النساء شربن المقلب



ميساء قرعان
2005 / 6 / 22

لست أنسى قول إحداهن بعدما استطاعت أن تشق طريقها بمفردها وتغلبت على متاعب عبودية حياة زوجية بالطلاق: شربنا المقلب . فماذا جنينا من التحرر غير إضافة كم من المسؤوليات، أليست النسوة اللواتي لا يعنيهن سوى موضوع الطبخ وشرب القهوة الصباحية مجُتَمِعات أكثر سعادة وأقل منّا شعورا بالمسؤولية؟ ولماذا يجبرنا المجتمع على أن ننخرط بأحد نموذجين لا ثالث لهما؟ أو لماذا لا يرضى الرجل بالزوجة المؤكدة لذاتها؟ ولماذا يغيظه تفوقها إلى الدرجة التي يضطرها فيها لطلب الطلاق؟ ثم يحمّلها مسؤولية الأولاد منفردة كوسيلة للانتقام منها أو وسيلة لوأد طموحاتها؟ ولماذا يميل الرجل إلى المرأة المتفوقة والقوية بشرط أن لا تكون زوجة؟ ألا يكمن الخلل بثقتهم برجولتهم؟ إن قيمهم التي تفرض على أحدهم أن لا يتنازل عن دور القائد إذا ما كان شريكا في مؤسسة زوجية هي ذاتها التي تقودهم إلى التعامل مع الحياة الزوجية بافتراض أنها ساحة معركة أو لعلها ساحتهم الوحيدة
لتعذرني سيدات المجتمع ورائدات الحركة النسوية في مجتمعاتنا، ولتعذرني أولئك النسوة اللواتي لديهن تقدير مرتفع لذواتهن ولإمكانياتهن التي لا أشك في أنها قد تفوق إمكانيات الرجال في مواقع كثيرة.
عذرا سيداتي فليست الثقافة الاجتماعية أو الذكورية وحدها هي من تعمد إلى وأد المرأة فهنالك طفلة موءودة في داخل كل امرأة قوية ، فالضعف الإنساني وليس الأنثوي فقط قد يُفتَضَح إذا لم تدفن كل واحدة منا الطفلة الكامنة فيها، ولذا فإن إعلان القطيعة مع الضعف والتنكر لتلك الطفلة المتطلبة للأمان والحماية هو الوسيلة التي تقينا من الافتضاح، أما كشفها أو كشف حاجاتها فلا يكون إلا في لحظات بوح .
الضعف يجبر المرأة على أن تستبدل بوجودها وجود آخر تنصهر فيه معالم كينونتها، والضعف وانعدام الاستقلالية قد يجبرانها أيضا على احتمال ظلم الجنس الآخر، سواء كان الزوج أو الأب أو الأخ.
النساء في مجتمعاتنا يُكرهن على أن يمتثلن لأحد النموذجين بحسب قول السيدة السابق ذكرها ولكلا النموذجين خسارات وتضحيات تقدمها المرأة، فالثقافة التقليدية التي تملي عليها الوصايا العشر المتعلقة بدورها كزوجة وأم تنتزع منها خصوصيتها واستقلاليتها ولذا فإن بقائها وشعورها بالأمن وتحقيق الذات مرهون باستمرارية هذين الدورين أما التعلق بالزوج والأبناء فقد يتجاوز حدوده المعقولة لأنه يتلازم مع مخاوف من فراغ العش والأدوار التي يتطلبها، إن مشاعر الاستياء والرفض التي قد تبديها"الحموات" إزاء زوجات الأبناء قد لا يفسر بعيدا عن هذا الطرح
إن لنموذج المرأة المؤكدة لذاتها والتي لديها من اللقاحات ما يكفي لوقايتها من أن تكون الشمعة التي تحترق في مجتمعاتنا خسارات أخرى، خسارات قد تتساوى كماً مع النموذج السابق لكنها تختلف نوعا، فهي إذا ما وصلت بجهودها إلى ما تعتقد بأنه بر الأمان وإذا ما أثبتت وجودها وحققت استقلاليتها فإنها تواجه عدة صعوبات تتمثل بصور مختلفة ، فالزوج –إلا فيما ندر- لا يستطيع أن يتكيف مع زوجة من هذا النوع حتى وإن أثبتت قدرتها على القيام بمختلف الأدوار،كما أن تفوق الزوجة يصبح بمثابة تهديد لإحساسه بأنه المتفرد بالقرار والقيادة وقد تبدأ خلافات تنتهي إلى الطلاق الذي يفترض أن تتحمل تبعاته الزوجة القوية
في بواكير تمرد المرأة على أسباب وأشكال العنف الاجتماعي الذي تتعرض له بنات جنسها تتشكل لديها قناعة ودافعيه نحو تغيير العالم ، لكنها تكتشف في نهاية المطاف بأنها لم تفعل شيئا وبأن المجتمع الذي يعيق تقدم النساء هو ذاته من يلزم إحداهن بدفع ضريبة إثبات الذات، تكتشف ونكتشف بأن النساء سيمكثن إلى أجل غير مسمى وراء الكواليس وبأن تصدرهن في المقدمة لا يكون إلا على سبيل الترويج والإعلان وتزوير حقيقة كونهن وراء العظماء من الرجال، ويكتشفن بأنهن "شربن المقلب"