حين ينسى التحرري ذكوريته في جيبه



أحلام طرايرة
2013 / 11 / 22


كنت قد توقعت انتقادات "تحررية" إلى جانب "الدينية" على مقالتي الأخيرة، فقد لاحظت الغمز واللمز السابقين من قبل الطرفين- التحرريين والدينيين- حول تناقض لا يفهمونه بين غطاء رأسي ومحتوى ما أكتب. إلا أنه فاجأني الانتقاد التحرري الذي تحوّل إلى هجوم المبطن منه والصريح والذي جاء على شكل خطاب وصاية آخر عليّ أنا الإمرأة التي تكتب عن الحرية فيما تغطي رأسها برمزٍ للعبودية.

أتفهم الشخص الديني الذي يفجعه أن تتحدث إمرأة محجبة في "ثوابت ومسلّمات دينية"، وأتقهم أن تركيبته الثقا-دينية تعطيه شعورا ما بالوصاية على كل امرأة يقابلها بكونها كائنا ضعيفا تابعا له هو الرجل- وهو ما تؤيده وتؤكده النساء الدينيات أيضا في تعليقاتهن إن علّقن. الرجل الديني لديه يقين ما بأنه إن لم يصوّبني ويعطيني إرشاداته- بكونه الأرجح عقلا والأكثر علما- فإنه يتنكّر بذلك للدور السامي الذي أعطاه إياه الله بالقوامة والوصاية على النساء، المسلمات منهن تحديدا. هذه التركيبة أفهمها وأتفهمها جيدا فهي الشريحة الأكبر في المجتمع الذي نشأت فيه. وفي الحقيقة إنني أبتسم كلما مررت على تعليق من شخص ديني بصيغة "لن أكلّ ولا أملّ من تعليمكن وإرشادكن أنتن المعترضات على حكم الله في الأرض" في خطاب وصاية صريح ومباشر وبدون أي تجميل، فهو واجب دينيّ بامتياز.

لكنّي ذهلت للهجوم القادم من الطرف الآخر، الطرف التحرري، الذي أخذ صيغة وصاية صريحة ومباشرة أخرى ولكن معاكسة بطبيعة الحال مثل: " بقي لديك خطوة واحدة نحو الحرية: إخلعي الحجاب، فنحن لا نرضى لكاتباتنا أن يكنّ عبيدا!" أو بصيغة هجومية فظة أخرى مثل: "كيف أصدّق خطابك هذا وأنت تلفّين نفسك بهذا الشيء اللعين؟" وأعلم جيّدا أنهم ربما كانوا علّقوا بشيءٍ مختلف لو لم تكن مقالاتي تحمل صورة!

في البداية، فوجئت وصُدمت، ثم بدأت أقرأ ما يكتبه التحرريون الهجوميون بتمعن أكثر، ولم يعد مهما أن أرد ثم يردّون بقدر ما أن أفهم حالة الهلع هذه التي أصيبوا بها عندما كتبت إمرأة محجبة عن الحرية. وكأن الحرية هي الأخرى لها كتاب مقدس بتشريعات معينة لا يُسمح وفقها لإمرأة بغطاء رأس أن تنبس ببنت شفة قبل أن تلقي بهذا الغطاء في القمامة!

إن السؤال الملحّ هنا هو: هل عليّ أن أتماشى من معايير الرجل- دينيا كان أم تحرريا- حتى يصادق على ما أقوله؟ هل عليّ دائما- أنا المرأة- أن أحاكي ما يريده الرجل أينما ذهبت وأن أتصرف وألبس وأتكلم وأظهر بما يوافق ما عليه هو لا ما عليه أنا؟

هي الذكوريّة، أعيت من يداويها!

كيف يظن الرجال أنهم تحرريون بمجرد انهم يهاجمون "الدينيين الرجعيين" بأقذع الأوصاف لاضطهادهم للمرأة، وهم يشتركون معهم في هذه الصفة بالتحديد! هل لا يدركون ذلك حقا؟

لستُ أكتب هذا المقال- إن صح تسميته كذلك- لأبرر حقيقة غطاء رأسي وأسبابه ولا أن أعرض ما أعتقد به. فأنا أؤمن أن الإنسان الحرّ الحقيقي ليس بحاجة أن يبرر نفسه لأي كان. السادة التحرريون يتعاملون مع موقع الحوار المتمدن كموقع يخصهم وحدهم ولا يريدون أن يشاركهم به أحد من الطرف الآخر- وهم يعتبرون أنني في صفوف هذا الطرف الآخر_ والسادة الدينيون يستثمرون بانقتاح الموقع على مختلف الآراء- وهو ما لا تجده في معاقلهم الإلكترونية- فيأتون للحوار المتمدن للرد على من يظنّون أنهم يتآمرون على الأديان أو لهداية من صبأ أو على وشك أن ينزلق إلى مستنقع التحرريين خصوصا إذا كانوا نساء- وهم يعتقدون أنني من هذا القسم الأخير أي مسلمة على وشك أن تخسر دينها!

كل ما أريده من السادة المرابطين على الطرفين أن يعرفوا أنني لم أحضر هنا لأنضم لأي طرف، فمعركتي لم تكن يوما من أجل هدف حقير يتمثّل بقولبة نفسي تحت مسميات صغيرة أجدني أكبر منها بكثير بكوني إنسان وهذا يكفيني، وهذا ما أؤمن به تجاه جميع البشر. أكتب هنا لأقول ما أفكر به وكفى.

السادة الدينيون والتحرريون، أيّا كانت أسبابكم التي لا تعنيني أبدا، فقط اعلموا أنّكم لستم أوصياءَ عليّ ولن أقبل وصايتكم بأي رداءِ جاءت.
.
وإلى من يزعجهم غطاء رأسي ولا يرضيهم وجود كاتبة تحررية بحجاب، هي أناملكم أيها السادة التي تفتح لكم رابط المقالات، عليكم فقط أن توجهوها باتجاه أسماء تروق لكم وتستطيعون تصديقها أكثر.