يا ليتني كنت كسارة



روان المهدي
2014 / 1 / 22

اليوم اريد ان احدثكم عن سارة ، سارة فتاة مصرية من اسرة بسيطة نشات تنعم بحب ابيها فقط . نعم فقط فقد كان لامها دور اخر ، منذ ان اصبحت سارة انثى ناضجة وبعد اول قطرات دم تخرج منها تغيرت معاملة امها لها . فقد اصبحت التحذيرات هي السمة الغالبة ، فقد اصبح جسدها مصيبة لابد من اخفائها وشعرها الاسود المموج القصير لم يعد يرى الناس مرة اخرى بعد ان تمت تغطيته بقطعة قماش . اصبحت والدتها تعاملها على انها اقل من اخواتها الذكور وساعد على ذلك بطئ تحصيلها في التعليم ، اصبحت امها واخواتها الذكور يصفوها بان ذكائها محدود وان شخصيتها ضعيفة ولانها كانت صغيرة ترسخت في نفسها تلك الصفات . قبل ان تدخل امتحان نهاية المرحلة الاعدادية توفى والدها ، شعرت ان اخر حصن لها امام تسلط والدتها واخواتها قد انهار ، وبالطبع كان من الطبيعي ان تفشل في الالتحاق بالثانوية العامة والتحقت بالتعليم الفني ثم معهد سكرتارية خرجت منه اكثر جهلا قبل ان تدخله ، الفائدة الوحيدة منه انه جعل في يدها شهادة تمكنها من العمل وهو ما حدث بالفعل حين قام احد معارف والدها للتوسط لها للعمل في وظيفة ادارية متواضعة .

شعرت سارة بقلبها يخفق اول مرة لزميلها في العمل ، لكن للاسف وجدت ردا جافيا بانها ذات تعليم متوسط ولا تصلح كزوجة له مع العلم انه هو شخصيا – كان حاصلا على مؤهل جامعي بطريقة ما – لا يستطيع ان يقرأ الجريدة اليومية . وكأي فتاة تتعرض لصدمة عاطفية ولا تجد اي دفئ في منزلها الذي اصبح يتعامل معها على انها فضيحة مهددة بالانفجار في اي لحظة ولا لشئ الا لانها فتاة تخرج من منزلها كل يوم ، كان طبيعي حين لاتجد اي سند لها في الدنيا ان ترفع عيناها الى الله وان تلتزم بالدين ، وطبعا تعريف الالتزام في بلادنا هو زيادة قطع القماش التي تغطي جسد الفتاة اي بمعنى اخر قررت ان تنتقب .
الى ان جاء اليوم الذي تقدم حسين صاحب ورشة السيارات والسمعة السيئة بالتقدم لخطبتها ، كانت فرحة الاهل لا تصدق حيث انه اخيرا جاء شخص ما ليخلصهم منها . لم يلتفتوا الى سمعته الرديئة التي يعرفوها جيدا ولم يلتفتوا الى استغاثاتها المتكررة واتهموها بانها على علاقة اثمة باحدهم لهذا ترفض الزواج ، وتحت ضغوط كثيرة ونصائح الام لها ان المرأة الذكية هي من تغير زوجها قبلت بهذه الزيجة .
في البداية شعرت ان زوجها ليس بهذا السوء بل وبدأت تشعر نحوه بالعاطفة ، كانت كل مشكلتها معه انها لا تستمتع بالعلاقة الزوجية معه ، فقد امتدت يد المجتمع البالي قديما وانتزعت منها كل ما يمكن ان يشعرها باللذة فيما يسمى بجريمة الختان . شعرت ان زوجها اصبح يتعامل معها على انها مجرد جسد فقط ، لا يبالي بصراخها المنبعث من المها واعتبره دليلا على رجولته المفرطة ، لا يهتم بمدى رغبتها في العلاقة طالما اراد هو اتمامها . ارادت ان تنهي تلك العلاقة المحكوم عليها بالفشل لكن جاء الطفل الاول ليدمر هذا الحلم تماما .

قررت ان تستسلم للامر وانه لا يمكن ان تعيش في حزن بقية حياتها وقررت ان تتفرغ لتربية ابنها ولهوايتها الوحيدة – الموسيقى – فقد كانت تاخذها لعوالم اخرى افضل بكثير من واقعها المرير ، وتمر الايام وتفكر سارة ان تدخل عالم مواقع التواصل الاجتماعي لاشغال وقتها التي تقضيه بلا هدف . مع الوقت بدات تلاحظ اشياء غريبة تكتشفها لاول مرة ، بدأت تكتشف انها ليست بهذا الذكاء المحدود او الشخصية الضعيفة . فالعالم الخيالي – الفيسبوك – قد تعامل معها وفقا لما تكتبه وليس وفقا لما هي عليه في الواقع ، بدات تكتشف حبا مفاجئا للقراءة لتكتشف معه عالما جديدا من المعرفة . اصبحت تقرا عن مشكلتها الجنسية لتكتشف ان زوجها ايضا ليس كما يدعي ، اصبحت تلاحظ انه لا يتفاعل معها ابدا اثناء العلاقة ، ملامح وجهه المتصلبة المنهكة اثناء العلاقة والتركيز على ما يفعله دون ان ينظر الى عينيها او يقبلها جعلها تتاكد ان الامر بالنسبة له لا يتعدى كونه قضاء حاجة لا اكثر . لا توجد عنده اي مشاعر بل مجرد غريزة حيوانية صرفة ، عرفت ان اللذة عند الانثى تحتاج لمشاعر واحاسيس متبادلة وليس مجرد عملية ايلاج الية . بدأت تصارحه بانها لا تحصل على حقها في الفراش فكان رده المتوقع انه لا غبار عليه وان المشكلة عندها وليست عنده ، اصبحت تكره علاقتها معه وتشعر انها تغتصب وتكاد تحبس دموعها بصعوبة الا انها تتركها لتنساب على وجنتيها حين يتركها ليذهب الى الاستحمام لتكمل هي ما لم ينهيه .

اصرت اكثر على الطلاق وطلبته علانية ، وكانت النتيجة تحطيم آلتها الموسيقى المفضلة – العود – وتحطيم اصبعين من اصابعها الرقيقة ، هرعت الى من تظن انهم اهلها وحكت لهم كل ما تعانيه من اسى والم واستغلال جسدي وتعدي على انوثتها وكرامتها ، كانت ردة فعل اهلها اكثر ايلاما من الم اصابعها المكسورة ، فالمرأة المحترمة لا تترك بيت زوجها حتى لو باعها في سوق الجواري . رجعت بيتها مكسورة تتحاشى نظرة زوجها الشامتة الذي اخذها على الفراش عنوة وكان شيئا لم يكن ، يومها قررت ان تعيش حياتين مختلفتين ، واحدة تجسد مأساة اغلب فتيات الطبقة المتوسطة وحياة اخرى لفتاة متحررة عاقلة تبهر اصدقائها بارائها الموزونة وعباراتها الصادمة لافكارهم البالية . تعرضت بالطبع للكثير من اشباه الرجال الذين ظنوا ان المرأة المتحررة هي المرأة سيئة السمعة وكان من السهل جدا ان تسقط في علاقة عابرة الا انها رفضت ذلك وبقوة ، اصبح احترامها لنفسها اهم عندها من رغبتها الجسدية فقد تعلمت من مأساتها درسا مهما للغاية وهو ان المرأة قلب وعقل قبل ان تكون جسد ومن لا يحترم عقلها ويملا قلبها ليس من حقه ان يحلم مجرد الحلم بجسدها .
ازدادت ثقافة ونضج وحكمة مع مرور الوقت ، اصبحت تنظر لزوجها نظرة دونية بل وساخرة في بعض الاحيان فقد عرفت انها تستطيع ان تتحكم به بجسدها . لم تكن تفعل ذلك لكن معرفتها بالقدرة على فعل هذا الشئ جعلها تحتقره اكثر ، اصبحت لا تقيم لرجولته المصطنعة وزنا واصبحت لا تلتفت الى كلامه بانها فاشلة وانها باردة ، لقد اصبحت تعرف انها متفجرة بالانوثة لكنه ليس اهلا او قادرا على استثارتها .

كنت اتمنى ان اقول لكم في نهاية القصة ان سارة اكملت تعليمها ونالت حريتها ، لكن صدقوني لا داعي لان اكتب ذلك فهي ستفعله ان عاجلا او اجلا . فقصة سارة هي ملحمة لامرأة رفضت ان تصير عبدة لاذلال اهلها او رغبة زوجها في قمعها او اصرار مجتمع على وضعها في خانة اقل انسانية من مكانة الحيوانات المشردة ، يا ليتني كنت كسارة اتجرع كاس مرارتي دون ان تنهزم رغبتي في الحياة .