الخمار



سعادة عودة أبو عراق
2013 / 11 / 11

الخمار
لا بد أن نؤكد على أن الدين لم يتدخل في متغيرات تحكمها البيئة والظروف كاللباس والأكل والعادات والتقاليد إلا ما يمس العقيدة ، وأن كثيرا من المجتمعات عمدوا إلى تفسير الآيات بما يدعم عاداتهم وتقاليدهم ، وهذا أخطر ما يواجهه الدين وهو تديين العادات
بداية... اللباس ليس ترفا ولا شيئا يمكن الاستغناء عنه ، فهو يلبس لاتقاء البرد والحر ، وتجميل مظهر الإنسان وستر العورة لكنه لم يكن يوما عبادة ، إذن فالظروف هي التي تحكم شكل اللباس ونوعه ومعناه
أما بالنسبة للخمار أو اللثام أو القناع فله أسبابه التالية :
1- البيئة الصحراوية والجافة التي كان يكابدها العربي دفعت الرجال إلى اللثام اتقاء للهواء الجاف الذي يجعد البشرة ويتلفها ، والمرأة هي اشد من الرجال حرصا على بشرة وجهها ، فلبست نساء المنطقة لثاما في الجاهلية والإسلام ، يهودا ومسيحيين وكفارا
2- الظروف الاجتماعية الأقرب إلى الفوضى ، دفع الناس إلى العيش ضمن مجموعات قبلية لحماية بعضها من السرقات والغزو والقتل ، ولكن العشيرة لا تحمي زوجته وبناته من الاعتداءات الجنسية ، وخاصة أن المرأة قد تكون مشاركة في الجريمة ، لذلك كوسيلة دفاعية قام الرجل بعزلها عن المجتمع وطمس وجهها حتى عن القريبين منه ، وكي لا يعرف أحد أن عنده حريما
3- ظهر في أواخر العهد العثماني طبقة البشاوات ، و كانت تربأ بنسائها أن تراها أعين العامة ، لذلك استعملوا الخمار، كدلالة على رفعة هذه الطبقة أو ترفعها عن العامة ،وحينما كانت الدولة العثمانية ترسل ولاتها إلى المدن الشامية والمصرية ، كانوا يمثلون الطبقة الحاكمة الراقية ، فراح الرجال يقلدونهم بلبس الطرابيش ، والنساء تلبس الخمار ، ويتعلمون منهم الطبخ والعادات حتى لكنتهم الخاصة ، فقلبوا القاف همزة والظاء زي ،والذال دالا أو زينا وغيرها ، وما زالت إلى الآن مستعملة كلهجة تميز أهل المدن عن اهل الريف والبادية ، ويجب ملاحظة أن الخمار قد شاع في المدن فقط اما القرى والبادية فلم تتأثر بالأتراك ، لا باللباس ولا اللهجة ولا التحضر
4- إذن ما بال مجتمع شبه الجزيرة العربية يرتدي الخمار رغم أن الأتراك لم يدخلوه ؟ هذه قصة أخرى ، فسكان الحجاز ونجد واليمن وحضرموت والخليج كانت النساء تلبس اللثام لاتقاء الهواء الجاف ، ولم يكن له شكل معين ، ولكن في الخمسينات حيث تركت نساء المدن في مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان هذا الخمار وعمدن إلى السفور ، قام رجال الأعمال الذين يملكون مصانع الخُمُر وسوقوها هناك على أنها اللباس الإسلامي الصحيح ، وهو طراز أفضل وأجمل من اللثام ، بالإضافة انه صادف تفجر النفط واستفادة الشعوب منه ، فأصبح الخمار دليل رفاه المجتمع وتحضره ، ولكن مع تراجع المشروع الحضاري في مصر وسوريا وغيرها ،وزحف جيوش السلفييمن والوهابيين والدعوة ، رجع إلينا الخمار كلباس إسلامي معتمد، أمر به الله ورسوله والسلفيون .
5- إن هذا الخمار لدليل وجود فوبيا غامضة داخل النفس ، وهو الخوف من المجتمع ، والرهاب من الآخرين ، ومن مفهوم أن النساء كالأبقار يمكن أن تسوقها في أي وقت تريد .
6- إن التعسف في حماية المرأة من الرجل خلق مشكلات اللواط والسحاق وزنا الأقارب والسفاح وزنا الحيوانات والجوع الجنسي الذي يتكلم عنه العالم الغربي ، إذ أصبح العربي رمزا للبوهيمية الجنسية .
7- إن عزل المرأة قد يتفق مع المجتمع البدوي حيث وظيقة المرأة تقتصر على إشباع زوجها جنسيا وإنجاب أطفال ، ولا شيء غير ذلك ولكن لا يستقم ذلك مع مجتمع حديث حيث تعمل المرأة بجانب الرجل بل هي مساوية له .
8- أن الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها العربي ، والجوع الجنسي الذي يفتك به ، جعله يرى غيره ذئابا جنسية ، ومن الواجب اتقاء هؤلاء البشر ، بأمر من الله والسلفيين ، ولكن إلى أين يمضي بنا هذا الفيروس الاجتماعي ، فهل يعزل كل منا نفسه في واد أو رأس جبل ، كي لا ينظر أحد لنسائنا وبناتنا ؟ وهل نصبح بذلك خير امة أخرجت للناس ؟