للعراقيات رجاءاً أسمكِ هو هويتكِ



سهى عودة
2013 / 11 / 17

للعراقيات رجاءاً أسمكِ هو هويتكِ
الإعلان الأنتخابي بات مطلبا" مكملا" للعملية الانتخابية, فالسياسيون يروجون لأنفسهم في بدلاتهم المتقاطعة الأزرار وشعورهم المسرحة بطريقة تضفي على صاحبها نظرة جدية لرجل الكرسي القادم. فيجد المواطن الخارج من منزله بعد تناوله وجبة دسمة من الإعلانات التجارية والسياسية عبر الفضائيات نفسه في شوارع مزدحمة بصور مشتتة بفوضوية عارمة وهذا بالتأكيد من مظاهر الزمن الجديد والإعلام المعاصر الذي يكرس كله ولله الحمد لخدمة المواطن الغلبان!
ومابين التجاري والأنتخابي هناك أعلان من نوع أخر وهو رخيص الثمن ألا وهو أعلان (النعي), فأهل العراق إن فقدوا عزيزاً قاموا بأشهار موته في لافتات ورقع سوداء تخط بالأبيض أو بالأصفر وتعلق عند نقاط دالة للشوارع العامة ليعرف الناس أن فلاناً قد مات و مجلس عزاءه سيقام في المكان الفلاني. ربما تكون هذه العادة قد نشأت وأزدادت مع أزدياد الموتى خلال سنوات الحرب الإيرانية العراقية التي عاشها العراق وخاضها في ثمانينات القرن المنصرم.
إعلانات النعي تلك سهلة التصميم, فأنت لاتحتاج إلى أبرام عقود مع شركات أومتعهدين أو مندوبين, ليتم لك ماتريد ماعليك سوى شراء قماشة سوداء تهرع بها عندما تحل بك المصيبة لأقرب خطاط لترسم أنامله أحرف متلاصقة تتدافع خلف بعضها لتخرج مهلهلة" عن موت فلان الفلاني وبسعر لايتجاوز دولاران أو ثلاثة دولارات.
أذكر حين توفيت جدتي رحمها الله ماهي إلا ساعة رأيت اللافتة السوداء عند مدخل حيها السكني ترفرف ملتسعة بالهواء والأمطار الصيفية وكأن السماء بكت معي في ذلك اليوم .عادةً مايكون مضمون الأعلان حسب الشخص المتوفي أنساناً بسيطا" أو مهماً .ولابد من أن يتم ذكر عشيرة المتوفي وحسبه ونسبه فتنعاه عشيرته وأن كان له أولاد أو أخوة ليتم ذكرهم وقد تصل درجة التباهي لذكر مهنة المرحوم خاصة أن كان شيخ أو مهندس أو دكتور فيتم ذكر المهندس الفلاني والدكتور العلاني بالإضافة إلى ذكر سبب الوفاة اثر مرض أو حادث مؤسف أو غادر أو...أو...أو... وفي بلادي تتعدد الأسباب ووجه الموت واحد أسود بسواد خصلات شعر جدتي التي ماتت ولم تشب منها الذوائب, وجدتي حالها كحال الكثيرات من النسوة العراقيات واللاتي لايصح ذكر أسمائهن على النعي بل يكون النعي بأسم عشيرة زوجها فتنعى بأسم زوجها حتى وأن كان المرحوم قد مات قبلها وغدت رفاته ترابا".
تم الإعلان عن حادثة الوفاة وعُرفت جدتي للناس (بأن عشيرة أبي قد فقدت عقيلة المرحوم – جدي- وبأنها أما" لأبي وأربعة آخرون هم أعمامي فقط دون أن يتم ذكر أنها أم لخمس نساء أخريات هن عماتي)!
وكائن من تكون المتوفية,دكتورة,وزيرة,عَلامة,خادمة,لايهم ولايذكر فالأهم أن تكون عقيلة لرجل أو كريمته أو أمه أو شقيقته.
أيتها العراقية إذا توفرت فيكِ كل تلك المزايا فأنت تنعمين بفخر كبير لأن كلمات نعي موتك ستطول وتأخذ مساحة كبيرة على الخرقة التي تتراقص على أنغام دموع الحزانى, وأما أن لم تكوني عقيلة ولا أم ولا شقيقة فلا تفرحي لأنكِ أيضا" لن تنعمي بكتابة أسمك وتحصيلك العلمي ومناقبك كأنسانة تحملت الأسى في بلد النعيم المؤجل بل سيتم ذكرك على أنك كريمة فلان الفلاني وستكون خرقتك السوداء تحمل كلمات قليلة خطها كاتبها بأحرف كبيرة متباعدة ليتم ملئ الخرقة ذات مساحة المتر أو أكثر بقليل.
أذكر نعي أحدى زميلاتي المسيحيات البسيطات كانت بعمر الخمسين تم رفع النعي على بوابة مؤسسة عملها بأسمها وكانت هي المرأة الوحيدة في المدينة التي رأيت أسمها مسجلا" على الخرقة التي وجدتها بعد يومين ملقاة في أقرب مزبلة!
في منطقة بعشقية ذات الغالبية الأيزيدية والمسيحية أحدى أقضية محافظة نينوى رأيت الكثير من لافتات النعي لنساء من الطائفة الايزيدية لم يتحرج رجال عائلاتهن من ذكر أسمائهن وهو أمر متعارف عليه حالها كحال الرجل على عكس النسوة المسلمات برغم أن الله قدس وذكر أسماء النساء في سور القرءان الكريم ...
أنا هنا لاأقصد البحث عن المساواة بين الرجل والمرأة فالموت بحد ذاته هو أقصى مستوى للمساواة بين البشر بل أنقد الأعراف والتقاليد البالية التي تجد في بيئتنا مكانا" طفيليا" تتغذى منه لتكبر وتسيطر على العقول البشرية فذكر أسم الأم والبنت والأخت بشكل عام يعتبر من أشد العيوب في مجتمعنا وغالبا" ماأرى أناساً يدعون الثقافة وذوي شهادات ودراسات يطلق (الحٌرمة, أم الأولاد, الجماعة,الأهل) ويقصد بكل هذه المصلحات زوجته بل أصُعق عندما أرى أطفالاً يتمنعون عن ذكر أسماء أخواتهن أو أمهاتهن أمام أصدقاءهم, أذن كيف يتم الحفاظ على هوية المرأة بأسمها وشهادتها حالها كحال الرجل بل كيف أطالب بأن يتم ذلك وهي أصلاً ماتت قبل موتها منذ أن سقط أسم كل واحدة منهن متخفي تحب عباءة أسم الأب ثم الزوج وعشيرته وأولاده فعاشت بلا كينونة في حياتها وبعد موتها. بل مايثير الغيظ عندما يتم أهانة الرجل يتم نعته بأسم أمه وكأنها وصمة عار!.
الأسماء ليست حروف تجمعت وشكلت كلمة بل هوية المرء, تعريف الفرد بكينونته وبأنه ليس نكرة, رجل كان أم أمرأة وأسماؤنا تأخذ الكثير منا كما نأخذ منها شخصياتنا بعد أن نكبر.
وعليه أيتها النسوة أما أن تقمن بدفع دولارين أو ثلاثة لأقرب خطاط في حيكِ السكني وأشتري نعي موتك قبل موتكِ الأكلينيكي وصمميه حسب ذوقك وباللون الذي يعجبك وأجعلي أشهاره بأسمك وأحفظيه عند أحباءك ليقوموا بتنفيذ وصيتك بنشره بأسمكِ, أو أخفي خبر موتك وأستمري بالحياة بمنعهم من نشر موتكِ بواسطة رقعة سوداء تعرفك كتابعة لرجل حتى وأنتِ في قبرك!