المرأة العراقية والحراك الشعبي



ياسمين الطريحي
2013 / 10 / 29

قرأنا ولازلنا نقرأ التقارير والمنشورات وبعض من الدراسات التحليلية الخجولة والتى تظهر من حين الى أخر ، عن أوضاع المرأة العراقية بعد غزو واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة ، ومن ثم تسليمه لحكومة اقل مايقال عنها سلطة تنفيذية لايران اي سلطة (الملالي) قلبا وقالبا ولسياسات امريكا والكيان الصهيوني في الشرق الاوسط.
أكثر إهتمام هذه الدراسات هو عن وضع المرأة العراقية الكردية في شمال العراق الذي يسمى الان "بأقليم كردستان العراق". فالتقسيم العرقي قد وصل الى التمييز بين نفس الجنس وهي المرأة العراقية بشكل عام . اصبحنا الان امام "المرأة العراقية الكردية" من جهة و"المرأة العراقية العربية" من حهة أخرى. كأن هذا الكأئنين يختلفان عن بعضهما البعض . لذلك تتجه الأنظار والصحافة الدولية والاقليمية بتسليط الضؤ على معاناة المرأة العراقية الكردية أكثر واوسع من معاناة المرأة العراقية العربية لاسباب على ماأعتقد يعرفها القارئ المثقف الواعي. وليس هنا بيت القصيد ولا احبذ التفاصيل هنا الان. ولكن كان لمجرد التنويه للقراء الأفاضل.
هذه الدراسات والمنشورات تذكر ارقاما لا اكثر. ولاتتحدث هذه الدراسات عما يصيب المرأة العراقية العربية من قمع سياسي ، واقتصادي ، وأجتماعي حقيقي ومنهجي بأسم (مذاهب الحكام المتأسلمين الجُدد) . يذكرأن أكثر من 70 % من بنات ونساء العراق خارج نطاق المدارس والكليات حسب احصائية وزارة التعليم الحكومية لعام 2008.(1) "ان أكثر من 2 مليون أرملة وبمختلف الأعمار أضافة الى عدد مقارب من المطلقات ، حيث توجد ارملة واحدة بين كل 6 نساء في العراق تتراوح اعمارهن بين 15 – 50 عام في حين ان 84 الف امراءة منهم فقط يتلقين معونات شهرية من هذه الحكومة ، نقلا عن "وزيرة المرأة " في تصريح لها في شهر أذار 2008 .(2) وأن مابين 50-60 % من الزيجات في العراق تنتهي بالطلاق في ارتفاع غير مسبوق بنسبة حالات الطلاق في البلاد ذكرها محمود الشيخ راضي وزير العمل والشؤون الأجتماعية في الحكومة سنة 2008 .(3) وأن السجون العراقية فيها حوالي 4000 امرأة و22 طفل حديث الولادة وبينهن نساء من حملة الشهادات ، واغلبهن يتعرضن لعمليات اغتصاب وتعذيب ويعانين اوضاع صحية وانسانية صعبة للغاية هذا نقلا عن تصريح لمجموعة مكونة من رئيس لجنة حقوق الأنسان في البرلمان وهم : حارث العبيدي ، وعضوية النواب شذى العبوسي وعامر ثامر مدير ، وكيان كامل حسن بعد زيارتها للسجن نشر بتاريخ 11/5/2009 .(4) اكتشاف شبكات متخصصة باختطاف وتهريب فتيات عراقيات الى دول مجاورة ، لأستغلالهن في أعمال غير أخلاقية ، ناهيك عن ظاهرة الأتجار بالبشر من نساء واطفال واستغلالهم في التسول والبغاء والسطو والارهاب واخيرا وليس أخر هو ان هناك 5 ملايين طفل يتيم في العراق و500 الف مشرد (5). بالاضافة الى ذلك كثرة الولادات المشوهة بسبب المواد المشعة التى استخدمتها قوات الاحتلال في تدمير العراق وخاصة في البصرة والفلوجة والتى تتستر عليها "الحكومة العراقية الحالية المنتدبة".
هذه الارقام - التي نقرأها ونمر عليها مرور الكرام ولا نرى اصحابها أو نسمع عنهم - مأهولة بالنسبة الى عدد سكان العراق الذي لايتجاوز ال 30 مليون نسمة . وبنفس الوقت هناك غياب مطلق عن ماهية الأوضاع الحقيقية للمرأة العراقية خاصةً بعد غزو واحتلال العراق منذ 2003. وليس هناك اية بحوث اوتحليلات اجتماعية مستقلة تتناول بالتفصيل عما يحصل في العراق وخاصة مايمس أوضاع المرأة العراقية ، ولم يسلط الضؤ على مأساتهن المزدوجة ، الا من بعض صور تنشر في صفحات التواصل الأجتماعي أو بالصدفة نسمع عنهن ، لأنه طبقا للتقاليد العشائرية والقبلية التى اصبحت اقوى مما كانت عليه قبل الأحتلال بان المرأة "ملف مغلق لا يمس لأنه يمس العرف والتقاليد القبلية" .
هذه الارقام لاتذكر حجم مأساة المرأة العراقية والتى تضاهي مأساة كل النساء العربيات في انحاء الوطن العربي. أنظرُ الان الى الاعلام الغربي والعربي الذي يسلط الضؤ على معاناة المرأة السورية فقط وذلك من أجل ضرب سوريا وتقسيمها وليس من اجل مأساة هؤلاء النسوة المعذبات وهذا أخر ماتفكر به الدول المعتدية عادةٌ . بينما معاناة المرأة العراقية لا ترى هذا الأهتمام لأن العراق قد "تحرر" من وجهة نظر هذا الأعلام المزدوج المعايير ذاته.
المرأة العراقية من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب وبكل طوائفه واعراقه تعاني قهرا انسانيا اخر ، ابعاده أخطر من الارقام التى ذكرت أعلاه ، لانه قهراً يتعلق بالفكر والعقل أكثر مما يتعلق بالجسد او الُعُرق ، وهي التبعية المذهبية والعرقية السياسية الحديثة التى دسترها دستور بريمر الاحتلالي ، أضافة الى ذلك القمع العرفي العشائري القبلي الذي شجعه الحصارالظالم اولاً ومن ثمُ الاحتلال ثانياً ، والحكومة الطائفية ثالثاً.
حين ترى المرأة العراقية في "البرلمان العراقي" وهي جالسة ترى "كيسا اسود ذو وجه" ملتفة بالعباءة والشيلة السوداء وتتحدث بلسان مذهب حزبها . هذه ليست هي المرأة العراقية التى اعرفها ونشأت تحت كنفها وثقافتها ، وهي ليست المرأة العراقية التى تساهم في إقتصاد عائلتها في الريف وفي الزراعة او في المعامل او سائقة التاكسي "كأم علي" البطلة والتى تعرفنا عليها من صفحة "الفيس بوك". هذه البرلمانية التى تسمى "عراقية" لا تمثل المرأة العراقية بأي شكل من الأشكال وانما نموذج تبناه الأحتلال. هذه "البرلمانية العراقية" قامعة لذاتها ولشخصها ، وجاهلة بفكرها ، وضامرة لأنسانيتها ، فهي لا تعي فكريا ولا عقليا ولا انسانيا بما تؤديه ، وانما تؤدي دورا مناطاً لها بأسم المذهب الذي تنافقه وليس إيمانأ منها وذلك من أجل أنجاز مصلحة ذاتية بحتة لشخصها وأهلها وعشيرتها .
فالقمع المزدوج الذي تعاني منه المرأة العراقية ،منه قمع العرف والتقاليد بلباسه الديني والأخلاقي ، و قمع وارهاب السلطة السياسية المتمثل بالمليشيات والقوات الحكومية الجاهزة لخطف النساء والفتيات والتهديد بهدر شرفهن العائلي والقبلي، (سلاح السلطة الاستبدادية ) وسجنهن وتعذيبهن واغتصابهن من اجل اسكات اصواتهن او الانتقام من ازواجهن او اهلهن ، ماهو الا انعكاس لمأسي الحروب السابقة والحصار الاقتصادي الذي دام 14 عاما (لم تحصل سابقته في التاريخ) ، والغزو والأحتلال الأمريكي البريطاني ومن ثمُ هذه الحكومة الطائفية الورقية التى جاء بها الأحتلال بدستور مدفوع الثمن وبأنتخابات مذهبية واضحة والتى اصبحت تعد من اسؤ وافسد الحكومات العربية والدولية ، في التاريخ العراقي المعاصر .
وقد أدت هذه الظروف التاريخية المؤلمة الواحدة تلو الأخرى ، الى تدهورفي وضع المرأة العراقية الحالي ، ومن سئ الى أسوأ ، وقد إنعكست هذه الظروف بصورة مباشرة على وضعها الأجتماعي والأخلاقي والأقتصادي والسياسي في داخل العراق وخارجه. لذلك لانرى للمرأة العراقية اية مشاركة قوية وفعالة وحاضرة في المشهد السياسي العراقي الجديد جنباً إلى جنب مع اخيها العراقي في التظاهرات السلمية الحضارية والأعتصامات والتى بدأت منذ ديسمبر 2012 ، والتي تطالب بالقضاء على الفساد الحكومي والاداري المتجذر واستعادة سيادة العراق بأيادي عراقية وطنية . هذه المظاهرات والأحتجاجات لازالت مستمرة وبتعتيم اعلامي عالمي وعربي وعراقي بأمتياز. وأن حضرت المرأة العراقية هذه التظاهرة أو الأعتصام فهي أما لألقاء شعراً حماسياً ( لكن بلثامٌ أو بالحجاب ) أو تَصدر بعَضُهن الُمُظاهرات بعددً قليل جداً ، وقد تعرض بعضٌ منهن للأعتقال بعد ذلك. علما أن مأساة المرأة العراقية كأمراة ً وانسان قد وصلت الى مستوى يمكن وصفه بأنها غير موجودة. وأن وجدت فهي تلطم على وجهها أو تبكي بحرقة لفقدان احد ابناءها او زوجها أو اخيها من ضحايا التفجيرات الممنهجة التى تصيب العراق الأن أكثر من اية دولة أخرى في العالم العربي والافريقي والاوربي ، أو متسولة تلم الطعام من النفايات مع أولادها.
أن غياب المرأة العراقية عن المشهد السياسي الجديد المطالب بالتغيير والتحرر ، وعدم استطاعتها المشاركة الفعلية الحقيقية في الحراك الشعبي الى الأن ، هو نكسة حقيقية في التاريخ العراقي النسوي. لأن المرأة الأنسانة هي الأساس والجوهر في اي تغيير جذري على كل المستويات ، السياسي والأقتصادي والأجتماعي ، وذلك من اجل خلق مستقبل افضل لها ولأولادها وأحفادها ذكورا واناثا، ولخلق اجيالاً تستطيع النهوض بالعراق واسترجاع سيادته الحقيقية ووطنية شعبه. لذلك يجب الحث على عمل تجمع نسوي عراقي وطني في داخل العراق وعمل لجان شعبية نسوية سياسية لمشاركة أخيها العراقي بتغيير الدستور الاحتلالي ووضع دستور حضاري يليق بالمرأة العراقية ، امرأة الحضارات القديمة ، حضارات بلاد الرافدين ، من البابلية والسومرية والأشورية والأكدية ...
لذلك على الشباب العراقي الواعي والشابات العراقيات الواعيات أن يعملوا يداً بيد وان لاتقصى المرأة والشابة والطالبة من المشاركة في هذه الاحتجاجات والأعتصامات وذلك من اجل انشاء وطنً واحد ومواطنة متساوية. والا مافائدة تحرير هذا الوطن من هذه الحكومة الورقية ، والأبقاء على عبودية وقمع المرأة بنفس الوقت ـ بحجة أو بأخرى؟
لن يتحرر وطناَ ولن تستقر امة الا بتحرير العقل والفكر والذات. علينا نحن العراقيون تحرير ذاتنا من كل الشوائب الأجتماعية الدخيلة على مجتمعاتنا العربية. وجملة اخيرة اقولها ليتذكرها الجميع وهي ان لا تربط قضية تحريرعقل المرأة ومساواتها في المواطنة وأشراكها في النشاط السياسي بمفهوم شائع بين الرجعيين والمتأسلمون الجدد وهو "الحرية الجنسية" او "فساد المجتمع" . هذان المفهومان لا يلتقيان ، فكلاهما الرجل والمرأة كائنان متساويان ، ماعدا الأختلاف البيولوجي الذي تركزعليه النظرية الذكورية والتي محورها هو سياسة التمييز الجنسي وتقسيم المجتمع الى جنسين منفصلين عن بعضهما البعض وجعلها طقسا من الطقوس ومن المحرمات التى يجب ان لا تمس وإلا الفتاوي جاهزة اسرع واكثر من فتاوي الاصلاح والتغيير.
المراجع
1. "من فمك ادينك" : اعترافات لمسؤولين وسياسين حول الأوضاع المزرية في العراق مركز اكرام لحقوق الانسان ، ص 8 ، اصدار 2013 .Ikraam Center For Human Rights, [email protected]
2. ذات المصدر: ص 8
3. ذات المصدر: ص 8
4. ذات المصدر: ص 9
5. ذات المصدر: ص 9