الفيموقراط: تجربة من استراليا



عائشة خليل
2014 / 1 / 19

الفيموقراط مصطلح مركب من كلمتي فامينز (النسوية) والبيروقراطية ليعبر عن النسويات الاستراليات اللواتي عملن في صفوف البيروقراطين بالجهاز الحكومي ابتداءً من سبعينيات القرن العشرين، وذلك عقب سقوط حكومة المحافظين وانتخاب رئيس وزراء عمالي "ويتلام " عام 1972.

وقد انتخب ويتلام على أجندة تقدمية دعمته فيها الحركة النسوية، وكانت إحدى عوامل نجاح حزب العمال في انتخابات عام 1972 ضد خصمه التقليدي حزب المحافظين، فقام ويتلام بتعيين إليزابيث ريد كأول مستشارة لشؤون المرأة. وكان هذا أول استحداث لمنصب مستشارة رئيس الوزراء لشؤون المرأة على مستوى العالم. وريد ناشطة، وأكاديمية نسوية عملت في عدة مناصب داخل استراليا وخارجها وخاصة في الصندوق الإنمائي للأمم المتحدة لخدمة رفاهة المرأة وتقدمها على مستوى العالم، مما أهلها للحصول على وسام الاستحقاق عن مجمل نشاطاتها عام 2001. وأثناء عملها بالحكومة الاسترالية نجحت بمعاونة النسويات داخل وخارج الحكومة في تقديم عدة مبادرات منها: تكافؤ الفرص التعليمية للبنات والسيدات، التأمين الصحي للأطفال، مراكز صحة للنساء، مراكز لمساعدة النساء الناجيات من العنف الجسدي والجنسي، وأخرى للاجئات من النساء، وغيرها الكثير.

وقد تكون ريد أبرز الفيموقراط، ولكنها بالقطع ليست الوحيدة، فرئيس الوزراء ويتلام قام بتعيين العديد من النسويات في العديد من مراكز صنع القرار داخل الجهاز البيروقراطي، وذلك من أجل الخروج بسياسات تضع مصلحة المرأة نصب أعينها. وفي المجمل ينظر إلى الفيموقراط بأنهن جزء من الحركة النسوية، ولكنهن أيضًا جزء من الجهاز البيروقراطي، ولذا كان على الفيموقراط أن يعملن بتوازن من أجل تمرير السياسات "النسوية" بدون استعداء الجهاز الذي يعملن من خلاله. وقد نجحن في خلق بعض الأحلاف في مواقع مختلفة داخل الجهاز، كما حافظن على مستوى عالٍ من التواصل فيما بينهن حتى يتمكن من الضغط باتجاه السياسات التي تنهض بوضع المرأة داخل المجتمع الاسترالي.

وكانت من أهم مبادرات الحكومة للنهوض بواقع النساء في المجتمع الاسترالي تعيين لجنة لمناقشة الأوضاع التعليمية باستراليا، والتي خلصت في تقريرها عام 1975 بأهمية المساواة وضرورة الاهتمام بتعليم الفتيات واللواتي يشكلن فئة مهمشة تحتاج لاهتمام خاص يحد من التأثير السلبي للأنماط الاجتماعية التي تكرس دونية المرأة وتعمل على تنشئتها وتهيئتها لأدوار تقليدية، ودعا إلى ضرورة النهوض بالفتيات كي يتساوى مستواهن التعليم مع المستوى التعليمي للفتيان. وكان للنسويات (اللواتي كن أعضاء باللجنة، واللواتي عملن في أدوار مساعدة ومساندة بها) فضل كبير في خروج التقرير لينادي بالمساواة وتكافؤ الفرص التعليمية للبنات. وعندما دشنت الأمم المتحدة العقد الأول المرأة عام 1975 خصصت الحكومة الاسترالية مبالغ كبيرة لتمويل نشاطات للنهوض بالمرأة في العديد من المجالات وبمختلف أرجاء استراليا، كان من أهمها في المجال التعليمي تمويل اتحادات المعلمين، وتمويل الدراسات والأبحاث والمؤتمرات التعليمية . إلا أن حزب العمال هزم في الانتخابات ذاك العام، وانتخبت حكومة للمحافظين قللت المخصصات المالية التي منحت سابقًا للعناية بشؤون المرأة. ومع ذلك ظلت الفيموقراط يعملن بدأب من داخل الجهاز البيرقراطي للدولة لإعلاء شأن المرأة.

وهكذا يمكننا أن نرى أن العمل المنظم للنساء في استراليا قد أدى إلى نتاج ملموسة على أرض الواقع بالنسبة للمرأة هناك. فلقد استطعن من خلال المنظمات النسوية المختلفة التوعية بقضايا المرأة في المجتمع، ثم استطعن التحالف مع حزب العمال ودعمه من أجل الفوز بالانتخابات، ونتيجة للاستحقاق الانتخابي تم تعيين العديد من النسويات في الجهاز البيرقراطي للدولة، حيث عملت "الفيموقراط" بجد من أجل إيصال صوت المرأة الاسترالية والتوعية بقضاياها لدى دوائر صنع القرار، وانخرطن في اللجان (مثل اللجنة التعليمية) وساهمن في إصدار التقريرات التي عادة ما تخرج بتوصيات يعمل صناع القرار على تنفيذها. ولعل هذه التجربة تستحق الالتفات إليها ودراساتها من أجل إيجاد نماذج تساعد على انخراط المرأة العربية في دوائر صنع القرار ومساهمتها في التنمية البشرية للنساء في مختلف البلدان العربية، بعد أن رأينا في مقال سابق تدني مستوى المرأة العربية مقارنة بمثيلاتها في دول الشمال والجنوب.