قوانين جندر جديدة بفرنسا



عائشة خليل
2014 / 1 / 22

"قبل أسبوعين فقط من حسم السباق الرئاسي في مصر فاز الاشتراكي فرنسوا أولاند بمقعد الرئاسة في فرنسا، وشكل حكومة ذهب نصف مقاعدها للإناث. وحصلت نجاة فالود بلاكسمي المسلمة مغربية الأصل على حقيبة "شؤون المرأة" في تلك الحكومة، وهي أصغر أعضاء الحكومة سنًّا." هكذا بدأت مقالا كتبته منذ عام ونصف في معرض المقارنة بين القوانين المصرية والفرنسية ضد التحرش، حيث كانت الوزيرة قد طرحت قانون يجرم التحرش كجناية (وليس كجنحة فقط) ويعاقب المتحرش بعقوبة الحبس تصل إلى عامين، وغرامة تصل إلى 37 ألف دولار، بينما كان النشاطون والناشطات في مصر يعملون بدأب على إيصال صوتهم للحكومة المصرية من أجل تمرير قوانين رادعة ضد المتحرشين. وأكتب اليوم عن قوانين جديدة تطرحها الوزيرة لتجعل من المساواة في فرنسا حقيقة على أرض الواقع.

"الأنثى لا تولد امرأة، وإنما تصبح امرأة فيما بعد" مقولة شهيرة للكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار، أشارت فيها إلى دور النظم الاجتماعية في تشكيل الجندر، حيث تعمل مؤسسات المجتمع (مثل الأسرة والمدرسة) على تحديد السلوك الملائم للإناث، بحيث تشب الطفلة لتصبح امرأة تتصرف وفقًا للأنماط المتوقعة اجتماعيًا منها. وبالرغم من التأثير الواسع لكتابات سيمون دي بوفوار على مجمل أعمال النسويات في النصف الثاني من القرن العشرين، مازال مستوى "المساواة على أساس النوع الاجتماعي" في بلدها فرنسا متدنٍ عن مثيلاته الأوروبية وخاصة دول شمال أوروبا أو الدول الإسكندنافية (الدنمارك، السويد، فنلندا، النرويج). فمازال "السقف الزجاجي" حاجزًا ضد ترقي المرأة إلى المناصب العليا، ومازالت المرأة الفرنسية تتقاضى راتب يقل على زملائها الذين يقومون بذات الأعمال بنسبة تصل إلى 25٪-;---;-- أو أكثر، كما أنها لا تزال محصورة في بعض القطاعات التي تعتبر نسائية بامتياز مثل التعليم المدرسي، بينما نسبة مشاركتها في بعض القطاعات التي تعتبر ذكورية بامتياز مثل قطاع التشييد متدنية للغاية.

ومشاريع القوانين الجديدة التي تطرحها الوزيرة على البرلمان لمناقشتها هي الجيل الثالث من حقوق النساء في فرنسا بعد حصولهن على بعض الحقوق خلال القرن العشرين، مثل الحقوق السياسية والمشاركة في الانتخابات. وقد وافق مجلس الشيوخ الفرنسي على هذه الحزمة من قوانين مساواة النوع الاجتماعي أواخر العام الماضي، وهي الآن مطروحة على المجلس الأدني بالبرلمان الفرنسي أي الجمعية الوطنية لمناقشتها. وتشمل القوانين المطروحة على البرلمان حزمة من التعديلات التي تصفها الصحافة المتابعة "بالطموحة" ستغير من تصوير المرأة النمطي في وسائل الإعلام، وتمنح إجازات رعاية مولود مدفوعة الأجر للوالد بعد ولادة طفله، وتشدد العقوبة على العنف المنزلي، وتستقطع مصاريف الحضانة والنفقة من الضمان الاجتماعي للآباء الذين لا يفون بالتزاماتهم المالية، وتعدل الأجور من أجل تماثل الرواتب للأعمال المشابهة، وتوازن التمثيل في مجالس الإدارات، الأمر الذي سيطال بالعقوبات المالية أكثر من 500 شركة إذا لم تعين عددا أكبر من السيدات على مجالس إدارتها، كما سيمنع القانون تلك الشركات من تنفيذ عقود لصالح الحكومة في حالة مخالفتها لتلك القوانين حال إقرار الجمعية الوطنية لها.

ولنا أن نغبط الفرنسيات على وزيرتهن النشيطة، كما فعلنا منذ عام ونصف تقريبًا، ولكن علينا أن نتساءل أيضًا عن الدور الذي تلعبه الناشطات النسويات في دعم الوزيرة ومشاريع القوانين المطروحة على البرلمان الفرنسي. فلقد وقفت الجمعيات النسوية في فرنسا وفي أوروبا الموحدة خلف التعديلات المقترحة، وأشار العديد من التقارير التي اطلعت عليها إلى أن فرنسا جاءت في المركز 57 في تقرير مساواة النوع الاجتماعي الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2012، متأخرة عن بريطانيا (المركز 18) وكذا فنزويلا وقرغيزستان. وأعتقد أن ذكر بريطانيا المنافس التاريخي لفرنسا، وليس دول أوروبيةا أخرى تقدمت جميعها في الترتيب عن فرنسا، كان تكتيكا إعلاميًا جيدًا ( وكذلك هو الحال عند ذكر فنزويلا وقرغيزستان) فهو يلعب على الشعور الوطني الفرنسي الذي يتباهى بفرنسا كمعقل للحريات وكأرض الثورة الفرنسية، ويدعو البرلمان الفرنسي (الجمعية الوطنية) إلى اتخاذ خطوات عملية لتحسين واقع مساواة النوع الاجتماعي. وما يعنيني في المقام الأول هو النشاط الذي تساند به المؤسسات النسوية المشاريع القانونية التي تطرحها الوزيرة، وتلك المساندة قد تكون حاسمة في تمرير تلك القوانين، فهل لنا أن نتعلم من التجارب الإنسانية للأمم؟