حقوق المرأة والخلاف في الجوهر



عبد الحسين شعبان
2013 / 11 / 16


في تطور خلافي وإشكالي أعلن وزير العدل العراقي حسن الشمري إنجاز مشروع قانوني الاحوال الشخصية الجعفرية والقضاء الشرعي الجعفري، وأحالهما بدوره إلى مجلس شورى الدولة، وقال أن هذا الأخير اقتنع بهما تمهيداً لعرضهما على مجلس الوزراء لإقرارهما، وبدوره سيرفعهما المجلس إلى البرلمان لمناقشتهما وإقرارهما. وأشار إلى أنهما ينطلقان من المادة 41 من الدستور، وهي مادة خلافية عليها الكثير من الاعتراضات.
وقد أثار نشر خبر مشروعي القانونين موجة واسعة من الآراء ووجهات النظر المتناقضة، حول قوانين الأحوال الشخصية، حيث لا تزال الذاكرة العراقية، وخصوصاً القانونية والسياسية، طريّة وتحتفظ بسجالات وصراعات حادّة، ولا سيّما ما تركه القانون رقم 188 لعام 1959 من إشكالات، لا تزال ذيولها مستمرة حتى الآن، وهي تنام وتستيقظ بين الحين والآخر. وإذا كان العراقيون قد انقسموا بخصوص مشروعي القانونين، فقد دارت معارك فكرية وفقهية وسياسية حول مضمون القانون رقم 188، حيث اعتبره البعض خطوة متقدمة في حينها بشأن مقاربة حقوق المرأة، أما الفريق الآخر فقد اعتبره خروجاً على الشريعة الإسلامية، حتى يمكن القول إنه واحدٌ من أسباب الإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم في 8 شباط (فبراير) العام 1963، حيث وسّع الحلف المعادي له، إضافة إلى قانون رقم 80 لعام 1961 بشأن استعادة حقوق العراق في التنقيب عن النفط في 99.5 بالمئة من الأراضي العراقية، وكان الموقف من الحركة الكردية المسلحة في أيلول (سبتمبر) 1961 ومن ثم المطالبة بالكويت، وراء إسقاط حكم الزعيم عبد الكريم قاسم.
وظلّت قضية حقوق المرأة والموقف من القانون رقم 188 لعام 1959 نقطة خلاف جوهرية وإشكالية تكاد تكون مستعصية بين الفاعليات والأنشطة السياسية والثقافية منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، وبعد انقلاب شباط (فبراير) في العام 1963 صدر القانون رقم 11 الذي ألغى الفقرة الخاصة بسريان أحكام القانون بخصوص المواريث، وجرت عليه تعديلات لاحقة.
لقد كانت حقوق المرأة حقلاً شائكاً للاشتباك منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921، ولا سيّما معركة السفور والحجاب التي شهدت جدلاًَ واسعاً وسجالاً حاداً في العام 1924 والذي لم ينقطع لحد الآن، وذلك قبل إبرام أول دستور عراقي في العام 1925، الذي حصر حق الانتخاب بالرجال، وكانت المرأة الضحية الأولى في اعتماد التصنيفات المذهبية في قضايا الأحوال الشخصية، ولم تفلح محاولات معالجة الوضع، حتى جاءت ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 التي سعت لانصاف المرأة في إطار قانون موحّد للأحوال الشخصية تناول قضايا الزواج والطلاق والنسب والحضانة والنفقة والوصية والمواريث.
ومن الزاوية الحقوقية والمدنية يمكن القول أن القانون جاء بطائفة من المبادئ المهمة، أساسها مبدأ حكم القانون، وذلك بتأكيد سريان النصوص التشريعية على جميع المسائل التي وردت في النصوص لفظاً ومحتوىً، باعتبارها تملك صفة علوية، انطلاقا من عقد الزواج الذي اعتبره رضائياً، أي بين رجل وإمرأة تحلّ له شرعاً وغايته إنشاء رابطة مشتركة للحياة، ويتحقق ذلك بالإيجاب والقبول، وهو ما يتفق مع المادة الثانية من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) الصادرة في العام 1979.
كما نصّ القانون على رفض أي شكل من أشكال الإكراه فيما يتعلق بالزواج، واعتبر فعل الإكراه جريمة يحاسب عليها القانون بالسجن مدّة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين (إذا كان الشخص قريباً من الدرجة الأولى)، وإن كان المرتكب غير قريب، فتصل العقوبة إلى عشر سنوات. ومن المسائل الإيجابية المهمة التي تضمّنها القانون هي تسجيل عقد الزواج لدى محاكم الأحوال الشخصية، وهو إجراء واجب، وهدفه الحدّ من سلطات رجال الدين فيما يتعلق بعقود الزواج التي يتم التلاعب بها وفقاً لاعتبارات اجتماعية أو تتعلق بالعادات والتقاليد ودور ربّ العائلة أو غير ذلك، لهذا اعتبر الزواج خارج المحكمة جريمة يعاقب عليها القانون.
أما بخصوص الطلاق فقد قرّر القانون أن النص القانوني هو المرجع الذي له العلوية خارج نطاق القواعد الفقهية الشرعية للمذاهب المختلفة، وبخصوص التفريق فقد أعطى القانون “الحق” لكلا الفريقين (الزوجين) في طلبه.والجدير بالذكر أن بعض الأحكام التي أخذ بها القانون تنسجم مع الاتفاقيات الدولية، مثل تحديد السن القانوني (بالثامنة عشرة من العمر) أو عدم الإكراه على الزواج أو الحق في طلب الطلاق في حالات معينة مثل: زواج الزوج بإمرأة أخرى دون إذن المحكمة، أو التسبّب في ضرر مستحكم، أو الحكم على الزوج بعقوبة تزيد عن ثلاث سنوات فأكثر، أو هجران الزوج لزوجته مدّة سنتين فأكثر من دون عذر شرعي، أو بسبب المرض أو العنّة، أما بخصوص الميراث فقد ذهب إلى المساواة بين الأخ والأخت في حجب الأعمام والعمّات من الميراث (أخوة المتوفي). وفي ذلك محاولة لتطبيق النصوص الإسلامية على جميع المسلمين بغض النظر عن المذهب.
ومثلما كان هناك مؤيدون للقانون فقد كان له معارضون أيضاً، سواء من القوى الدينية أم السياسية، التي سعت جميعها لإلغاء القانون ، وتحقق لها ما أرادت في العام 1963، حيث ألغيت فقرات منه وجمّدت القسم الأخير، حتى وإن كان عملياً، ولا سيّما بحكم الموروث الاجتماعي والثقافي، وغالباً ما تصرّف القضاة استناداً إلى خلفياتهم المذهبية.
وبعد الاحتلال في العام 2003 وخلال دورة مجلس الحكم الانتقالي تقدّم السيد عبد العزيز الحكيم بصفته رئيساً للمجلس بطلب إلغاء القانون، وعند التصويت فاز مقترحه بقرار مجلس الحكم الانتقالي رقم 137، وكان يفترض ببول بريمر أن يصادق على إلغائه، لكنه أعاد مشروع الاقتراع إلى المجلس وطلب مناقشته والتصويت عليه مجدداً، فلم ينجح مقترح السيد الحكيم، وهي مفارقة كبيرة، أن يقف بريمر لصالح قانون انتصر للمرأة من وجهة نظر العلمانيين ودعاة الدولة المدنية وأنصار مبدأ المساواة، في حين اعتبره إسلاميون ومحافظون تجاوزاً على مبادئ الشريعة، وهناك مفارقة ثانية، وهي أن النساء خرجن بتظاهرة زادت أعدادهن على 50 ألفاً يطالبن بإلغاء القانون الذي من المفترض إنصافهن، في حين أن التظاهرة التي كانت ضد إلغاء القانون باعتباره يحقق مكاسب على طريق حقوق المرأة لم تتجاوز الـ 1000 متظاهرة، ولعل ذلك انعكاس لتدني الوعي بالحقوق وتدهور مستوى الثقافة التي يعيشها المجتمع العراقي وثقل الموروث عليه. جدير بالذكر أن أول من دعا إلى إلغاء القانون هو السيد محسن الحكيم في النجف العام 1959 وقاد حملة آيديولوجية ودعائية ضد حكومة عبد الكريم قاسم. وإذا كان ذلك رأي مرجعية المتدينين آنذاك، فإن مرجعية المكون الثاني لم تكن بعيدة عن تنديدها بالقانون وبالقائمين عليه، واعتبار الحكومة بسببها خارجة على الدين، في إطار حملة شعواء للإطاحة بها.
وخلال الخمسة عقود ونيّف التي أعقبت صدور القانون رقم 188 جرت مياه كثيرة تحت الجسور كما يقال، ففي عام المرأة العالمي 1975 صدر قانون عراقي تضمن أحكاماً لصالح المرأة، لكنه ابتداءً من الحرب العراقية- الإيرانية، تعرّضت حقوق المرأة قانونياً أحياناً وبالتطبيق في أحيان أخرى، إلى الانتهاك، وصدرت بضعة تشريعات في التسعينيات تنتقص من الحقوق التي اكتسبتها قانوناً، ناهيكم عن العودة القوية للأمية والجهل وتدهور الحالة المعاشية بسبب الحصار الدولي، ثم تأثيرات الحروب، الأمر الذي دفع المرأة إلى سوق العمل أحياناً بظروف قاسية، وترتفع اليوم نسبة الأرامل لدرجة كبيرة وملفتة، مثلما تضطر فتيات دون سن الزواج القانوني، بل هنّ أقرب إلى القاصرات إلى الرضوخ إلى الأهل والعادات والتقاليد البالية بسبب الوضع المعاشي والاجتماعي.
إن القانونين اللذين يعرضهما وزير العدل العراقي، سيؤديان إلى تكريس الفرز الطائفي والشحن المذهبي بغض النظر عن النوايا، ويساعدان على التباعد، بدلاً من التقارب والاندماج، في حين أن قانون رقم 188 تعامل مع العراق كدولة وليس طوائف، وحكومة واحدة وليس مذاهب، وكان من الأسباب الموجبة في تشريعه هو “تعدد مصادر القضاء واختلاف الأحكام ما يجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الفرد غير مضمونة”، فكان هذا دافعاً للتفكير بوضع قانون يجمع فيه أهم الأحكام الشرعية المتفق عليها.
وإذا استند الوزير على المادة 41 فهناك أوساطاً غير قليلة تطالب بتعديلها أو إلغائها لأنها لغماً في الدستور، وسيؤدي اعتماد القوانين المذهبية، إلى المزيد من تشظي المجتمع، وستظهر خلافات أكثر احتداماً، تضر بالوحدة الوطنية، خصوصاً السعي لبناء دولة القانون وليس دولة الطوائف، ولا سيّما في زواج أبناء الطوائف الإسلامية وفيما بعد ما يتعلق بالتبعات اللاحقة.
باحث ومفكر عربي



عبد الحسين شعبان
في تطور خلافي وإشكالي أعلن وزير العدل العراقي حسن الشمري إنجاز مشروع قانوني الاحوال الشخصية الجعفرية والقضاء الشرعي الجعفري، وأحالهما بدوره إلى مجلس شورى الدولة، وقال أن هذا الأخير اقتنع بهما تمهيداً لعرضهما على مجلس الوزراء لإقرارهما، وبدوره سيرفعهما المجلس إلى البرلمان لمناقشتهما وإقرارهما. وأشار إلى أنهما ينطلقان من المادة 41 من الدستور، وهي مادة خلافية عليها الكثير من الاعتراضات.
وقد أثار نشر خبر مشروعي القانونين موجة واسعة من الآراء ووجهات النظر المتناقضة، حول قوانين الأحوال الشخصية، حيث لا تزال الذاكرة العراقية، وخصوصاً القانونية والسياسية، طريّة وتحتفظ بسجالات وصراعات حادّة، ولا سيّما ما تركه القانون رقم 188 لعام 1959 من إشكالات، لا تزال ذيولها مستمرة حتى الآن، وهي تنام وتستيقظ بين الحين والآخر. وإذا كان العراقيون قد انقسموا بخصوص مشروعي القانونين، فقد دارت معارك فكرية وفقهية وسياسية حول مضمون القانون رقم 188، حيث اعتبره البعض خطوة متقدمة في حينها بشأن مقاربة حقوق المرأة، أما الفريق الآخر فقد اعتبره خروجاً على الشريعة الإسلامية، حتى يمكن القول إنه واحدٌ من أسباب الإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم في 8 شباط (فبراير) العام 1963، حيث وسّع الحلف المعادي له، إضافة إلى قانون رقم 80 لعام 1961 بشأن استعادة حقوق العراق في التنقيب عن النفط في 99.5 بالمئة من الأراضي العراقية، وكان الموقف من الحركة الكردية المسلحة في أيلول (سبتمبر) 1961 ومن ثم المطالبة بالكويت، وراء إسقاط حكم الزعيم عبد الكريم قاسم.
وظلّت قضية حقوق المرأة والموقف من القانون رقم 188 لعام 1959 نقطة خلاف جوهرية وإشكالية تكاد تكون مستعصية بين الفاعليات والأنشطة السياسية والثقافية منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، وبعد انقلاب شباط (فبراير) في العام 1963 صدر القانون رقم 11 الذي ألغى الفقرة الخاصة بسريان أحكام القانون بخصوص المواريث، وجرت عليه تعديلات لاحقة.
لقد كانت حقوق المرأة حقلاً شائكاً للاشتباك منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921، ولا سيّما معركة السفور والحجاب التي شهدت جدلاًَ واسعاً وسجالاً حاداً في العام 1924 والذي لم ينقطع لحد الآن، وذلك قبل إبرام أول دستور عراقي في العام 1925، الذي حصر حق الانتخاب بالرجال، وكانت المرأة الضحية الأولى في اعتماد التصنيفات المذهبية في قضايا الأحوال الشخصية، ولم تفلح محاولات معالجة الوضع، حتى جاءت ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 التي سعت لانصاف المرأة في إطار قانون موحّد للأحوال الشخصية تناول قضايا الزواج والطلاق والنسب والحضانة والنفقة والوصية والمواريث.
ومن الزاوية الحقوقية والمدنية يمكن القول أن القانون جاء بطائفة من المبادئ المهمة، أساسها مبدأ حكم القانون، وذلك بتأكيد سريان النصوص التشريعية على جميع المسائل التي وردت في النصوص لفظاً ومحتوىً، باعتبارها تملك صفة علوية، انطلاقا من عقد الزواج الذي اعتبره رضائياً، أي بين رجل وإمرأة تحلّ له شرعاً وغايته إنشاء رابطة مشتركة للحياة، ويتحقق ذلك بالإيجاب والقبول، وهو ما يتفق مع المادة الثانية من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) الصادرة في العام 1979.
كما نصّ القانون على رفض أي شكل من أشكال الإكراه فيما يتعلق بالزواج، واعتبر فعل الإكراه جريمة يحاسب عليها القانون بالسجن مدّة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين (إذا كان الشخص قريباً من الدرجة الأولى)، وإن كان المرتكب غير قريب، فتصل العقوبة إلى عشر سنوات. ومن المسائل الإيجابية المهمة التي تضمّنها القانون هي تسجيل عقد الزواج لدى محاكم الأحوال الشخصية، وهو إجراء واجب، وهدفه الحدّ من سلطات رجال الدين فيما يتعلق بعقود الزواج التي يتم التلاعب بها وفقاً لاعتبارات اجتماعية أو تتعلق بالعادات والتقاليد ودور ربّ العائلة أو غير ذلك، لهذا اعتبر الزواج خارج المحكمة جريمة يعاقب عليها القانون.
أما بخصوص الطلاق فقد قرّر القانون أن النص القانوني هو المرجع الذي له العلوية خارج نطاق القواعد الفقهية الشرعية للمذاهب المختلفة، وبخصوص التفريق فقد أعطى القانون “الحق” لكلا الفريقين (الزوجين) في طلبه.والجدير بالذكر أن بعض الأحكام التي أخذ بها القانون تنسجم مع الاتفاقيات الدولية، مثل تحديد السن القانوني (بالثامنة عشرة من العمر) أو عدم الإكراه على الزواج أو الحق في طلب الطلاق في حالات معينة مثل: زواج الزوج بإمرأة أخرى دون إذن المحكمة، أو التسبّب في ضرر مستحكم، أو الحكم على الزوج بعقوبة تزيد عن ثلاث سنوات فأكثر، أو هجران الزوج لزوجته مدّة سنتين فأكثر من دون عذر شرعي، أو بسبب المرض أو العنّة، أما بخصوص الميراث فقد ذهب إلى المساواة بين الأخ والأخت في حجب الأعمام والعمّات من الميراث (أخوة المتوفي). وفي ذلك محاولة لتطبيق النصوص الإسلامية على جميع المسلمين بغض النظر عن المذهب.
ومثلما كان هناك مؤيدون للقانون فقد كان له معارضون أيضاً، سواء من القوى الدينية أم السياسية، التي سعت جميعها لإلغاء القانون ، وتحقق لها ما أرادت في العام 1963، حيث ألغيت فقرات منه وجمّدت القسم الأخير، حتى وإن كان عملياً، ولا سيّما بحكم الموروث الاجتماعي والثقافي، وغالباً ما تصرّف القضاة استناداً إلى خلفياتهم المذهبية.
وبعد الاحتلال في العام 2003 وخلال دورة مجلس الحكم الانتقالي تقدّم السيد عبد العزيز الحكيم بصفته رئيساً للمجلس بطلب إلغاء القانون، وعند التصويت فاز مقترحه بقرار مجلس الحكم الانتقالي رقم 137، وكان يفترض ببول بريمر أن يصادق على إلغائه، لكنه أعاد مشروع الاقتراع إلى المجلس وطلب مناقشته والتصويت عليه مجدداً، فلم ينجح مقترح السيد الحكيم، وهي مفارقة كبيرة، أن يقف بريمر لصالح قانون انتصر للمرأة من وجهة نظر العلمانيين ودعاة الدولة المدنية وأنصار مبدأ المساواة، في حين اعتبره إسلاميون ومحافظون تجاوزاً على مبادئ الشريعة، وهناك مفارقة ثانية، وهي أن النساء خرجن بتظاهرة زادت أعدادهن على 50 ألفاً يطالبن بإلغاء القانون الذي من المفترض إنصافهن، في حين أن التظاهرة التي كانت ضد إلغاء القانون باعتباره يحقق مكاسب على طريق حقوق المرأة لم تتجاوز الـ 1000 متظاهرة، ولعل ذلك انعكاس لتدني الوعي بالحقوق وتدهور مستوى الثقافة التي يعيشها المجتمع العراقي وثقل الموروث عليه. جدير بالذكر أن أول من دعا إلى إلغاء القانون هو السيد محسن الحكيم في النجف العام 1959 وقاد حملة آيديولوجية ودعائية ضد حكومة عبد الكريم قاسم. وإذا كان ذلك رأي مرجعية المتدينين آنذاك، فإن مرجعية المكون الثاني لم تكن بعيدة عن تنديدها بالقانون وبالقائمين عليه، واعتبار الحكومة بسببها خارجة على الدين، في إطار حملة شعواء للإطاحة بها.
وخلال الخمسة عقود ونيّف التي أعقبت صدور القانون رقم 188 جرت مياه كثيرة تحت الجسور كما يقال، ففي عام المرأة العالمي 1975 صدر قانون عراقي تضمن أحكاماً لصالح المرأة، لكنه ابتداءً من الحرب العراقية- الإيرانية، تعرّضت حقوق المرأة قانونياً أحياناً وبالتطبيق في أحيان أخرى، إلى الانتهاك، وصدرت بضعة تشريعات في التسعينيات تنتقص من الحقوق التي اكتسبتها قانوناً، ناهيكم عن العودة القوية للأمية والجهل وتدهور الحالة المعاشية بسبب الحصار الدولي، ثم تأثيرات الحروب، الأمر الذي دفع المرأة إلى سوق العمل أحياناً بظروف قاسية، وترتفع اليوم نسبة الأرامل لدرجة كبيرة وملفتة، مثلما تضطر فتيات دون سن الزواج القانوني، بل هنّ أقرب إلى القاصرات إلى الرضوخ إلى الأهل والعادات والتقاليد البالية بسبب الوضع المعاشي والاجتماعي.
إن القانونين اللذين يعرضهما وزير العدل العراقي، سيؤديان إلى تكريس الفرز الطائفي والشحن المذهبي بغض النظر عن النوايا، ويساعدان على التباعد، بدلاً من التقارب والاندماج، في حين أن قانون رقم 188 تعامل مع العراق كدولة وليس طوائف، وحكومة واحدة وليس مذاهب، وكان من الأسباب الموجبة في تشريعه هو “تعدد مصادر القضاء واختلاف الأحكام ما يجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الفرد غير مضمونة”، فكان هذا دافعاً للتفكير بوضع قانون يجمع فيه أهم الأحكام الشرعية المتفق عليها.
وإذا استند الوزير على المادة 41 فهناك أوساطاً غير قليلة تطالب بتعديلها أو إلغائها لأنها لغماً في الدستور، وسيؤدي اعتماد القوانين المذهبية، إلى المزيد من تشظي المجتمع، وستظهر خلافات أكثر احتداماً، تضر بالوحدة الوطنية، خصوصاً السعي لبناء دولة القانون وليس دولة الطوائف، ولا سيّما في زواج أبناء الطوائف الإسلامية وفيما بعد ما يتعلق بالتبعات اللاحقة.