-ربنا يستر عرضِك- دعوة إلى الله أم إهانة إلىّ



إيرينى سمير حكيم
2013 / 11 / 27

راكبة فى إحدى المواصلات أو ماشية فى إحدى الشوارع، تتعدد الأماكن التى تكون مسرح لنفس المشهد اليومى، حيث تمر بجوارى إحدى الشحاذات أو بائعات المناديل أو غيرها من السلع البسيطة، لتقول لى فى إلحاح أن أساعدها بالعطاء أو اشترى منها شيئا، وتستطرد فى الكلام لتحوى الموقف بالإقناع وتجتذبنى نفسيا سريعا قبل أن اعبر وأمر من أمامها دون جدوى نفعية، حيث تدعو إلى الله بحماس "ربنا يستر عرضِك يابنتى" سمعت تلك الجملة موجهة لى ولغيرى من الفتيات والنساء مرارا وتكرارا، لم أفكر فيها كثيرا إنما مؤخرا حين تأملت لما كل هذا التكرار العنيف لنفس الجملة التى تردد على مسامعهن، عندئذ استشعرت مرارا دفينا بهذه الجملة اللزجة، حيث أدركت أنها تُستَخدَم كنوع من الابتزاز النفسى ليتم العطاء، لتضع المستمعة بين أمل فى تحقيق الطلبة التى بالفعل تزن بجروح ومخاوف داخلها باستمرار، وبين تخوف من عدم تحقيقها، والتى فى حقيقتها هى مساومة على الإحساس بالذنب لديهن ليتفاعلن سريعا مع طلبها، وذلك فى حيز الوقت الضيق الذى يقع ما بين مرور الشحاذة والأنثى المارة، والأسوأ هو اننى لاحظت أن تلك الجملة ترددها الشحاذات، وربما لم اسمعها من شحاذ أو بائع فقير من قبل قط، ااه إن السبب الحقيقى هو أن الأنثى التى بداخل الشحاذة تعرف جيدا كم من الألم والأمل خلف تلك الدعوة، تعلم جيدا كيف تستفز مخاوف الأنثى المراد منها العطاء لتقوم باستجابة سريعة ولكى تحصد اكبر عدد من العطايا منهن قدر المستطاع.

تلك الفكرة وراء دعوة للتحفيز النفسي للعطّائين هو نفس التفكير وراء ما يقال من قبل بائع/ة ورد أو شحاذ/ة لولد وبنت سويا فى احد المقاهى أو على الكورنيش، ليقول له "نفعنى يارب تتجوزها"، لذا فهو من نفس المنطلق تطلق الأنثى تلك الدعوة لتحفز غيرها من التجاوب معها.

والسؤال هنا كيف أصبح ستر عرض الأنثى وسيلة تحفيز معنوى فى دعوة للشحاذة؟!، هل أصبح عرض الأنثى مُنتَهَك إلى هذا الحد فى مجتمعنا التعس؟!!

الحقيقة أن الإجابة التى أريد أن اصرخ بها هى عند هذا المجتمع الذى يحيا علينا ونموت فيه يوميا وأريده هو أن يعترف بها، هذا المجتمع الذى ينحاز لجرائم الشرف، والذى يطلق على نفسه وصف المتدين، هذا المجتمع المتناقض الذى يتغاضى عن زواج القاصرات، ويدير ظهره للمُغتصبات، ويعبر عن المتحرش بهن الطالبات النجدة من المارة مئات المرات يوميا فى شوارع وزاويا المحروسة، هذا المجتمع الذى ينبذ التائبات، المجتمع الذى يٌلقى كل وزر خطايا الزنا على المخطئات.

إن هذا الوضع الذى أصبحنا عليه هو حالة مستعصية لمرض يتوغل فى مجتمعنا الشقى، مرض نفسى منهم ومعاناة نفسية لهن، حيث وقوع الأنثى باستمرار فريسة لشباك الاغتصاب والتحرش والإهمال بتعنت، حيث مأساة شعورها المتواصل باستباحة جسدها بتكرار مفزع، فى غياب شبه تام للأمن والأمان اللذان من المفترض أن يحفظان إنسانيتها فى نطاقها الطبيعى، مع ازدياد توجعها من جروحها المتقيحة بالتجاهل وإهمال معالجتها.

لقد أصبحت الأنثى فى مجتمعنا تعانى الخوف والهوس من هتك العرض طوال الوقت، أصبحت تشعر أنها تحظى بنصيب كبير من التعرية النفسية فى هذا المجتمع الساتر للمجرمين، والتى لا مفر لها للهرب منها، فهى فى جميع الحالات مدانة وتعيسة ولم يحمها شئ، والأنثى هنا أصبح عليها أن تتقبل واقعها المأساوى فى المجتمع فالماضى ملئ بتجاوزات المارة من تحرش سماعى وملموس وربما منهن من اغتُصِبَت بالفعل، والمستقبل يهوى فى رعب المجهول، لتجبر أن تحيا دائما تحت حذر ممسوس لا جدوى منه فى الكثير من الأحيان، بل والأكثر من ذلك أن تصبح عرضة لفريسة جديدة حيث تأتى أنثى أخرى بخبث تضغط على جروح عميقة لديها لتبتزها بدعوة خبيثة بان الله يستر عرضها.

إن المسئول الحقيقى عن هذا الوضع المٌذرى الذى وصلنا إليه وطور الفقر إلى شحاذة وحوَّل الدعوة إلى ابتزاز، هو مجتمعنا الأبكم الأصم فى الحقوق المُنصت لفضح الخطايا والصارخ بالرجم عليها، ربما سمعتم تلك الدعوة كثيرا، ربما منكم من لم يستوعب كلماتى كثيرا، لكننى متيقنة من أن منكن من تأملت تلك الدعوة تألمت مثلى كثيرا.
وأخيرا أود أن اطرح سؤالا آخرا
هل إذا تغاضيتم عن حق الأنثى فى الحماية والحفاظ على كرامتها وتوفير الأمان الطبيعى لها فى هذا المجتمع، وسارت النفوس المريضة والمواقف البشعة وردود الفعل الدنيئة على نفس المنوال، لتصبح رغبات المهووسين هى المتحكمة بيوميات هذا المجتمع، سنسمع تلك الدعوة مستقبلا بالفتحة أيضا وليس بالكسرة فقط؟!!!

______________________________________________
* ومن الجدير بالتنويه إليه هنا اننى لا أناقش قضية الفقر والشحاذة فى مجتمعنا, لاننى رجوت تركيز القارئ على كارثة حقيقة أصبحنا نحياها، ربما ثمة أمل فى الانتباه أو التغيير.