مسألة ضمان حقوق المرأة في الدستور المنشود



باقر جاسم محمد
2005 / 6 / 23

تفرض مسألة ضمان حقوق المرأة في الدستور المنشود حاجة آنية لبذل جهود عملية و سريعة لأن التهاون في ذلك قد يؤدي إلى استمرار غبن المرأة اجتماعيا و دستوريا لعقود قادمة . و لعلنا لا نأتي بجديد إدا ما أكدنا أن المسألة لا تقل أهمية عن المسائل الخلافية الأخرى التي يجب الإتفاق حولها مند الآن . فما أن يسن الدستور و يتم إقراره بالاستفتاء حتى يغدو من الصعب إن لم نقل المستحيل تعديله لجهة تدارك ما لحق المرأة من ظلم . و نلاحظ أن ما بقي من وقت لا يكاد يكفي لإنجاز مثل هذه المهمة النبيلة و جعل لجنة كتابة الدستور، و هي لجنة يهيمن عليها أشخاص ذوي ميول محافظة ، تتبنى موقفا يضمن حقوق المرأة ذلك أن عملية كتابة مسودة الدستور ستتم في الخامس عشر من آب المقبل ، و هو موعد طرحها للمناظرة العامة ، مما يجعل المدة المتبقية أقل من شهرين . و ينبغي في هذه الفترة القصيرة حشد كل ما يمكن من طاقات من أجل تضمين تلك المسودة نصوصا صريحة وقطعية الدلالة على حقوق المرأة . و هذا خير من السماح بتمرير مسودة ناقصة ثم النضال من أجل تعديلها في مرحلة المناظرة و النقاش لاحقا.
و في الأثناء ينبغي التنبيه إلى الغياب شبه الكامل للمرأة التي لا تعد نفسها أكسسوارا ملحقا بالرجل من لجنة كتابة الدستور ؛ و ضآلة تمثيل أنصار حقوق المرأة من الرجال في تلك اللجنة . وهذا مما يجعل من المهمة أكثر صعوبة . لذلك لابد من المطالبة بإشراك ناشطات الحركة النسوية من ذوات التاريخ النضالي بصفة استشارية في تلك اللجنة فضلا عن الكتابة و تكريس الندوات الفكرية لحفز الرأي العام و دفعه للوقوف إلى تضمين الدستور حقوق المرأة كاملة . و لعل الصحافة التقدمية المكتوبة و الفضائيات خير وسيلة في هذا الصدد لما لها من انتشار واسع .
و للتأثير على أعضاء لجنة كتابة مسودة الدستور الحالية لا بد من تذكيرهم بأن المرأة ناخبة تمثل أكثر من نصف المجتمع، وهي القوة الانتخابية الأولى . و قد تعاقب من لا يعملون على منح المرأة حقوقها بعدم انتخابهم مستقبلا. و لكي يتحقق ذلك يجب أن ينبذ قانون الانتخاب طريقة القوائم المغلقة التي توفر مظلة لمن لا تاريخ لهم من الرجال و النساء حتى يعبروا من خرم الانتخاب الضيق إلى عضوية الجمعية الوطنية . و بذلك يعرف أعضاء لجنة كتابة مسودة الدستور إن دور المرأة سيكون حاسما قي بقائهم في الجمعية الوطنية .
و يجب تفعيل دور منظمات المجتمع المدني و حفزها على القيام بحملة للتوعية بأهمية هذه المسألة . كما يجب تفعيل الحوار مع المجموعات ذات التوجهات العلمانية داخل الجمعية و خارجها للتعاون من أجل الأهداف المشتركة و لاسيما قضية ضمان حقوق المرأة دستوريا. و في القوانين التي ستشرع لاحقا إستنادا الى الدستور .
و لا شك أن دستورا يقوم على فصل الدين عن الدولة و يتضمن كل ما ورد من بنود في لائحة حقوق الإنسان سيكون ضامنا قانونيا أوليا لحقوق المرأة السياسية و الاقتصادية و الأسرية كافة. و لا يحسبن أحد أن هذه المسألة لها طابع الترف الفكري ،أو أنها تهم المرأة فقط ، فلا تقدم و لا حرية و لا عدالة دون أن تتمتع المرأة بكل ما يضمن ازدهار شخصيتها الإنسانية استنادا دستور متوازن يحفظ للمرأة ، كما الرجل ، كافة حقوقها .
و لعل من المناسب أن أعيد بعض ما كتبته عن المسألة في اتلثامن من الشهر الثالث 2005 .و هو ما يأتي:
لا شك أن ممارسة الحرية تخضع لاعتبارات و أطر تاريخية و اجتماعية و سياسية تعمل مجتمعة على تحديد آفاق هذه الممارسة و تدمغها بسمات معينة. و هذه الممارسة تكون نتاجا لتفاعل العوامل الذاتية و الموضوعية للجهات و القوى الاجتماعية التي توجه العملية السياسية في الظرف التاريخي المتعين . و انطلاقا من هذا التحليل فإن من أهم ما يواجه القيادات النسوية و كذلك القوى السياسية كافة ، في هذه المرحلة ، هو مهمة إنجاز إرساء حقوق المرأة السياسية و الاجتماعية على قاعدة دستورية رصينة و هو أمر ما زالت المخاطر تحيق به من كل جانب نظرا للتعقيدات التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن . و لكي نفهم أبعاد خصوصية وضع المرأة في هذه المرحلة يمكن الإشارة الى ما يأتي:
1. إن المرأة العراقية قد عانت ، و منذ عقود ، من ضغوط اجتماعية و نفسية كبيرة
حين أدخل نظام صدام البلاد في متاهة حروبه العبثية الخاسرة . فقد تحملت العراقية البطلة عبء دور الأب و الأم ، و في بعض الأحيان ، دور المعيل في آن واحد . و هذا يعني أنها لعبت كل هذه الأدوار في ظروف اجتماعية غير مناسبة . كما أن مضاعفة مسؤولياتها لم تصحبها زيادة مماثلة في مجال الحقوق السياسية و الاجتماعية .







2. بعد أن سقط الصنم ، و أعطيت المرأة دورا سياسيا متميزا بالنص في قانون إدارة الدولة على تخصيص نسبة 25% من مقاعد الجمعية الوطنية للمرأة ، نشأ وضع صعب أمام المرأة العراقية ذلك أن الحرية أو الدور السياسي الذي يوهب أو يمنح لجهة ما ليس مثل ذلك الذي يؤخذ عنوة عبر تطور آليات نضالها الذاتي. و هنا أود التوكيد على أنني لا أعني أن المرأة ليست مؤهلة للعب الدور الوطني المنوط بها في المرحلة القادمة ؛ فهي أهل لمثل هذا الدور . و لكن الخشية كل الخشية هي في موقف المرأة النائبة في الجمعية الوطنية من قضايا المرأة نفسها . فالخارطة السياسية تظهر أن النائبات ينتمين الى ثلاث جهات سياسية أساسية متميزة هي : الائتلاف العراقي الموحد ذو الصبغة الدينية، و الائتلاف الكردستاني ذو الصبغة القومية ، وائتلاف العراقية ذو الصبغة العلمانية. و هذه الجهات لها تصورات متباينة تصل حد التناقض حول حقوق المرأة و دورها في الحياة السياسية و الاجتماعية . و لما كانت الجمعية الوطنية هي التي ستكتب الدستور الدائم و تطرحه للاستفتاء العام ، و لما كانت بعض هذه الجهات قد وافقت على الحصة أو ( الكوتا ) الممنوحة للمرأة على مضض، و نظرا لما حصلت عليه هذه الجهات من نسبة عالية فإن من الممكن أن يجري تعديل جوهري في الدستور الدائم لصالح تعويم النسبة الممنوحة للمرأة بدعوى أن من حق المرأة كما هو من حق الرجل أن يشغل أي عدد من المقاعد دونما تحديد أو اعتبار سوى للكفاءة . و إذا ما حصل ذلك فإن النائبات اللائى يتبعن للجهات التي قبلت بالكوتا على مضض سيصوتن لصالح مثل هذا التغيير استجابة للوازع الديني و تقديما له على الوازع الذاتي . و مثل هذا سيكون أمرا مقبولا من الناحية الديمقراطية و لكنه سيمثل ارتدادا عن مكسب مهم يضمن للمرأة دورا مهما في صوغ مستقبل البلاد فضلا عن دورها في تعزيز مكانتها السياسية و الاجتماعية . و هكذا فأن الانتخابات التي أسهمت المرأة بدور حاسم في إنجاحها مرشحة و ناخبة قد تؤدي ، و هذا أمر متوقع تماما ، الى تآكل حقوق المرأة و ارتدادها الى مرحلة سابقة من النضال من أجل استعادة حقوق سبق لها أن تمتعت بها.
إن هذا الوضع يتطلب البحث في ما يعزز موقف المرأة النائبة مهما كان انتماؤها السياسي في مجال الدفاع عن حقوق المرأة خاصة . و نقترح هنا أن يصار الى تشكيل " جمعية المرأة العراقية " التي ستضم كل النائبات في الجمعية الوطنية العراقية فضلا عن النساء اللواتي عرفن بنضالهن من أجل قضية المرأة في العراق عبر انتماؤهن الى منظمات نسوية قاومت الظلم و الاستبداد و الجور الذي تعرضت له المرأة و طالبت بحقوقها سواء في عهد صدام أو العهود التي سبقته . و من الطبيعي أن نحذر من أن تنظم الى هذه الجمعية قياديات من اتحاد نساء العراق الذي كان ذراعا أمنيا لحزب البعث المنحل . و نقترح أن تكون "جمعية المرأة العراقية " هذه بمثابة رديف ديمقراطي يقدم المشورة للجمعية الوطنية العراقية فيما يخص قضايا المرأة و القضايا ذات الطابع الاجتماعي عامة . و لعل ضرورة هذه الجمعية تنبع من حقيقة أن النواب من الرجال سيلتقون و يتحاورون كثيرا ، خارج الجمعية الوطنية و داخلها ، من أجل إنضاج تصوراتهم حول مختلف القضايا المطروحة بينما نتوقع أن يقتصر لقاء النساء من أعضاء الجمعية على الاجتماعات الرسمية للجمعية . و هي اجتماعات نتوقع أن يهيمن على مناقشاتها الرجال من واقع كثرتهم العددية . إن الحرص على مستقبل المرأة في العراق هو في الواقع يساوي الحرص على مستقبل العراق نفسه لسبب بسيط هو أنه لا يوجد بلد تتقدم فيه المرأة و يتخلف المجتمع و لكن توجد بلدان يتقدم فيها الرجل و المجتمع دون أن يكون ثمة تقدم مواز للمرأة . فهل سنحتفل بعيد المرأة في العام القادم و قد تبددت مخاوفنا من تراجع وضع المرأة في العراق !؟ نأمل ذلك .