الكوتا من منظور واقعي



سكينة العكري
2005 / 6 / 4


سكينة العكري - بوابة المرأة

المقصود بالكوتا النسائية تحديد عدد معين من المقاعد تكون مخصصة للمرأة في المجالس المنتخبة، أو تحديد نسبة محددة للمرأة، وهذا يمثل مفهوما بسيطا جدا عن الكوتا.

بالأمس القريب كان رأيي الخاص حول الكوتا النسائية بأنه نوع من التمييز الايجابي، وبالتالي أنظر إليه بأنه قد يستطيع أن يحفظ للمرأة مكانا ومقعدا، ولكن يعجز أن يحفظ مكانتها الاجتماعية في المجتمع. وأعتقد أن المرأة تستطيع أن تصل بأدائها المقنع غير المهزوز، وسنكون حينها أسعد بكثير وسنتباهى بأن المرأة البحرينية استطاعت أن تصل إلى المجالس المنتخبة بالانتخاب الحر المباشر ومن دون كوتا.

ولكن يبدو أن موجة الكوتا واجتياحها قد تسببت في "حمى الكوتا"، ويبدو أنني واحدة ممن أصيبوا بهذه الحمى، من خلال استقراء لواقع المرأة ووجودها في المجالس المنتخبة ومن خلال الاطلاع على تجارب الدول الأخرى التي سبقتنا في التجارب، يبدو أن جميع الدول لم تتحسن أوضاع المرأة لديها إلا من خلال الكوتا، وصار لابد علينا أن نستفيد من تجاربها ونبدأ من حيث انتهى الآخرون، لا أن نبقى دوما في نهاية الطابور ننتظر أن نفشل ونعيد الكرة، وفي كل مرة نقول "حاول مرة أخرى". لم يعد هذا يجدي نفعا، فالمرأة تأخرت كثيرا في وجودها في العمل السياسي ولا نريد لها أن تتأخر أكثر، ولابد من إدماجها في الحياة العامة، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تدابير معينة.

الكثير من الناس لا يحبذون الكلام عن الكوتا تحت مجموعة من الأسباب، من بينها أن المرأة إن لم تفز هذه المرة فهي حتما ستفوز في المرات القادمة فلسنا بحاجة إلى الكوتا. وكنت أيضا أرى هذا الكلام منطقيا، ولكن دعونا نحلل الكلام بشكل أكثر دقة، وذلك ينطبق على تجربة البحرين بشكل خاص، ونحن نعلم أن فشل المرأة ليس نهاية المطاف، وبالتالي لابد لها من أن تحقق الفوز، ولكن لا ننسى التبعات النفسية والاجتماعية التي تنتج عن فشل المرأة. كما أن ذلك له دور كبير على همة المرأة. فهناك نساء يصارعن من أجل النجاح، فإذا أخفقن في جانب يعوضن النقص أو الاخفاق في جانب آخر، وهو شيء محمود. ولكن هناك آخريات عندما يتعرضن إلى تجربة فاشلة يكرهن تكرارها أو يتجنبن إعادتها. وهناك من النساء من لم يخضن التجربة من الأساس، ولكنهن من خلال معايشتهن لتجربة معينة يشعرن باليأس والاحباط، وبالتالي لا نرى وجود مرشحات بشكل يتناسب مع وجود المرأة البحرينية وبشكل يعكس مستواها الفكري والأكاديمي وما إلى آخره.

وإذا بقى الحال على ما هو عليه، فان الكثير من الناس يكرهون الدخول في مغامرات غير محسوبة عواقبها، كما أن الكثير من الناس يبحثون عن ضمانات حقيقية، فإذا لم تتوافر لن تعود فكرة الترشح مطروحة، فطعم الفشل مر للغاية. وليس ذلك ضربا من ضروب المبالغة ولكنه استقراء للواقع المعاش.

الكوتا بلا منازع، تعد أحد التدابير التي تسهم في تعزيز وجود المرأة في العمل السياسي، ولم تتمكن المرأة عموما من الوصول إلى مواقع صنع القرار بشكل يتناسب مع تمثيلها في المجتمع إلا من خلال وجود كوتا تكفل لها فرصتها الحقيقية. والكثير من الدول العربية وغير العربية لم تتمكن المرأة فيها من أخذ نصيبها إلا من خلال الكوتا، ففي مصر لم تتمكن المرأة من الوصول إلى المجالس المنتخبة إلا عندما أقر نظام الكوتا فبدأت المرأة في تبوء مكانتها في هذه المجالس.

وعندما صدر قرار من المحكمة الدستورية يعارض الكوتا لعدم دستوريته، بدأ تراجع وجود المرأة لا كمترشحة إذ مازالت النساء يترشحن بأعداد كبيرة، ولكن على مستوى الفوز، إذ انحسر العدد بدرجة كبيرة جدا. ويرفض الكثيرون الحديث عن الكوتا باعتباره تمييزا للمرأة، حتى وإن اعتبر إيجابيا ومحمودا. كما أن هناك من ينظر إلى المرأة على أنها مخلوق ضعيف وغير قادر على مجاراة الأمور إلا من خلال مساعدة خارجية. وهذه المسئولية نحملها المجتمع، لأن هذه النظرة لم تأت من فراغ وانما جاءت نتيجة تراكمات مجتمعية كبيرة، وعادات وتقاليد وموروثات ثقيلة كبلت دور المرأة فيما سبق، وإلى الآن لم تسترد فيها المرأة عافيتها بالقدر الكافي، وبالتالي تحتاج بين الفينة والأخرى إلى جرعات مساعدة.

إن المجتمع هو من ظلم المرأة وهمش دورها، وبالتالي لابد للمجتمع من أن يدفع ضريبة ما تسبب للمرأة من إعاقة مجتمعية برد الاعتبار إليها وإنصافها بشكل يتناسب مع إمكاناتها واستعداداتها الحقيقية. فالمرأة كائن مثل الرجل، وكما لدى الرجل إنجازات وإخفاقات، المرأة أيضا لديها إنجازات وإخفاقات، فكيف نغفر للرجل عندما يخفق أو يعجز عن تحمل المسئولية أو يكون عطاؤه محدودا، ولا نسمح للمرأة بأن تمارس هذا الدور بحجة انها قد لا تكون قادرة على اداء العمل، واحتمال ان تتعرض لإخفاقات كثيرة، أو لا تكون على قدر تحمل المسئولية، وما إليها من إشكالات تحبط المرأة وتقلل من عزيمتها إن أرادت المشاركة.

ان حاجز الخوف والقلق سيبقى يساور المرأة من دون الكوتا النسائية، فعن طريق تخصيص نسبة معينة من المقاعد للمرأة نستطيع كسر حاجز الخوف والقلق، ليس فقط لدى المرأة المرشحة وإنما أيضا لدى المرأة الناخبة والرجل الناخب. ومن خلال الكوتا عندما يذهب الناخب إلى صناديق الإقتراع سيعلم بأن صوته سيسمع وسيحقق نتيجة، لكن طالما لا توجد مقاعد مخصصة للمرأة وفي ظل وجود نظام الصوت الواحد، فهناك شك بأن صوته يذهب سدى، أي أن المرأة ربما لن تفوز، وبالتالي الأجدى أن يعطي صوته للرجل مادامت فرصته أكبر للفوز.

صحيح أن هناك أساليب عدة يمكننا من خلالها تعزيز وجود المرأة في العمل السياسي وضمان فوزها كالتحالفات النسائية والقوائم الانتخابية، ولكن أعتقد أن الأمر ليس باليسير كما يظن البعض، فهناك أمور يجب أن تجتمع حتى نضمن وجود المرأة.

بالأمس القريب عرفنا رأي المجلس الأعلى للمرأة وموقفه من الكوتا النسائية، وهذا كان حلما تحلم به القطاعات النسائية من كل الانتماءات الفكرية، إذ كن متعطشات لسماع موقف المجلس الذي يمثل الجهة الرسمية. والحقيقة ان القطاعات النسائية عموما لم تشعر بالارتياح من هذا الموقف وأصيبت بخيبة أمل، خصوصا أنها كانت تعقد آمالا كبيرة على المجلس، وترغب في أن تكون له مواقف داعمة للمرأة وقضيتها، والكوتا هي أحد أوجه الدعم الملموس للمرأة فيما لو تبناها المجلس، ويبقى محفزا ومشجعا للمرأة في ممارسة حقها السياسي