جسد الأنثى المعذب ..جسدها المسجون



بشرى ناصر
2005 / 6 / 3

اخترت لروايتي اسم (شراشف النساء) عامدة ربما لأجني تلك الابتسامة الخبيثة في كل مرة يسألني أحدهم عنها؛ ابتسامة لا تعني غير ما تضمره الشراشف من جسد الأنثوي ؛ وربما لألتقط تلك الدهشة القديمةعندهم والتي لا تخلو من تربّص حين يعتقدون أنهم أمسكوا بنا نحن النساء متلبسات في حالة فضح أشياءنا الأكثر خصوصية متأملين أنما نفعل ذلك لتكملة المشوار التاريخي القديم القائم على (تنميط) علاقاتنا بالأشياء ومن جملتها أجسادنا...والتي نعنى بها ونطريها لتنال استحسانهم ورضاهم تماماً كما نقوم بترقيق أصواتنا لتجلب لهم السرور...لم لا وقد انحصرت أدوارنا في إمتاعهم لكونهم صناع المجتمعات بينما نحن في أحسن حالاتنا لا نغدو غير مرايا سحرية تعكسهم وتصورهم بضعف أحجامهم الطبيعية؟ واذا كنت عبر تلك الرواية أبحث عن نوع من كتابة محو الجسد؛ أو بياض الجسد ؛ لا أدري في الحقيقة ماذا أسميها لأوصل ما أبحث عنه من مشوع لتذويب الجسد أو بمعنى أصح تذويب لصفة (القداسة والدنس) تلك الإشكالية القديمة والتي قادتنا نحن النساء لنتائج خطيرة حتى اللحظة.
فقد حاولت الثقافة الذكورية إقصاء حضور النساء طيلة آماد وحجبها عن الحراك الاجتماعي ؛ جنباً الى جنب مع حجب جسدها وتكريسه كمادة للإمتاع والمؤانسةولا غير؛ مما ولد عندها ظاهرة (تقديس الجسد) والمتلخصة بأنه مادة للإثارة؛ تلح تلك الظاهرة عند المجتمعات الداعية لنقاب المرأة وتغطيتها الكاملة بشكل واضح ....وتلمس ذلك في المجتمعات الإسلامية المتزمتة مثل (السعودية وإيران) فاستخدام النساء هنا لأدوات التجميل والعطور (حسب الإحصائيات) يصل لمعدلات ضخمة ...مما يعني فعلاً: كلما كرسنا الجسد للذة كلما لجأت النساء لتدليل أجسادهن والاحتفاء بها وكأنها نوع من الانتقام من الجسدأو ردة فعل عكسية ضد تقميع أجساد النساء بالحجب والأغطية ؛ فالرجل يفرض على جسد المرأة سجناً لاحتكاره فتدافع المرأة عن جسدها بالإمعان في تدليله ؛والنظر اليه نظرة قداسة.. خاصة إذا ما ارتبط شرف الرجال كقيمة بجسد المرأة تشهد على ذلك حوادث (الثأر للشرف)ولذا نقول دائماً : جسد المرأة مذل ومهان لأنه يعلن عن نفسه مرة ويبرمج اجتماعياً مرات .... ولذا فلإبداع والكتابة لا تخرج عن إطارالواقع المشحون بأيدلوجيات وهمية وضعها الرجال لتخرجنا نحن النساء في صورة (التابع) وليس المتبوع ...ولا المكمل ؛ ولذا أيضاً نقرأ دعوات الكتابة الليبرالية أن النساء (ثيرمومتر ) المجتمعات وأنهن وحدهن المسؤولات عن التحول وانتشال مجتمعاتنا مما نحن فيه ؛ دعوني أخلص لحقيقة تطرح ذاتها : أنه كلما ازدادت هيمنة الذكور وتسلطهم كلما تراجعت أهمية النساء وبالتالي أمعنت في تحجبها وأمعنت في ممارسة الأنشطة ( الإفروديتية)
كاللجوء للعطور والمطيبات والروائح النفاذة المهيجة للحواس يقابلها الخوف والتحذيرمن التجسيم تلك(الإشارات الملاحظة بكثرة في المواقع الأليكترونية النسائية) والمسماة : ذوات الأرواح والتي تتعوذ منها نساءنا ليس فقط للتأثير الديني وإنما لثقافة قديمة تتلخص في خوفهن من تلصص ذوات الأرواح على أجسادهن؛ خاصة حينما يستبدلن ملابسهن .
الإمبراطورية الرومانية قد هزمت بسبب شراشف امرأة تدلل جسدها جيدا فتغسله بالحليب وترطبه بمسحوق اللوز ..لكن شراشفنا لا تعيد خلق التاريخ دائماً ولا تصنع مدن العدالة والسلام أو المدن الفاضلة ... بل العكس دائماً ؛ فنحن أمام ثقافة إنسانية قديمة قدم الإنسان ذاته تتحمل مسؤولية تكوين الفروق الفكرية والجنسية بين الجنسين ؛ تلك الثقافة هي التي تكرس الإناث لدور(مريم المتألمة ) و دور(حواء المغوية) ولذلك فالكتابة النسائية حتى في أسؤأ حالاتها تمثل محاولات لكسر العزلة التاريخية بين الرجل والمرأة ومحاولات لتغيير الالتباس الثقافي والذي قد يقود فيما بعد لتفكيك العلاقة بين الاثنين وإعادة تركيبها وبناءها ؛ وما(شراشف النساء) الا محاولة لتكسير المرحلة (الأنثوية) ذلك النوع من الكتابة الذي يقوم على الخصوصية الجسدية والخصوصية الفكرية للنساء؛ وهو الدور الذي بدأته فرجينيا وولف وكاترين مانسفيلد ليتطور على يد سيمون دوبوفوار وجوليا كرستيفا وغيرهم و ليخلصوا الى أن الكتابة النسوية لا تعني فعلاً غير مزيد من الجسد ؛ لكنني كامرأة اكتشفت مبكراً جداً أن
أن اللغة سلاح الأيدلوجية وأنها آلية التفكير... وأنهم (المبدعون) يقودون حرباً بين اللسان والوجود وهذا صراعهم الدائم والمستمر ليقبضوا على المتوحش... أو ليروضوا واقعهم... تخيلوا اكتشفت ذلك مبكراً... بينما دهشت لاكتشاف الجسد متأخراً... مع أنه يسير معي أو أسير معه؛ فقد أفقت ذات يوم على حقيقة مرعبة لم أستطع حتى اللحظة من التوافق معها أو تقبلها على الأقل ...أن جسد الأنثى يختلف عن جسد الذكر؛ وباختصار شديد أتعبني هذا الاكتشاف مما جعلني في كل مرة وعبر كل نشاط معرفي أبحث عن هدنة ومصالحة مع الجسد... وأبحث عن صيغة لرد الاعتبار لنا ؛ ربما بالعودة للمجتمعات في القرن العاشر ما قبل الميلاد ؛ أو المجتمعات الأمومية ... لأنني أطرح هنا في شراشف النساء سؤالاً متواصلاً : ماذا لو حدث خطأ بسيطاً في جيناتي وولدت ذكراً ؟