حوار العيون الحلقة الثالثة



الرفيق طه
2014 / 1 / 21

حوار العيون. الحلقة الثالثة


بعد ليلة انشغلت فيها مخيلة احمد بشكل فاق قدراتها ، بسبب فاىًض الافكار المتضاربة و المتشابهة التي تجول في خاطره ، بقي احمد يتعرض لصفعات سوًال لم يجد له جوابا ، " اتفقت مع السيدة على المكان و الزمان ، و لكن كيف اسال عنها و عن اسمها ؟؟؟ " ليس له جواب . و لكن احمد مصر على الحضور في الزمان و المكان مهما يكن الامر .
في الصباح ، خزانة الملابس مفتوحة ، يختار له بذلة مناسبة للقاء ، يدقق في مراقبتها بتاًني ، رن هاتفه ، اشارة الرساىًل القصيرة .
فتح الرسالة بسرعة دون ادنى تردد ، مكتوب عليها بالفرنسية " موعدكم على الساعة الثالثة بعد الزوال بفندق النجوم العليا تم ترتيبه بمصلحة الاستقبال ، مع الشكر و التقدير " .
اعاد قراءة الرسالة مرات ، ليستنتج في النهاية ان المطلوب منه فقط هو الحضور الى مصلحة الاستقبالات و سيتضح له الباقي فيما بعد .
عاد لتنظيم خزانته و اختيار عطره المخصص للمناسبات الثمينة ، و يفكر في ما يمكن ان يقع بعد دخوله الفندق . اسىًلة كثيرة تتقاذفه ، لكن احدها استوقفه كثيرا : " هل المنقبة تشتغل في استقبالات الفندق ، و ذلك الوقت هو موعد نهاية خدمتها في اليوم ؟؟ ام ان التي توجد بالاستقبالات هي احدى صديقاتها ؟؟ الاسىًلة تتقاطر عليه من هنا و هناك و لا يجد لها جوابا مقنعا و دون ان يهتم بعددها .
طالت مدة انتظاره و هو يراقب الساعة ، عقاربها لا تسير كما اعتادها ، لحظة لحظة يقارن بين اشارة الساعة الحاىًطية و على شاشة هاتفه . لا يجد اختلافا . يفتح التلفزيون للاطلاع على الاخبار ، تنتهي النشرات و يرحل الى قنوات الافلام لعله يجد شريطا يغرق في احداثه لنسيان بعد الزمان .
تتوالى احداث الشريط على التلفزيون و لكن احمد لا يضبط منها الا لقطات ليصنع له شريطا خاصا يراه دون فتح عيونه . يستيقظ من سباته و يتابع التلفزيون لكن الاحداث التي تمر بدماغه اقوى ، تستولي عليه مخيلته و احلامه ، يطاًطاً كتفيه مرة مرة ، لاحساسه بتعب الاتكاء و الجلوس . كل ذلك ،لم ينفع لدفع عقارب الساعة تسرع .
بعد ساعات عصيبة ، اقتربت العقارب من الثانية و النصف زوالا . نزل لحديقة الفيلا ، وجد سيارته مجهزة كما طلبها . وضع حقيبته في صندوق السيارة . فتح له الحارس الباب و خرج يمزق الهواء على الطريق بسيارته الفخمة . خمس دقاىًق تفصله عن الثالثة زوالا ، و هو قرب الفندق ، بحث عن مكان لرسو سيارته وسط ازدحام المدينة ، اشار له حارس السيارات ان مكانا يخصصه لاناس لا يبخلون عنه عطاءا ، ادخل السيارة فيه .
دخل من الباب الرىًيسي للفندق ، لم يشر له الحراس بشيء ، رغم ان باب هذا الفندق تتم فيه الحراسة بشدة و لا تسامح ، ربما هياًته و وسامة وجهه و مظهره لم يخالجهم شك في انه من علياء القوم .
اتجه مباشرة الى الاستقبالات ، ثلاث شابات بلباس موحد يوًثثن المكان ، امامهن شاشات و لوحات حاسوب ،
و هو يقترب منهن يتساءل عمن هي منهن المنقبة التي يقصد ، و اذا لم تكن ، من هي صديقتها التي تكتم سرها . من سيسال منهن ؟ و ماذا سيقول لها ؟.
وقف في الوسط ، اقترب منه احد رجال امن الفندق دون ان يكلمه ، سالته احدى الشابات مبتسمة بعد الترحيب المعتاد منهن ، " بماذا اخدمك سيدي ؟ "
جلب هاتفه من جيبه و اشار لها الى رسالة نصية توصل بها من الفندق . لم يكمل كلامه حتى وقفت الشابة من كرسيها و كانها تعلن حالة استنفار ، تقول لرجل الامن المقترب من احمد ، ابحث عن سعيد و طاقمه .
لم تكن الا نصف ثانية حضر فيها شاب و بجانبه شابتان بلباس موحد في اللون و الاشارات و يختلف في الشكل ، لباس الرجل بالسروال في حين ان الشابتان ترتديان تنورتين .
قالت الشابة لسعيد رافق السيد لقاعة الامراء رقم واحد . قال سعيد لاحمد تفضل سيدي ، سعيد امام احمد و الشابتان خلفه من اليمين و اليسار على شكل Y مقلوبة .
مرالثلاثة برفقة احمد ببهو الفندق ، الصمت يعم المكان الا من بعض المارة من السواح و رجال الاعمال الذين يتبادلون احاديث لا يسمعونها الا بعضهم البعض و بلغات مختلفة . عند كل مدخل من بهو الى اخر تجد رجلين بلباس تقليدي مختلف عن الاخر ، شبيه بلباس مناطق مختلفة من المغرب . الرجال الذين يلبسون البذلات التقليدية لا يتحركون و لا يبتسمون ، يقفون في نفس المكان كالاصنام .
بعد برهة، وقف سعيد و من خلفه احمد ثم الشابتان ، امام بوابة مزخرفة بالنقش التقليدي على نحاس اصفر تخاله ذهبا ،
بالبوابة شابتين متقاربتين في القامة و الشبه ، و بذلة موحدة و مختلفة عن بذلات الشابات التي راهن احمد من قبل . على راسيهن بزات كالتي ترتديها بعض الفرق العسكرية ، شعورهن على مقصوصة على الكتف . اشار لهما سعيد بفتح البوابة ،
دفعت كل واحدة منهما دفة من الباب ، احداهن يمينا و الاخرى يسارا ، و وجههما لجهة احمد مستقبلة اياه بابتسامة مشرقة تضيق معها عيناهما التي يتلالوً منهما السواد وسط بياض ناصع ، و خدود محمرة بين الشعور السوداء .
بقيت الفتاتان على نفس الوضع ، دخل احمد البوابة و امامه سعيد و الشابتان التي ترافقان سعيد تقدمتا قليلا .
قاعة يزيد اتساعها عن الماىًتين مترا ، مفروشة بشكل واحد من الزربية التقليدية المغربية ، لون صباغتها فاتح ، خصوصا مع الانارة التي تتركها اشعة الشمس التي تنفلت بين الستاىًر . اما السقف ، فالنقوش على الخشب و الجبص و النحاس تشعر الناظر بعالم كليوباترا .
اشار سعيد لاحمد باخذ مكانه على طاوولة زجاجية ، انواع من الاسماك الحية تزينها بحركاتها و تموجاتها العبثية . احدى الفتاتين جلبت الكرسي خلفا ، ابعدته عن الطاوولة للسماح لاحمد بالجلوس . اما الفتاة الاخرى فقد وقفت امامه باليدين الى الخلف تبتسم .
انسحب سعيد من المكان ثم تبعته مرافقتاه ، اغلقت الشابتان باب القاعة مرة اخرى و بنفس الطريقة وجههما الى احمد الى ان التقت الدفتان . كل واحدة من الشاباتان اتجهت لجهة من القاعة تحرك الستاىًر دون ان يفهم احمد ما تصنع .
القاعة عبارة عن مجموعة من الصالونات التي تختلف في الحجم و الشكل . الاريكة بالجلد البني و اخرى بالوبر الخالص و الاخرى يراها هناك و كانها بجلد التماسيح . و هناك طاوولة اجتماعات تتسع لاثنى عشر فردا .
الستاىًر على كل الواجهات ،لان القاعة لها شكل نصف داىًري مطل على مسبح و نافورة تلوح بماىًها الى ما فوق ما يراه احمد من مكانه على الكرسي . حديقة تحيط بالمسبح و النافورة اشجارها من انواع شديدة الخضرة و بعضها عليه زهور .
خرجت الفتاتان من القاعة و تركت احمد لمصير لم يعد يعيره اهتماما . وسط هذا الصمت الذي الذي يسود المكان ، لولا زقازق طيور لا يرى لها افخاخا و رقرقة الماء المنساب من النافورة بين الفينة و الاخرى . يسمع صوت شلال لم تسعهروٍيته من مكان جلوسه .
نسي احمد انه على موعد مع شخص لا يعرف عن ملامحه شيىًا سوى انه امراة شابة في اغلب الظن .لم يشعر بطول الانتظار كما تعود مع اناس يتاخرون عن ماعيده بدقاىًق ، و هو الشاب الذي يضبط مواعيده و يحتفظ عليها و يرفض ان ينتظر .
انفتح باب القاعة بنفس الطريقة ، دفة و فتاة الى اليمين و دفة و فتاة اخرى الى اليسار ، تدخل شابتين بياض وجوهيهما ناصع ، احداهن لون شعرها اشقر و الاخرى اسود ، تشع الابتسامة من عيونهما . الرقة و النقاء صفة تزين الوجه و اليدين و اللباس .
احداهن تحمل صينية مذهبة ، و الاخرى اخذت من الصينية كتابا وضعته امام احمد . اخرجت من محفظتها الة الكترونية و قلما الكترونيا لتسجيل طلبياته .
دون ان يفتح احمد الكتاب قال لها طلبه و سجلته و انسحبت الشابتان بهدوء . ليقفل الباب بنفس الطريقة من خلفهما . لم تكن سوى لحظات و يدخل شاب متوسط القامة ابيض اللون حليق الوجه و الى جانبه شابة لا تقل جمالا عن سابقاتها . وضعا الشابان طلبيات احمد على طاوولته مع كلمات لطيفة منهما و انسحبا من المكان .
سبعة دقاىًق كاملة بعد الثالثة زوالا ، لم تكن طلبيات احمد غريبة عليه في هذا المكان لانه الفها حتى في دول خارج المغرب . لكن الجديد هو الكوًوس و الاواني و غيرها . انها من الانواع الفاخرة .
وضع احمد سكارة واحدة في قهوته و اخذ يحرك بملعقته . فتح الباب مرة اخرى ،
يدخل القاعة خمسة رجال و امراة واحدة . اربعة شبان حليقوا الوجه بازياء مختلفة ، و رجل اربعيني بلحية كبيرة محكمة التصفيف سوداء اللون ، له كتفين عريضين و قامة متوسطة ، يرتدي جلبابا من نوع ثمين بلون اسود و يظهر قميص ابيض من تحتها ، ساقيه لا تحجبهما الا جواربه . و المراة هنقبة و على عينيها نظارات سوداء . انها السيدة التي ينتظر احمد .
دخل الستة تتقدمهم السيدة ، نزعت قفاز يدها اليمنى بيدها اليسرى و صافحت احمد ، و تلاها الرجل الملتحي و تبعهما الشبان الاربعة .
انسحب الشبان الاربعة بعد مصافحتهم لاحمد و التعبير له عن ترحيبهم به ، و جلست السيدة المنقبة تقابل احمد على الطاوولة بينما بقي الرجل الملتحي واقفا .
طه 20/01/2014 على الساعة 23:30