المقارنة المهينة للحضارة والكرامة والأنوثة



نور الدين بدران
2005 / 5 / 30

شكراً وتحية للشاعرة فرات إسبر على تواضعها أولاً وعلى صدقها الذاتي ثانياً وعلى جرأتها ثالثاً وعلى موضوعيتها رابعاً وعلى مالا يحصى مما أظهرته من فضائل وكل ذلك في مقالة جميلة ومؤلمة وترفع الرأس شكلاً وأسلوباً ومحتوى.
فعلى تواضعها : إني شخصياً أعتبر الرد على السيد محمد سعيد رمضان البوطي ، في حد ذاته تواضعاً ، وليس لشخصه الإنساني فأنا أحترمه كإنسان دون أية معرفة شخصية بيننا، ولكن ككاتب وكمؤلف أعتبر الرد عليه تواضعاً ، لأنه ببساطة شديدة ، كاتب يعرف، ويعرف أنه يعرف ويعرف أنه يحيد عن معرفته بتحويل نفسه إلى مستكتب لمصالح عابرة وضيقة، ليس في ما ناقشته الشاعرة فرات إسبر فقط، وإنما في معظم كتاباته ، ولو بدأت هنا بالأمثلة لاحتجت وقتاً طويلاً ، وفي الحقيقة لا أمتلك سماحة وتواضع وكرم الشاعرة لأهدر ذلك الوقت ، لكني ودفعاً عن نفسي أن أكون متهِماً ، أؤكد بشكل موجز: أن السيد البوطي في أوائل السبعينات كرس كتاباته ضد :"أوهام المادية الجدلية" حيث كانت الدوائر إياها تواجه المد الشيوعي في المنطقة ، ولم تحتمل إسلاميته (القناع) حتى كاتباً وسطياً في منهجه الفلسفي ، وقومياً في منطقه التاريخي ، رغم النكهة الماركسية، كالأستاذ طيب تيزيني حيث تصدى له السيد البوطي ، ومعه مجموعة من الشبيحة، وكنت حاضراً تسجيل الندوة الإذاعية لمناقشة كتاب تيزيني" من التراث إلى الثورة" لبرنامج :" كاتب وموقف" الذي كان يعده ويقدمه الأستاذ عبد الرحمن الحلبي، وجرت المعركة في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بدمشق، كما أذكر، وأقول المعركة لأن جماعة البوطي وعلى مرأى من عينيه هجموا بقبضاتهم السلفية الإرهابية على أحد الذين ردوا على البوطي ، وكنت شاباً (أواخر السبعينيات) فساهمت في الدفاع عن النفس والهروب ، وقد تخربطت الجلسة وأفسدها جماعة البوطي والشيرازي الصباغ وآخرين من كلية الشريعة والحقوق في جامعة دمشق.
فيما بعد علمنا ما علمنا من الرعاية والمباركة لما أنجزه السيد البوطي وجماعته .
وفي أوج السعار الأخواني الإرهابي أخذت كتابات السيد البوطي (وقد نسي أو أنسي المادية الجدلية) تمارس دورها المرسوم لها بدقة ، فراح يغطي المطلوب ، ولعله لم يقل يوماً من الحقائق المفيدة كما قال في تلك الأيام: (مكرهاً أخاك لا بطل)، وحين تألم الأكراد وصرخوا، نسي تماماً أنه كردي، بل زادت درجة حرارته العربية الإسلامية، و"أبدع" في برنامجه التلفزيوني الممطوط إلى الأبد: "دراسات قرآنية" وكأنه يقرأ محاضرة لميشيل عفلق عن وحدة الأمة ومساوئ الفتنة، طبعاً دون أية إشارة صريحة للأحداث الجارية آنذاك.

في المرحلة الراهنة وفي ظل تصاعد الحركة الديمقراطية والمطالبة بالحريات ، وفي مقدمتها حرية المرأة التي في نظري هي الشرط الأول والأساسي لجميع الحريات الإنسانية ، ينبري السيد البوطي لأداء وظيفته التي بات يعرفها جيداً ، وكما في كل مرة يضع قناع الإسلام ويتقدم للهجوم على المرأة والحرية والغرب وفق سمت معين ومدروس، كما يضع غيره قناع الإسلام ويهجم بالقنابل والطائرات المفخخة على معالم الحضارة.
أما أنه المفتي أو المستشار الفقهي لمجلة طبيبك ، فهذا ما علمته في السنوات الأخيرة وبالمصادفة، وذلك حين كان ولدي في المرحلة الإعدادية، حيث سمعت قهقهته العالية من غرفته تصل إلى غرفتي، ورحت أستطلع الخبر، وإذا بولدي يقدم لي مجلة طبيبك ويقول : بابا اقرأ، وقهقهت أعلى وأعلى ، كان السيد البوطي يرد على القراء وقد سأل أحدهم : هل غسيل الثياب في الغسالة حرام؟ وكان رد السيد البوطي: نعم حرام إلا إذا كانت الغسالة من ماركة كذا أو كذا...........
قلت لولدي مازحاً يبدو أنه له حصة في تلك الماركات، وبالمصادفة أيضاً ، فيما بعد ، أن مزحتي حقيقة.

أما على صدق الشاعرة وجرأتها وموضوعيتها فأيضاً يمكنني كتابة الكثير استنباطاً من مقالتها ، حيث الإباء الأنثوي والملامسة الحقيقية لوضع المرأة ومكانتها في دول النور والحضارة وفي دول القمع والتخلف ، وفي قربها الشديد من الوقائع التي انبثقت منها أفكارها ، وليس من الأفكار الصفراء التي تحاول أن تستحلب الوقائع على طريقة السيد البوطي ومن لف لفه.
الغرب /الحضارة /الثقافة والعلوم والتقدم ، لديهم ما لديهم من الأزمات الإنسانية والكآبة والسأم، وهم أنفسهم من يخبرونا بذلك أدباء وشعراء وعلماء نفس واجتماع ، وحركات ديمقراطية ونسوية وبيئوية ....إلخ.
أما نحن فليتنا نستطيع رؤية القمامة التي في بيوتنا ، وبالحري أمام أبواب منازلنا، وكل مقارنة بيننا وبينهم هي مقارنة مهينة للحضارة والكرامة والأنوثة والإنسانية، وسلفاً أعتبر سيل الشتائم والتهم الذي سيتقدم نحوي بسبب هذا الرأي ، نوعاً من الشهادة.
إن من أخطر ما نعاني منه ، هو قضية المرأة ، حيث يتفاوت حجم الجريمة بحقها بين بلد وآخر وبين منطقة وأخرى وعائلة وأخرى، ولكن في كل مكان وبغض النظر عن شكل وحجم وأداة الجريمة هي جريمة ، ولا توجد تسمية أخرى لوضع المرأة عندنا، بدءاً من ولادتها وحتى موتها حيث تنتقل من جلاد إلى آخر: الأب فالأخ فالزوج فالولد وكل ذلك تحت رعاية ومباركة المجتمع الذكوري وكهنته كالسيد البوطي وأقرانه من الشكة متعددة الجنسيات.
هل علينا أن نسوق الأمثلة : من المغرب إلى الكويت مروراً بالصحراء العربية الإسلامية الكبرى .
لست في صدد الرد على السيد البوطي ، فقد قامت الشاعرة فرات إسبر بذلك على أكمل وجه، إنما- لذلك – أنا في صدد تحيتها وشكرها، وتحية المرأة التي هي مستقبلنا.