزل إلى الأسفل لأمر َّ على تعليقات القراء علها تساعدني على أن أضطلع على وجهات النظر الشعبية المتنوعة مما يساهم بإمدادي بفهم ٍ أفضل للعقلية أو العقليات التي تحكم المجتمع و القيم التي يتبناها أفراده و التي تشكل ردود أفعالهم و سلوكهم و تعطي المجتمع شكله و الخصائص التي تميزه.

بين الحين و الآخر نقرأ أخبارا ً عن عملية تحرش حدثت هنا أو هناك، تدفع ثمنها فتيات ٌ تصادف وجودهن في المكان و الزمان مع شخص أو مجموعة أشخاص انتهكوا كرامتهن الإنسانية بواسطة فعل ٍ تنمُّري عدواني شبق. و تتنوع الخاتمة ما بين اختيار الفتاة المضي بطريقها تحمل ُ الاعتداء في داخلها مكلومة ً صامتة فيروي أخرون شهود ٌالحدث عنها و هذه أكثرية الحوادث، أو اختيارها المضي إلى قسم الشرطة (المخفر بلهجتنا الأردنية) للإبلاغ و هذه أقل الحوادث.

و كأن ألم الحدث نفسه لا يكفي حتى تطالعنا التعليقات بجمل من شاكلة "الحق عليها شو وداها هناك" بمعنى أن المعلق يرى أن الضحية لم يكن يجب أن تتواجد في ذلك المكان أصلا ً على الرغم أن المكان هو حي أو شارع عادي و ليس في وكر ٍ لعصابة، أو من شاكلة "شو مطلعها في الساعة هاي" بمعنى أن المعلق يعين ساعات محددة على الفتاة الخروج فيها و ساعات أخرى يمتنع عليها الخروج من خوف الأذى.

بعض التعليقات الأخرى تتمادى لتحكم على الفتاة بعبارات مثل "شكلها أصلا ً مش نظيفة" كمجرد حكم مبتور من أي سياق منطقي مُريح لقائله يعفيه من عناء الاحتكام للمرجعية الإنسانية أو الأخلاقية ما دام فساد خلق الأنثى الذي افترضه هو السبب. لكن أغلب التعليقات تذهب في اتجاه الحديث عن لبس الفتاة و أهمية احتشامها و نتائج عدم الاحتشام، مع أن القليل من التفكير يجعله واضحا ً أمام المرء أن الكلام عن احتشام الفتاة و لباسها و تصرفاتها و المطلوب منها، هو في حقيقة الأمر اختيار لأسهل الأمور، و رمي للحمل على ظهرها ، و إدانتها بالتسبب بالجرم الذي وقع عليها، و تغير موقفها من ضحيه إلى مجرم، و من مجني عليها إلى معتدي، و هذا المعتدي يستحق ما نزل عليه و لا حق له أن يحتج.

غريب جدا ًهذا المجتمع الذي لا يرى في المرأة سوى صدرها و دوائر فخذيها و بياض جلدها و رنة صوتها و رائحة عطرها. و غريب هذا المجتمع الذي لا يرى في المرأة إلا فتنة و غواية و مطمع و صيده و عوره. و غريب هذا المجتمع الذي لا يرى الشرف إلا في قطعة جلد تختبئ في العضو التناسلي للمرأة. غريب هذا المجتمع الذي لا يعرف أن يعلم ذكوره كيف يكونون بشرا ً ينظرون لإناث هن بشر أيضا ً و يتعاملون مع بعضهم البعض بشرا ًمع بشر و ليس رجالا ًتشتهي نساء ً، أما الأغرب على الإطلاق فهو هذا الجُبن من مواجهة الحقيقة و الانتصار للمظلوم و وضع الظالم أمام مسؤوليته الأخلاقية و الانسحاب التقهقري نحو أسهل الحلول و ألذها و أقدمها موروثا ً و ممارسة ً و هو "لوم المرأة"

لا تلقوا باللوم على لباس الفتاة، فقطعة القماش لا يمكن أن تكون سببا ًفي منعك عن عمل تريد أن تعمله و أنت مقتنع به أو مدفوع إليه بعاطفتك. المشكلة في العقلية يا سادة. هذا المجتمع مريض بالعقلية و التسلط الذكوري و عنجهية الذكر، و نساء هذا المجتمع يدفعن ثمن العقلية الذكورية. كم من محجبة و منقبة تم التحرش بها و كم من طفلة و مراهقة و شابة انتهكها أبوها أو أخوها أو أحد أقربائها الذين تفترض الأمان منهم و الرعاية و المحبة و الحماية، فتلقت الخنجر في القلب و الكيان.

هذا المجتمع يراقب المرأة في كل شئ حتى في ملبسها داخل البيت، فالأخ لا يتوانى أن ينظر إلى أخته نظرة تحذير صامتة إذا جازت أمامه بشورت أو قميص بدون أكمام من غرفتها إلى المطبخ، و الأم المقموعة قبلا ً تتحول إلى قامع ٍ لاحقا ً و هي تتلقى هذا الشرف القمعي الرفيع لممارسته على الأجيال القادمة من الإناث. و بذلك يتركز لدى الذكر فكر يقول أن الأنثى الشريفة العفيفة هي الأنثى التي تقبل التوجيه و لا تناقش فيه و لا تتعداه و تسير بموجبه و تلتزم به، مما يخلق إما أنثى تتسم بهذه الصفات المازوخية فعلا ً أو الأنثى التي تلتزم في العلن و تعصى في السر، أو تلك التي تعصى في العلن في مشاغبات عاطفية تنتهي إما بترويضها أو إخمادها، أو طردها من البيت أو استمرارها على ما هي عليها لكن مع مقاطعة العائلة و الصديقات لها.

أعتقد أنني على حق حينما أقول أننا جميعنا أو بالأحرى معظمنا و أنا من هذا المعظم نؤمن بالإنسانية و التساوي في كرامتها الموجودة فينا جميعاً، و أنني نضع الأخلاق و الشرف كما نفهمهم كنمط سلوك و حياة يتسم بالصدق في التعامل و الشفافية في العلاقات بعيدا ً عن الكذب و الطمع و الاستغلالية، و في انسجام مع احترام النفس و احترام الآخر و احترام القانون و احترام البيئة، و الإخلاص نحو الشريك و العائلة و الإنتاجية في العمل و تحمل المسؤولية الأخلاقية للأفعال و الترفع عن الصغائر و الخصومات و النزاعات الاصطدامات و الحكم على الناس و استغابتهم، و بالقطع لا نؤيد الإباحية و تحويل البشر إلى سلع تقدم الجنس بدل المال أو بالمجان دون ضوابط. و أجد أن اضطراري لأن أكتب هذه الفقرة هو في حد ذاته مأساة لأن هذه الثوابت لا داعي لتأكيدها و لا نقاش عليها لكننا تعودنا ممن لا يستطيعون أن يستوعبوا دعوتنا الإنسانية أن يبدأوا هجومهم الدونكيشوتي الكيبوردي باتهامنا بمحاولة نشر الرذيلة و الإباحية و نحن أبعد ما نكون عن ذلك.

أود أن أختم بتوضيح ٍ أخير و باختصار أن مشكلة التحرش الحقيقية يتم حلها من خلال عدة خطوات:

- أولا ً بالتخلص من مفهوم الأنثى كعورة والإيمان أنها إنسان كامل.
- ثانيا ً تعليم أطفالنا أن التعامل بين بعضهم البعض هو تعامل إنسان مع إنسان و ليس ذكر مع أنثى.
- ثالثا ً التأكيد على حق الإنسان الذكر و الأنثى بتقرير اتجاه حياتهم بدون إجبار أو قمع من الأهل أو المجتمع.
- رابعا ً سن القوانين التي تكفل للأنثى بشكل خاص حقوقها الإنسانية و القانونية كافة ً في مجتمع مدني.
- خامسا ً عدم التساهل مع ظاهرة التحرش و تغليظ العقوبات على المتحرشين دون الأخذ بالأسباب التخفيفية.

الطريق طويلة لكنها تبدأ بالاعتراف بالمشكلة و نشر الوعي المجتمعي الكافي تمهيدا ً للقاعدة المجتمعية التي ستحتضن الحل، و التي يجب أن تتشكل نواتها من السيدات و خصوصا ً القانونيات منهن، و من الرجال الذين يستطيعون أيضا ً التأثير في أقرانهم، حتى تتشكل نواة الحل التي سيبزغ منها فجر ٌ أفضل لهذا المجتمع الطيب الذي يستحق الأفضل.