لا تنهزمي.. أمام -السلطة-



فاخر السلطان
2013 / 12 / 29

أحد نتائج النظرة المناهضة لمساواة الرجل مع المرأة، هو تراجع مستوى "احترام" المرأة في المجتمع. وتُرجع الباحثة الإيرانية فريبا داوودي مهاجر سبب ذلك إلى تداخل مفردة "الاحترام" مع مفردة أخرى هي "السلطة". فكلّما زادت سلطة الرجل وهيمنته ووصايته على المرأة، قلّ احترام المرأة في المجتمع. والمفارقة أن هذه المسألة لا ترتبط فحسب بالمرأة بل بمسائل عدة، ما جعل مفردة "السلطة" تلعب دورا في ترسيخ "عدم الاحترام" هذا. خذ مثلا مفهوم سلطة الرجل والمرأة على فئة "الخدم"، وكذلك نظرة الكثير من المواطنين "المتعالية" تجاه الوافدين، والتي هي قريبة من نظرة المتطرفين في اوروبا إلى المهاجرين. فهذه الأمثلة يُشتمّ منها رائحة "عدم الاحترام" بسبب تأثر العلاقة بين الطرفين بمفردة "السلطة" و"الهيمنة".
الاحترام هو وعاء ينمو فيه المجتمع المدني، كذلك هو شرط لتحقيق المساواة والتعددية الحقوقية في مختلف المجالات، بما في ذلك المساواة بين الجنسين. وهذا من شأنه أن يساهم في دفع المشاريع التنموية في ظل هيمنة مفردة "تنمية" على الخطاب السياسي والاجتماعي في الكويت بشكل يفوق العديد من المفردات الحيوية الأخرى. لكن، من دون المساواة لا يمكن الحديث عن تنمية واقعية حقيقية تنطلق من الحالة الثقافية للعصر الحديث. فلا يمكن التعويل على تنمية تخلو من احترام حقوق الإنسان انطلاقا من المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة. ولابد من الإشارة هنا إلى أن هذه المساواة لا تتحقق إلا بتغيير نظرة الأسرة تجاهها (النظرة التربوية) مما سينعكس بقوة على نظرة المجتمع.
إن ذلك يحمّلنا مسؤولية مواجهة كافة الخطط الساعية إلى التقليل من موضوع المساواة، خاصة الخطط الحكومية التي تنظر إلى المسألة انطلاقا من المصلحة السياسية لا من خلال مبدأ الدفاع عن حقوق الإنسان. كذلك، مواجهة الأفكار الاجتماعية التي تحط من قدر المرأة وتقلل من شأنها ووجودها ولا تراها إلا شأنا ثانويا. فمن دون احترام هوية المرأة، هويتها الحقوقية الحديثة، لا نستطيع الحديث عن مشروع تنمية.
والمؤسف في هذا الإطار أن الهوية الحديثة للإنسان بشكل عام، سواء هوية الرجل أو المرأة، لا تزال غير محترمة. ولابد لمبدأ احترام حقوق الإنسان أن يأخذ مجراه في مجتمعنا بصورة واقعية وحقيقية إذا ما أردنا أن يساهم ذلك في تشكيل الهوية الحديثة للإنسان كشرط للتنمية. فالتنمية تحتاج إلى مجتمع يعتمد أفراده على نفسه بعيدا عن مختلف صور الوصاية والتبعية. ولا يمكن تحقيق هذا الشيء دون احترام واقعي أصيل لحقوق جميع الأفراد رجالا كانوا أم نساء. لذا، لا يمكن للمرأة أن تعتمد على نفسها دون حصولها على حقوقها الحديثة أولا.
بعبارة أخرى، ان المرأة "التابعة" للرجل و"المطيعة" له، التي تحتاج باستمرار إلى "أب" أو "ذكر" ليقودها ويحميها، لا تستطيع أن تثق بنفسها وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في أي مشروع أو خطط للتنمية. وهنا لابد من العمل على تغيير هذا الواقع، سواء بتغيير سلوك الحكومة أو بتغيير السلوك الاجتماعي المنطلق من الفقه الديني والعادات والتقاليد. فالذهن الحكومي لا يكف عن اللعب على وتر المصلحة، ما يجعلنا نصف سلوكه تجاه حقوق المرأة بأنه مجرد شعارات قد يتم التراجع عن رفعها إذا جاءت في الضد من مصالح الحكومة. وفيما يتعلق بالذهن الذكوري الاجتماعي المنطلق من الأفكار الدينية وثوابت العادات والتقاليد فيعتقد بأن المرأة التي "لا تطيع" الرجل أو "لا تتبعه"، لن تستطيع أن تدير حياتها ولن تقدر أن تعيش بصورة طبيعية في المجتمع، أو أنها تخفي في ذهنها أفكارا "خبيثة"، في حين أنها لم تسع إلا لاستقلاليتها ولم تطالب إلا بحقوقها التي لا يمكن للتنمية بصورتها الحديثة أن تتجاهلها.
إن غالبيتنا نفضّل أن تتهيأ لنا الظروف الاجتماعية لكي "نسيطر" و"نهيمن"، وأن "يتبعنا" الآخرون. لكن ماذا سيكون حال المرأة لو جاءت "تبعيتها" للرجل انطلاقا من الأفكار الدينية والاجتماعية؟ إن المسؤولية هنا تحتّم العمل على تغيير هذه الأفكار والسعي لانتزاع الحقوق عن طريقها. فمن السهولة بمكان ترسيخ فكرة "التبعية"، خاصة "تبعية" المرأة للرجل و"طاعتها" له، لكن من الصعوبة إيجاد البديل، لأن ذلك يعتمد على إيجاد فكرة حقوقية جديدة تتعارض مع كثير مما يسمى "بالثوابت" الدينية والاجتماعية.
إن خوف المرأة من هذا التغيير بذريعة وجود نص ديني وسيطرة عادات وتقاليد خاصة، هو ليس إلا ذريعة أخرى لتبرير البقاء في أسر سلطة الفهم الديني والعادات والتقاليد غير الحديثة للتحكم بحقوقنا وحياتنا. وهذا الخوف لا يمكن إلا أن نسميه انهزاما. فهو سيمهّد الطريق لنجاح التنمية المادية الاسمنتية، لكنه سيؤدي إلى سقوط التنمية الحقيقية.. ونعني بذلك تنمية الإنسان بحصوله على حقوقه الحديثة التي تشكل هويته وترسم طريقه في هذا العصر. فلا يمكن أن نكون حداثيين شكلا فيما حقوقنا الحديثة التي تشكّل هويتنا الحديثة، مسلوبة.

كاتب كويتي