دعوني اعيش.. صرخة تطلقها منظمة (بنت الرافدين)



فوزي الاتروشي
2013 / 10 / 22

الحديث عن المرأة وقضاياها هو حديث عن الإنسان وحقوقه وشؤونه، ولأن الأمر كذلك فان أي انتهاك أو خرق لحقوق المرأة وأي إقصاء وتهميش لها، هو انتقاص لإنسانية الإنسان، وتبعاَ لذلك فان أية حجة أو ذريعة أو سياق إيديولوجي أو فكري للتضييق على المرأة وتحجيم دورها في المجتمع يبقى خارج إطار المناقشة وبعيدا عن المنطق وواقع الحياة.
إن وضع المرأة كارثي ولضيق المجال فلسنا هنا بصدد إيراد كل الإحصاءات اليومية حول العنف الجسدي والمعنوي والاقتصادي والنفسي الذي يلاحقها في كل مكان، أو حالات التحرش الجنسي، أو الطلاق التعسفي وزواج الإكراه وزواج القاصر وكل أشكال التمييز التي تعاني منها المرأة العراقية لتصبح في وضع غير قادر على العطاء والبناء والمشاركة في تنمية المجتمع.
وما زاد الطين بِلّةً أن النظرة إلى المرأة لم تشهد انفتاحاً بعد التحرر من الدكتاتورية عام (2003)، وإنما بالعكس شهدت حقوق المرأة انحساراً مضاعفاً إثر لجوء بعض الأحزاب الدينية الى إقحام الماضي في الحاضر واللجوء الى أحاديث ضعيفة ومقولات فقهية بعيدة عن العصر للحكم بها على مختلف قضايا المرأة.
وكان لا بد لبعض الأصوات النسوية القوية من أن تعلن صرختها وان تفكر بصوتٍ عال لوقف هذا التدهور، ومنها منظمة ( بنت الرافدين ) التي تأسست عام (2005) في محافظة بابل وفي وقت قصير استطاعت أن تنجز الكثير من العمل لتمكين المرأة والتعريف بحقوقها وتوعيتها واستنكار الهيمنة الرجولية في وقت أصبحت فيه النساء يشكلن أكثر من نصف المجتمع العراقي، ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية إذا كانت الأقلية الرجالية تقمع الأكثرية النسائية.
قدمت هذه المنظمة التي تديرها الناشطة والكاتبة (علياء الانصاري) دراسة ميدانية اجتماعية شاملة حول العنف ضد المرأة في محافظة بابل خلال عام 2012 في (117) صفحة، خلصت فيها الى أن المرأة (يحاصرها العنف في كل ادوار حياتها وفي جميع المجالات التي تتحرك فيها لينتج لنا شخصية ضعيفة سلبية قانعة بما يدور حولها، مستسلمة لأقدارها، معتقدة أن هذا الكائن هو ما يجب أن يكون ولا جدوى في تغيير كينونته). وفي خاتمة الدراسة ناشدت المنظمة كل مؤسسات الدولة المعنية بالتشريع وحماية حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني النسوية والمؤسسات الدينية والثقافية لتتضافر جهود الجميع لحماية المرأة وتأمين المساواة والعدل والحياة الكريمة لها أسوة بالرجل. لأنه عندما يصمت المجتمع تقول علياء الانصاري في مقالها الافتتاحي لصحيفة (بنت الرافدين) عدد 1/9/2013 فان (نسبة انتهاك حقوق المرأة ترتفع وتضيع كرامتها وتصادر حياتها) .
لذا فلا بد من صرخة جماعية توقف مسلسل قتل المرأة وهدر إنسانيتها وهذا ما دفعنا في وزارة الثقافة للقاء مديرة المنظمة وفريق العمل والكادر المتخصص باستقبال حالات العنف يومياً وذلك يوم 5/6/2013، حيث حضرنا لإقامة ندوة حوارية حول موضوع تأديب المرأة ومدى حق الرجل في ضرب المرأة وتعنيفها. وخلال المداخلات توصل الحاضرون إلى ضرورة التعجيل في ربط العراق بالمواثيق الدولية وجعل اتفاقية مناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة جزءا من القانون الداخلي العراقي، ورفض كل العادات والتقاليد البالية التي تتحكم بالنظرة الى المرأة، وعدم توظيف النصوص الدينية بمنظور سياسي ضد المرأة، وإلغاء حق الرجل في ضرب الزوجة، وكذلك المواد المتعلقة بالنشوز لان الرجل أيضا يمكن أن يكون ناشزاً.
وخلال الندوة ألقى د. محمد عودة محاضرة حول هذا الموضوع بعنوان «العنف الجسدي بين التأديب والتعنيف» .
إن منظمة (بنت الرافدين) صوت قوي وفاعل ومؤثر ولا بد من بروز عدد لا حصر له من هذه الأصوات العالية النبرة في مختلف مناطق العراق لاسترجاع كرامة المرأة وتمكينها وتحصينها وصيانة إنسانيتها.