الفصل الثالث خلف الحجاب - انزلي إلى سوق العمل … ولكن بشروط



سناء المصري
2002 / 11 / 20

الفصل الثالث
انزلي إلى سوق العمل … ولكن بشروط


لم يكن حدثاً فريداً من نوعه حينما وقف الشيخ يوسف البدري أحد نواب التيار الإسلامي – يطالب في مجلس الشعب : (بعدم تعيين الإناث في الوظائف الحكومية من أجل القضاء على ظاهرة البطالة. )
فقد سبق ذلك مواقف كثيرة مشابهة ، وحتى الآن نجد من يطالعنا بين الحين والآخر بفتاوى مصبوغة بصبغة الأحكام المقدسة النهائية عن أن المرأة : ( بعملها تروج البطالة وتسد أبواب رزق أطفال آخرين ...) .
إن الدعاية الإسلامية التي صنعت من قبل أرضية واسعة لدونية النساء الخِلقي والخـُلقي والعقلي ، تدعي أن هؤلاء القاصرات .. الضعيفات هن سبب البطالة وهن اللاتي يسرقن قوت الرجل ويزاحمنه في الحياة العامة ، وتكون النتيجة أزمة المواصلات وازدحام الطريق وتلوث الهواء ومعاناة الأبناء من سوء خدمات الحضانة والتعليم وعدم توافر الرعاية الصحية وانحراف الأولاد والبنات وزعزعة كيان الأسرة ...
صورة مأساوية يرسمونها ويطلقونها في وجه جمهور من صغار الموظفين والتكنوقراط وطلاب الجامعات وصغار التجار والحرفيين الذين يكتوون يومياً بنار الفقر والأسعار المرتفعة ، والجنيهات القليلة التي تطارد حاجياتهم الأساسية فلا تكاد تلحقها ، ولا يجدون في النهاية إلا المزيد من الحرمان .... إنه جمهور مذعور يختنق داخل دائرة الأزمات ، يخاف الغد ولا يعرف أي تهديدات جديدة يحملها له ... يبحث عن حل يداعب أحلام الصعود الفردي لديه وتحقيق بعض المكاسب ... حل لا يصطدم مع التكوين النفسي المحافظ بل يقدم المبرر التنظيري للجمود الفكري ، وليس هناك من يقدم حلولاً تحافظ على الامتيازات المتوهمة وتغازل نزعات حب التملك والفردية سوى الجماعات الإسلامية بطريقتها الديماجوجية التي تقدم للسباب والرجال مفهوما للرجولة يرادف في كثير من الأحيان صفات أنصاف الآلهة الأذكياء ... كاملي العقول في مقابل جهل ونقص عقل النساء وبالتالي المطالبة بأحقيتهم في السيادة .
وليس من الغريب أن تتبنى نساء البرجوازية الصغيرة من الطالبات وصغار الموظفات وربات البيوت تلك الأفكار – على الرغم من كونهن كنساء موضوع الهجوم – لأن هناك بـُعداً آخر تقدمه دعاية الجماعات الإسلامية بين طيات هذا الهجوم وهو الظهور بمظهر الحرص على راحة النساء وتكريمهن بوعد التخلص من المتاعب اليومية وحل كل المشاكل بالإسلام ، فهل تريد تلك الجماعات عودة المرأة العاملة في جميع المجالات إلى البيت عودة قاطعة ونهائية ...؟
واقع الحال يقول إن تلك خلف الدعاية موقفاً آخر، يتضح من تأمل معظم نصوصهم أنهم يفتحون ثغرة في نهاية الحديث يمررون منها تحليل عمل المرأة ، ولكن ليس على إطلاقه ، بل بشروط صارمة تكشف عن نواياهم الحقيقية تجاه نوع الدور الاجتماعي الذي يبغون إسناده للنساء في مجتمعهم …
يرى أحد منظريهم أن ( الضمانة الكبرى لبقاء الأمور على نهجها السوي هي ألا تنزل المرأة إلى ميدان العمل من أجل الرزق إلا في أضيق الظروف والحالات الضرورية. ) .
فماذا تخفي ثغرة " إلا "... هل هي دليل عدم تشددهم ؟! هل هي دليل تسامحهم كما يدعون … ؟
هل هي للرأفة بهؤلاء النسوة المجرمات المتوحشات سارقات قوت الرجال ومشردات الأطفال … ؟ وما هي أنواع العمل الذي يسمحون به ..
وماذا ينتج عنه من تصنيف في الوضع الاجتماعي للمرأة ...؟
ولمصلحة من يكون السماح بأنواع معينة من العمل وتحريم أنواع أخرى … ؟
أسئلة كثيرة لا يجيب عنها سوى القراء المتفحصة لأفكارهم كما عبروا عنها …
والحقيقة أن في حديث الجماعات الإسلامية عن الأزمات التي تواجه المرأة العاملة من حيث سوء الخدمات المقدمة لهن حيث لا دور للحضانة ولا رعاية صحية ولا مواصلات تحافظ على إنسانيتهن وغيرها من المشاكل جوانب كثيرة من الصحة ، فهي أزمات حقيقية تطحن النساء يومياً وتدفعهن إلى درجة قاتلة من اليأس فتتمنى المرأة لو استراحت ولو كان ذلك بترك العمل ولكنها لا تملك حرية الاختبار تحت وطأة سوء أحوالها وأحوال أسرتها الاقتصادية فتواصل المسيرة بمزيد من السخط المتراكم ...
وصحيح أن هناك معدلات بطالة عالية يعاني منها المجتمع – كما ترصد دعاية الجماعات ويكرر شيوخها في كل مكان – وكما تحس جماهير الشباب والشابات ...
ولكن هل خروج المرأة إلى العمل هو الذي خلق حالة البطالة ...؟ أم أن آليات النظام الرأسمالي الذي نزلت المرأة إلى سوقه هي المسئولة عن البطالة وعن غيرها من الأزمات كارتفاع الأسعار والتضخم والركود … ؟
وهل تتصور أيديولوجيا تلك الجماعات أنه من يمكن القضاء على النتيجة دون القضاء على السبب … ؟
إن طريقة عرضهم للقضية تعمد دائماً إلى طمس الإجابة على السؤال الأساسي :
وهو من الذي صنع البطالة ...؟
من الذي يراكم تلالاً من الثروات تختمها له الجماعات الإسلامية بخاتم الرزق الحلال … بينما الجماهير التي يدعون الدفاع عنها تعاني الفقر والجوع … ؟
من الذي جمع مدخرات متوسطي الحال من الرجال والنساء واحتكر السوق وتلاعب بالأقوات تحت الشعارات الإسلامية الرنانة … ؟
إن إلقاء كل أوزار المجتمع الصناعي الحديث على كتفي المرأة العاملة لا يحل أياً من المشكلات … بل يعطي الفرصة كاملة لصانعي بؤس الجماهير من الرأسماليين للتخلص من مشاكلهم وتجديد نشاطهم وتوسيعه حينما يغض المجتمع نظره عنهم ، ويصرف غضبه إلى إشعال النار بين الرجال والنساء الذين هم في الحقيقة موضوع الاستغلال …
وربما يكشف الحوار التالي المأزق الذي تقع فيه دعاية الجماعات الإسلامية ، حينما ترمي كل تبعات الأزمة على أكتاف النساء فيظهر تناقضهم الفكري واضحاً ...
يقول الشيخ الشعراوي : ( هي في الواقع لم تخفف من شقائه ، فهو ما زال في تعبه والحقيقة أنه ما زال شقياً ، وازدادت هي شقاء ، فهو لم يأخذ نصف عمل في الخارج فما زال يعمل عمله ، وإذا تعللت بمشاركة الزوج في عمله لتزيد الدخل لمستوى حياة أكبر ، فليس المفروض في الإنسان الذي له قيم سماوية أن يفرض مستوى الحياة أولاً – التأكيد هنا بالبنط العريض – وبعد ذلك يحمل الدخول عليه .
لا ... المفروض أنه على قدر دخله يحدد مستوى الحياة ، والذي يتعب الناس هو أنهم يحددون أولاً مستوى الحياة ( تأكيد مرة أخرى ) ثم إذا لم يكف الدخل يبدأوا في عمل الأشياء الأخرى ، فقد ينحرفون أو يرتشون ، فالمستوى لا يحدد إلا على أساس الدخل وحينما يسأله المحاور : - " في أغلب البلاد العربية والإسلامية لا يستطيع الرجل أن يحدد المستوى طبقاً للدخل لأن الدخل أصلاً ليس متناسباً مع الطاقة، فيمكن أن يشتغل فرد أشغالاً شاقة ولا يدخل إليه العائد الذي يتناسب مع جهده. " فيجيب عليه الشيخ الشعراوي إجابة سريعة وعامة : - " هذا فساد في نظام الحكم " . )
والشيخ الشعراوي يعرف أن عمل الرجل لم ينقص من حيث الكم فهو لم يأخذ نصف عمل ، وأن المرأة أيضاً تعمل ، ولم تأخذ نصف عمل ، وأن عائد عمل الرجل لا يكفي دخل الأسرة ، وأن إضافة عمل المرأة لا تكاد تغطي الاحتياجات الأساسية.
وبرغم كل ذلك فلم يلفت نظره سؤال : -
إذن أين تذهب عوائد عملهما معاً ؟ وهو يلجأ إلى صيغة تبرر استغلال عمل الرجل والمرأة معاً بقوله : -
" إنه ليس من المفروض في الإنسان الذي له قيم سماوية أن يفرض مستوى الحياة أولا "
إذن ما هو المفروض عليه أيها الشيخ : -
أن يرضى بالعيش تحت خط الفقر بينما الرأسماليون يحققون المزيد والمزيد من تراكم الثروة ...؟
أن يبذل المزيد من العمل حتى يذهب عائد عمله إلى الرأسمالي الذي يحقق نموه باستغلال عمل الرجال والنساء … ؟
وحينما يفرض السؤال نفسه على المحاور ، فإن الشيخ الشعراوي الذي يفيض في كيل الهجوم للنساء ، ويتهمهن بأنهن سبب البطالة والفقر وشقاء الرجال ، فإنه يجيب إجابة عامة حول فساد الحكم ، فلماذا هو فاسد .. لا يجيب الشيخ ، لا لأنه لا يعرف بل لأنه …
 
*****
والأدهى من ذلك أن الجماعات الإسلامية لا تصرخ في وجه النساء بأنهن مسببات البطالة وسارقات القوت من الرجال فقط ، بل هي تحاول إقناع المرأة التي لا تزال حديثة الخروج إلى العمل بأنها فاشلة ، لا تستطيع أن تفعل شيئاً ، حتى تفقد الثقة في قدراتها وترضى بأي وضع يختارونه لها.
فهذا أبو الأعلى المودودي يقول : -
( وحديثاً قد ثبت لدى الدوائر الرسمية والمؤسسات التجارية في مصر أن النساء الشاغلات لمختلف مناصبها – ويبلغ مجموع عددهن 110 آلاف امرأة ، أثبتت أغلبيتهن عدم جدارتهن لما قمن به من الأعمال ، وليست قدرتهن على العمل أكثر من 55 % بالنسبة لقدرة الرجال .
ومما قد اشتكته معظم المؤسسات التجارية في مصر أن السر عند النساء كالماء في الغربال . وكل ما يحصل في بلاد الغرب من حوادث الجاسوسية لا يكون معظمها إلا على أيدي النساء أو عن طريقهن.) ( أبو الأعلى المودودي – الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة ص264)
وإلى جانب ما يحتويه هذا الكلام من عدم موضوعية تصل إلى حد الوقاحة ، لحصر الجاسوسية في النساء أو طريقهن وتعميم ذلك ، مما يندرج تحت الدعاية الرخيصة ، التي يلجأ إليها دعاتهم في محاولة لتزييف الحقيقة، فإن " المودودي " لا يقول لنا من أين حصل على مثل هذه الإحصائية لعدد النساء العاملات ، وقدرتهن على العمل بالنسبة للرجل ، فإحصائية من هذا النوع أو قياس تقريبي من هذا النوع ، لايرد إلا في إطار رفض عمل النساء ... لا الإقبال على تشغيلهن كما كان يحدث في الفترات السابقة من تاريخ مصر ، الذي يفترض أنه نفس زمن كتابته للادعاء السابق ، حيث توفى المودودي قبل صعود الجماعات الإسلامية في مصر في السبعينيات وما صحب ذلك من حملة دعائية مكثفة قاموا بها ضد النساء ، لقد كتب المودودي نصه السابق في فترة كانت المرأة المصرية لا تزال تناضل من أجل الخروج إلى العمل ، وبذل مجهود كبير في إطار الإبداع وإثبات الذات ، وربما تلك الأخبار لم تصل المودودي في باكستان بسبب صعوبة المواصلات ، أو أنه أراد أن يستغل جهد أهل باكستان بشئون مصر البعيدة فأفاض في الحديث عنها ... أما أن تعيد الجماعات الإسلامية طباعة مثل هذا الكلام لنا في مصر ، فهو شيء يدعو إلى الرثاء ...!!!
ثم إن المودودي لم يوضح ما هي أنواع العمل التي يشغلها هؤلاء النسوة ، أهي أعمال قيادية وهو ما لم يتحقق في مصر حتى الآن بمثل هذا العدد الكبير ... أم أنها أعمال مادية وصغيرة مما لا يدفع المسئولين إلى مثل هذا الصراخ الرسمي الذي يتردد في باكستان ولا يتردد في مصر ...؟
وهل هؤلاء النساء موظفات أم عاملات أم غيره … ؟ إن إغفال المودودي لذكر مصدره ، والطريقة الديماجوجية التي استخدمها تجعلنا نشك جملة وتفصيلاً في الحديث.
وخصوصاً أن الباحثين في قضية عمل المرأة لم يسمعوا عن تلك الإحصائية ، وإلا لأقدموا على استخدامها في أبحاثهم التي كثيراً ما تشكو من نقص المسح الميداني ، وفي الحقيقة أنه إذا قام جهاز أو جماعة أو فرد بمثل هذا الإحصاء المقارن بين قدرات النساء وقدرات الرجال ، فإنه سيكتشف أبعاداً أخرى للموضوع يلمسها أي ملاحظ للوضع : -
1ـ لا يمكن وضع كل أنواع العمل سواء كانت تخص الرجال أو النساء في سلة واحدة ... وأن عملاً كهذا لا يعمد إليه إلا من يضع هدفاً مسبقاً لإصدار حكم تعسفي على طريقة دعاية الجماعات الإسلامية.
2ـ " تشير الإحصائيات إلى أن عدد النساء العاملات في مصر قد قارب حالياً المليونين ، وهن يمثلن 15% من إجمالي القوى العاملة في القطاعين العام والخاص ، وأن العدد في ازدياد مستمر وبمعدل يصل إلى حوالي عشرين ألف عاملة سنوياً ، وبلغ عدد شاغلات الوظائف العليا ( وكيل أول ، وكيل وزارة ، ومدير عام ) عام 1981م بالكادر الحكومي والقطاع العام 172 سيدة ...
وبلغ عدد السيدات اللائي يشغلن مناصب أعضاء هيئة التدريس ومعاونيها بالجامعات عام 1983 / 1984م منصب ( أستاذ – وأستاذ مساعد – ومدرس ) 2227 سيدة بنسبة 20.5% .
( منصب معيد - ومدرس مساعد ) 4724 سيدة بنسبة 30.4% " ( إقبال بركة – تأثير الفكر العربي المعاصر على حركة المرأة، بحث مقدم إلى المؤتمر الأول لجمعية تضامن المرأة العربية.)
وتلاحظ محيا زيتون في بحث " نحو أساس موضوعي لتقييم دور المرأة العربية في النشاط الاقتصادي " أن : -
( نسبة مساهمة النساء (ربما فيهن العواطل ) في النشاط الاقتصادي منخفضة أصلاً انخفاضاً كبيراً ، وإذا كانت نسبة العواطل في قوة العمل مرتفعة إلى هذه الدرجة فيؤكد هذا ، المكانة المتدهورة للمرأة في النشاط الاقتصادي.
فجملة نصيب المرأة من قوة العمل بالنسبة لعدد العاملين في كافة القطاعات 7.4% في حين أن المعدل العالمي هو 48%.
ثانياً : إن نوع العمل الذي تشغله النساء يتركز في ثلاث قطاعات رئيسية هي الزراعة والمهن والخدمات ، وإذا أخذنا قطاع المهن مثلاً لنعرف المكانة التي تحتلها عمل المرأة فيه فعلياً فسنجد أن 62.2% من المدرسات يعملن بالمدارس الابتدائية مقابل 42.6% من المدرسين ، 29.9% بالمائة من المدرسات في المرحلة الإعدادية والثانوية مقابل 46.4% من المدرسين :
" إن الرجال يمثلون 94.8% بالمائة من المهندسين بينما يمثل النساء 5.2 بالمائة فقط. ) -  ( محيا زيتون – نحو أساس موضوعي لتقييم دور المرأة في النشاط الاقتصادي – بحث مقدم إلى مؤتمر جمعية تضامن المرأة العربية.)
وهكذا كلما ارتفعت المهنة واحتلت مكانة أعلى في السلم الاجتماعي فسنجد أن الرجال هم الذين يسيطرون عليها ، أما النساء فإما أنهن يشغلن نسبة ضئيلة جداً ولا تكاد تمثل شيئاً بالمقارنة مع زملاء العمل من الرجال ... وإما أنهن لا يتواجدون أصلاً في تلك المهنة ...
" ويمكن القول أن الانخفاض الشديد في أجر المرأة بالمقارنة بالرجل قد يرجع أساساً إلى تركز النساء في الوظائف الدنيا داخل المهن المذكورة ... ففي الطب مثلاً حيث أجر المرأة يبلغ 20 بالمائة من أجر الرجل – يرجع التباين إلى أن النساء يمثلن أغلبية في مهنة التمريض ذات الأجر المنخفض ، بينما الرجال يمثلون أغلبية في الطب. "
لهذا فالتفاوت الشديد يعكس موقع الغالبية من النساء في الوظائف الدنيا من جهة ، وأيضاً الهيكل الوظيفي الهرمي البالغ التدرج والذي يقابله هيكل مماثل للأجور .
وإذا كانت النساء تشغلن تلك النسبة الضئيلة من قوة العمل ، ويتركزن في أدنى درجات السلم الاجتماعي ويقل عدد المشتغلات كلما تدرجنا إلى أعلى ...
فلماذا تعمم دعاية الجماعات الإسلامية الحديث عن المرأة مسببة البطالة ...؟
في نفس الوقت الذي تقنن فيه أدبياتهم لتركيز قوة عمل النساء في أدنى درجات السلم الاجتماعي ، ومناهضة أية إمكانية لترقي المرأة أو تدرجها في المناصب القيادية : -
" أجمع الفقهاء الأقدمون على أن المرأة لا تتولى الإمامة الكبرى " الخلافة " لقول الرسول : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ، ولأن هذه الوظيفة تتطلب الاختلاط بالرجال والخلوة معهم ومفاوضتهم وهذا محرم شرعاً ولأسباب تتعلق بتكوين المرأة نفسياً وجسدياً.
وأما ما عدا ذلك من الوظائف فالشأن فيها مختلف بين الفقهاء فمنهم من يرى أن المرأة لا تكون وزيرة مشيرة ، لأن ذلك مدعاة للعجز والفساد ، ومنهم من يرى أن المرأة محظور عليها شرعاً أن تكون قاضية لأن ذلك يتطلب كمال الرأي وهي ناقصة العقل. " ( محمد علي قطب – بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم – ص95)
ويؤكد حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين على هذا المعنى بقوله : -
" فمهمة المرأة زوجها وأولادها .. أما ما يريد دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة فنرد عليهن بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء ، لم يحسنوا أداء هذا الحق ، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين. " ( حسن البنا – حديث الثلاثاء ص370)
والأمر لا يقتصر لديهم على احتكار وظائف الإمامة والوزارة والقضاء وغيرها من الوظائف ذات الشأن الاجتماعي بل إنهم يريدون حرمان النساء من الحقوق السياسية ، وأن تظل المجالس النيابية مقصورة على الرجال فقط .
فلا يحق لامرأة تبعاً لذلك ترشيح نفسها في انتخابات مجلس الشعب أو انتخابات المحليات أو حتى في الانتخابات النقابية .. وإذا كان " البنا " في النص السابق يحرم على النساء الاشتغال بالمحاماة ويسمي أنصارها بأصحاب الهوى ... فما بالنا بموقفهم من وجود المرأة في المجالس النيابية ومختلف روافد الحياة السياسية ؟
لقد خاض الإخوان المسلمون تجربة الانتخابات البرلمانية " مجلس الشعب " لدورتي 1984 ، 1987. بالتحالف مع حزب الوفد في المرة الأولى ، ومع حزبي العمل والأحرار في المرة الثانية . وفي كلتا المرتين لم يقدم الإخوان وجها نسائياً واحداً .. حيث كان جميع مرشحيهم من الرجال .. وليس هذا صدفة أو دون قصد فموقف " حسن البنا " في النص السابق واضح ، ومواقف جميع كتاب الجماعات الإسلامية تؤكد على أن مجلس الشورى والحكم هي للرجال فقط …
وإذا كانت قائمة حزب الوفد قد ضمت وجوها نسائية في دورة 1984 فهي وجوه وفدية .. أما قائمة التحالف في انتخابات عام 1987 فلم تضم سوى سيدة واحدة هي عزيزة محمد علي سند " أمينة المرأة بحزب العمل لمحافظة الجيزة " ومن الملاحظ أنه برغم وضعها القيادي بالحزب ، وبرغم أنها المرأة الوحيدة في القائمة إلا أن الجريدة الشعب تجنبت إبراز أي نوع من الدعاية لها ، فلم تهتم بتقديمها لجمهور القراء وتعريفهم بنشاطها وأفكارها – إذا كان لها نشاط – حتى لا تغضب حلفاء الحزب من الإخوان المسلمين ، ولزمت هذه السيدة الصمت أو فرض عليها في المؤتمرات الجماهيرية التي انعقدت بالدائرة ...
ويردد البعض أن المستشار مأمون الهضيبي رأس قائمة التحالف والعضو البارز بمكتب الإرشاد للإخوان المسلمين ، قد رفض جلوسها بجواره إلى المنصة في أحد المؤتمرات ، وحاولت جريدة الشعب احتواء الموقف بنشرها تكذيب للخبر : " في المؤتمر الذي عقده مرشحو الحزب في أم المصريين في الأسبوع الماضي نفت هذا الادعاء وأعلنت أنه محض افتراء وكذب وقالت إنها لأول مرة تتقابل معه وهو ما يدل على الفبركة غير المحبوكة لصحيفة " مايو " . "
ولم تنشر الجريدة في الرد صورة للمنصة أثناء المؤتمر ... بل نشرت صورة المأمون الهضيبي وهو يسلم على السيدة ، ويتضح أنه قد تم تصويرها بعد المؤتمر في محاولة لنفي ما تناقلته الصحف ودفع الحرج الذي يمكن أن يترتب على ذلك أثناء الحملة الانتخابية .
ذلك أن الهضيبي يعلم – كما يعلم إخوانه المسلمون – أنهم يدخلون مجلس الشعب بأصوات النساء والرجال معاً ..
وأنهم إذا كانوا يهاجمون منح المرأة حق الاقتراع ويشهرون بنضالها وتاريخها من أجل الحصول على هذا الحق وغيره ، فإنهم أول من يبادر إلى استغلاله الآن ، بل واستجدائه أيضا بالتوجه إلى الأخت الناخبة ... صورة معقدة من النفاق والتعالي عليها والاستغلال لها في وقت واحد ...!!!
وتكرر الأمر أثناء عدة انتخابات نقابية : -
نقابة المهندسين والأطباء والمحامين وغيرها من النقابات التي نزل فيها الإخوان المسلمون بقائمة يطلقون عليه القائمة الإسلامية وتحمل شعار " الإسلام هو الحل " وكانت جميعا تخلو من أي وجه نسائي.
في نفس الوقت الذي يناشدون عضوات هذه النقابات بانتخابهم ...!!!
وتمنح النساء الفرصة لمن يبغي القضاء عليهن ، وتحجيم وضعهن ودفعهن إلى الهوامش ، دون وعي منهن لحقيقة المضير الذي ينتظرهن على أيدي هؤلاء القادمين تحت شعار " الإسلام هو الحل " .
وبينما تغط الأحزاب والقوى السياسية الأخرى في نوم عميق ولا تفطن إلى خطورة ما يحدث في تلك اللعبة الانتخابية المتكررة في المواقع السياسية والنيابية المختلفة .. حيث تساهم تلك القوى في صعود عدوها ... تقطف الجماعات الإسلامية ثمار هذه المعارك موقعاً إثر آخر ... وبصوت المرأة الذي تختار به هذه الجماعات وتقول نعم لوجودهم ... فإنها في الحقيقة تقول نعم لتهميش وضعها داخل هذا الموقع السياسي تمهيداً لطردها منه ... تقول نعم لإلغاء كل حقوقها السياسية والاجتماعية ... تقول نعم لاضطهادها ...
نعم لتحويلها إلى الأعمال الدنيا في السلم الاجتماعي ... ذلك أن كل المعركة المفتعلة ضد القوانين الحديثة والضجيج المثار حول خروجها للعمل هو من أجل سحب حقوقها السياسية والاجتماعية وإلغاء كل المكاسب التي حصلت عليها بنضالها السابق ، والتي أصبحت تشكل عبئاً على المجتمع في أزمته الحالية ...
ومن الطريف أن يسأل شخص إحدى الصحف الإسلامية عن حكم انتخاب المرأة ...
وأجاب عليه أحد الشيوخ بمقدمة إنشائية طويلة تعني نتيجتها أن انتخاب المرأة لا يصح في الإسلام : -
" عنى الإسلام أتم عناية بإعداد المرأة الصالحة للمساهمة مع الرجل في بناء المجتمع على أساس من الدين والفضيلة والخلق القويم . وفي حدود الخصائص الطبيعية لكل من الجنسين ، فرفع شأنها وكون شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها كالرجل طلب العلم والمعرفة . ثم ناط بها من شئون الحياة ما تهيئه لها طبيعة الأنوثة وما تحسه ..
حتى إذا نهضت بأعبائها كانت زوجة صالحة وأماً مربية وربة منزل مدبرة ، وكانت دعامة قوية في بناء الأسرة والمجتمع .
وكان من رعاية الإسلام لها حق الرعاية أن أحاط عزتها وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة . وحمى أنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان . وباعد بينها وبين مظان الريب وبواعث الافتتان ، فحرم على الرجل الأجنبي الخلوة بها والنظرة العارمة إليها .
وحرم عليها أن تبدى زينتها إلا ما ظهر منها وأن تخالط الرجال في مجامعهم وأن تتشبه بهم فيما هو من خواص شئونهم وأعفاها من وجوب صلاة الجمعة والعيدين مع ما عرف عن الشارع من شديد الحرص على اجتماع المسلمين وتواصلهم وأعفاها في الحج من التجرد للإحرام ، ومنعها الإسلام من الآذان العام وإمامة الرجال للصلاة والإمامة العامة للمسلمين وولاية القضاء بين الناس ، وأثم من يوليها ، بل حكم ببطلان قضائها على ما ذهب إليه جمهور الأئمة ، ومنع المرأة من ولاية الحروب وقيادة الجيوش ، ولم يبح لها من معونة الجيش إلا ما يتفق وحرمة أنوثتها .
وأن المرأة لم تول ولاية من الولايات الإسلامية في عهدة – يقصد النبي – ولا في عهد الخلفاء الراشدين ، ولا في عهود من بعدهم من الملوك والأمراء ، ولا حضرت مجالس تشاوره مع أصحابه المهاجرين والأنصار . ذلك شأن المرأة في الإسلام ومبلغ تحصينها بالوسائل الواقية . " ( اللواء الإسلامي العدد 295 الخميس 17 /9 /87 السنة السادسة ص9 )
ومعنى كلام الشيخ بوضوح شديد أن لا يحق للمرأة أن ترشح نفسها في انتخابات عامة ، ولا يحق لها أن تمثل في أي من المجالس النيابية …
ويذكرنا هذا الحديث بما أصاب المرأة الإيرانية بعد الثورة الخومينية عام 1978م حيث تذكر الكاتبة فرح إزاري أنه في بداية الأحداث " دخلت المرأة مجال الكفاح المسلح فشاركت بأعداد كبيرة في الانتفاضة ، سواء كقوات مساندة أو في توفير الطعام والدواء أو كمحاربة وراء المتاريس من خلال منظمي فدائيي ومجاهدي الشعب . "
لكن بعد ذلك بدأت مواجهات الخومينيين مع النساء سافرة : -
" في مجال المهن القانونية بدأ رجال الدين ، الذين تم تعيينهم في مناصب بارزة في وزارة العدل في شن حملة ضد ممارسة النساء لأعمال القضاء ، وفرضوا إلغاء برامج التدريب لخريجات كليات الحقوق ، ورداً على ذلك تشكلت جمعية النساء المحميات لتقوم بحملة احتجاجية ضد تلك الضغوط وقد تبين نوايا السلفيين في العمل على تصفية وجود المرأة في كل نواحي العمل القانوني .
وكان اتحاد المحميات من أبرز المنظمات النسائية المهنية ، وقام بتنظيم العديد من الاعتصامات والأعمال الإحتجاجية الجماهيرية كما كان يتمتع بتأييد القوى الديمقراطية واليسارية . ولكن ما لبثت أن تحولت قضية المرأة المحامية إلى مجرد قضية جزئية صغيرة وذلك في ظل الحملة اللاحقة التي استهدفت تصفية المؤسسة القضائية المدنية برمتها .
وبالتالي ضاع كفاح المحاميات في وسط دمار مهنة المحاماة ذاتها. "
وحجة الإسلاميين التي يحاولون إقناعها بها أن المرأة لا تعمل بالمحاماة والعمل السياسي بسبب ضعفها العقلي والنفسي ، هي حجة مردودة بنتائج العلم الحديث التي تثبت أنه لا خصائص طبيعية لعقل الرجل أو عقل المرأة يمكن أن يولد بها الإنسان ولكن نسق القيم السائد في المجتمع هو الذي يشكل الخصائص المميزة لكلا الجنسين .
وكم من نساء تولين أمر القيادة وأثبتن صلاحيتهن ليس في التاريخ الحديث فقط ، بل وفي تاريخهم أيضاً سنجد نموذج زينب الغزالي التي تلقت " أول رسالة من الإمام الشهيد تكليفاً بالوساطة بين النحاس والإخوان ، وكان رفعة مصطفى باشا النحاس خارج الحكم حينذاك وحدد النحاس المرحوم أمين خليل للقيام بإزالة سوء التفاهم ورضى به الإمام الشهيد وكنت أنا حلقة الاتصال... " ( زينب الغزالي – أيام من حياتي )
ثم تعلق على ذلك قائلة : - 
" ما يربطني بمصطفى النحاس هو الصداقة الشخصية " .
فكيف يكلفها البنا بلقاء صديقها النحاس لتصفية خلاف سياسي وهو الذي يحرم الاختلاط بالرجال والخلوة معهم ومفاوضتهم حتى أن أحد اتباعه يؤكد أن هذا محرم شرعاً ولأسباب تتعلق بتكوين المرأة نفسياً وجسدياً.
فهل كانت زينب الغزالي التي تزور اللواء محمد نجيب بصحبة الأمير عبد الله الفيصل قبل الانقلاب بأيام ، والتي تزور الشيخ محمد الأودن أحد شيوخ الأزهر وتسمح له بأن يقبل رأسها وتلتقي منفردة مع عبد الفتاح إسماعيل – أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين – في غرفتها بالباخرة ثم تلتقي به خلف مبنى زمزم بمكة ، وكان كثير التردد على منزلها ...
فهل كانت زينب الغزالي في كل ذلك خارجة على تعاليم الإسلام ؟ أم أنها من جنس غير جنس النساء الذي يصفونه بنقص العقل … ؟
إنني لا أذكر ذلك تعريضاً بزينب الغزالي وسلوكها الشخصي لأني أفهم أن المرأة كاملة الأهلية وقادرة على أن تكون مفاوضة سياسية ناجحة ومناضلة وقائدة قوية ، بحكم ما تملك من قدرات إنسانية مساوية للرجل …
ولكني أذكر ذلك فقط في مقابل تحريم الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين خصوصاً ، لاختلاط النساء بالرجال ... وإشراكهن في الحياة العامة .
فإما أن تكون دعايتهم المعلنة تختلف عن السلوك فيقولون ما لا يفعلون ، وإما أن تكون أفعال زينب الغزالي مجرمة لديهم ، وهو ما لم نسمع عنه ، فهم يقدمونها دائماً على أنها نموذج الأخت المسلمة .
ونعود إلى النصوص السابقة التي تتحدث عن اشتغال المرأة بالعمل خارج البيت ، فنلاحظ أن القاعدة الصلبة التي يحاول الدعاة الإسلاميون التأكيد عليها هي تحريم عمل النساء وأن " البيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أراد الله تعالى – غير مشوهة ولا منحرفة... "
تلك القاعدة الصلبة ليست هي النهاية، ذلك أن كل النصوص بعد تجريمها لعمل المرأة تفتح ثغرة واضحة تشير إلى إمكانية عمل النساء مع إحاطة تلك الثغرة بشروط ، فسيد قطب يقول : " إن خروج المرأة لتعمل كارثة قد تتيحها الضرورة " . ( سيد قطب – السلام العالمي والإسلام ص54 )
" لا تنزل المرأة إلى ميدان العمل من أجل الرزق إلا في أضيق الظروف والحالات الضرورية . " ( د. محمد البوطي – إلى كل فتاة تؤمن بالله ) وحسن البنا يحرم عليها " حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة " والفقهاء يجمعون على عدم توليها المناصب الهامة .
وقد يهلل بعض الإصلاحيين ويتخذ من تلك النصوص دليلاً على تسامح أيديولوجيا الجماعات الإسلامية وأنها لم تسد الطريق تماماً أمام عمل النساء ونحن نقول لهم : -
نعم أنهم يسمحون بعمل المرأة ، حتى هؤلاء المتشددين من أمثال أبو الأعلى المودودي وابن تيمية ، وحتى لدى أكثر الجماعات تشدداً من فريق الجهاد وغيره ...
نعم يسمحون بعمل المرأة ولكن بعد ماذا ... ؟
ـ بعد تجريدها من الحقوق السياسية كحق الانتخاب والترشيح وحقوق الترقي حتى المناصب القيادية .
ـ وبعد تجريدها من الأسلحة التي يمكن أن تدافع بها عن شروط أفضل للعمل كحق الإضراب والتظاهر، فإذا كانوا يحظرون تلك الحقوق على الرجال فما بال موقف النساء إذن ... ؟
إنهم يصفون النساء المشتركات في أي تظاهر أو إضراب بالسافرات الفاجرات كما رأينا من قبل .
ـ ثم يسمحون بعمل المرأة بعد تحديد وظائف بعينها للنساء ، كطب النساء والتمريض والتدريس والحياكة والتطريز ، ولا يخفي على أحد أن تلك الأعمال ذات طابع خدمي وهي تصنف في أدنى السلم الاجتماعي للبرجوازية ، فإذا كانت تتطلب قدراً من التعليم فهو تعليم نوعي يختلف عن نوع التعليم الذي يتلقاه السادة الرجال ...
ولذلك نجد أن حسن البنا يطالب بـ " إعادة النظر في مناهج تعليم البنات ووجوب التفريق بينها وبين مناهج تعليم الصبيان في كثير من مراحل التعليم . "
ونوع التعليم المفضل هو الذي يؤهل بعض النساء لأن يكن خياطات زوجات الزعماء وهوانم الإسلاميين . ولأن يكن طبيبات وممرضات هؤلاء النسوة .
وكان من آخر تقاليع الجماعات الإسلامية إنشاء مستشفى لعلاج المسلمات فقط " محظور دخولها على الرجل الطبيب أو الممرض الرجل ، أو حتى الطبيبة إذا كانت بغير نقاب أو حجاب … "
ويعلن صاحب المستشفى بلا أي خجل أنه إذا كان " بعض الأطباء يعتقدون أن الهدف من الفكرة هو الربح ، أقول لهم إن كان الربح هو الهدف ، فهذا لا يتعارض مع الإسلام . " ( حسن البنا – أصول دعوة الإخوان المسلمين – الرسائل الثلاث – ص120)
وقد ثارت ثائرة الأطباء لما يعني ذلك من التشكيك في مهمتهم كأطباء وفي سلوكهم كبشر ، ولما في ذلك من تهديد لسوق الأطباء ومدى ما يحققونه من ربح في جانب طب النساء …
لكن نقابة الأطباء لم تتحرك ، في ظل مجلس نقابة تسيطر عليه الجماعات الإسلامية ، ويحمي مصالح الجماعات الإسلامية .
وفي المهن الأخرى نلاحظ انتشار ظاهرة تحديد جنس الذكور في إعلانات شغل الوظائف الفنية والمهنية المتخصصة ، ففي السنوات الأخيرة تتصدر معظم إعلانات طلب المحاسبين والمهندسين وغيرها لافتة للذكور فقط ، كما تقتصر البنوك والشركات الإسلامية على تشغيل الذكور في تلك المهن ، وحصر عمل النساء في مهن أخرى كالتدريس والتمريض وغيرها من المهن الخدمية ذات الشأن الاجتماعي الأقل .
وخصوصاً بعد افتتاح مدارس خاصة للبنات لا يشغل وظيفة التدريس فيها سوى المدرسات ... والجماعات الإسلامية تطالب بأن يكون التعليم فيها نوعياً ، فلا حاجة لتعليم البنات الهندسة أو الكيمياء مثلاً .
ومن الظريف أن إيران قد طبقت بعد الثورة الخومينية هذا النظام فكانت نتيجته ...
" منع المدرسين من التدريس بمدارس البنات ، تركت مواد كثيرة في تلك المدارس ـ كالرياضة والعلوم ـ وفي مجال التعليم العالي ، وبعد أن منعت المرأة من دراسة الحقوق وانتشر الحديث أيضاً عن منعها من دراسة الرياضة والعلوم الهندسية . كما سعى النظام إلى تعديل الكتب الدراسية ليتم تخصيص كتب دراسية مختلفة للفتيات عن تلك التي للصبية ، فيصرح وزير التعليم أن احتياجات التعليم للفتيات تختلف عن الصبية فينبغي زيادة تعليم الحياكة للبنات والإقلال من الرياضة والعلوم والكيمياء ..
وفي المجال القانوني كان لإلغاء قانون حماية الأسرة تأثيره على وضع المرأة تأثيراً بالغاً . كما فرضت على المرأة قوانين أخرى وحشية تسمح للسلطات بتوجيه الاتهامات الجزافية للنساء وتوقيع عقوبات الجلد والرجم والإعدام لأقل الشبهات وكثيراً ما ألصقت المحاكم تهماً تتعلق بالجنس بالنساء المناضلات لتبرير الحكم عليهن بالإعدام .
وهذا ما يريده لنا حسن البنا وباقي الدعاة الإسلاميين ، يريدون حرمان النساء من الحقوق السياسية ، يريدون تعليماً نوعياً يخدم حاجات زوجاتهم وأبنائهم وليس هذا فقط ، بل ـ وهذا هو الأهم ـ يفصح شرط الحاجة الذي يضعونه لعمل المرأة عن هدف استغلال المرأة الفقيرة ـ وهي القاعدة العريضة والمتعاظمة العدد في ظل نظلمهم الطبقي ـ وتحويلها إلى أيد عاملة رخيصة تحت أقسى وأسوأ ظروف للعمل .
يقول إبراهيم النعمة في كتابه العمل والعمال في الفكر الإسلامي :
" ومع ذلك فإن من حق المرأة إذا أرادت العمل أن تعمل ، ولكن في عمل يتناسب مع ظروفها وطبيعتها ، مثل الصناعات ولها أيضاً أن تعمل ، خارج بيتها وإن كانت حاجتها للعمل ماسة خاصة إذا كانت تعين صبية صغاراً ليس لهم من ينفق عليهم . "
فشرط عمل المرأة في الفكر الإسلامي أن تكون امرأة تحت خط الفقر ، لا تملك ما تأكله هي ومن تعول .. لا تملك ما تغطي به جسدها ، لا تملك أن تفكر في شيء سوى الحصول على لقمة العيش ، أو الحد الأدنى من لقمة العيش ... عند هذه الدرجة من الحاجة الماسة التي لا تسمح لها بأن تفكر أو أن تختار شروطاً أفضل للعمل والحياة ... عند هذه الدرجة التي لا تجعلها تشعر حتى بآدميتها ، يمكن فقط أن يسمح الفكر الإسلامي للمرأة أن تنزل ميدان العمل : ذليلة ... ضعيفة ... مذعورة .. تتلفت حول نفسها .. تنظر إلى ثيابها الرثة فتشدها حتى يمكن أن تغطي أعضاءها الموصومة بالحرمة في نظر السادة الإسلاميين .
" فإن كان من واجبها حينئذ أن تراعي هذه الشرائط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن المرأة ومن واجبها أن يكون عملها هذا بقدر ضرورتها ، لا أن يكون هذا نظاماً عاماً ، من حق كل امرأة أن تعمل على أساسه .
والكلام من هذه الناحية أكثر من أن يحاط به ولا سيما في هذا العصر الميكانيكي الذي أصبحت فيه مشكلة البطالة وتعطل الرجال من أعقد مشاكل المجتمعات البشرية في كل شعب وفي كل دولة "
وهكذا تنزل المرأة ميدان العمل نعم ...
ولكن ليس في كل الميادين فليس مسموحاً لها أن تخترق الميادين ذات الشأن الاجتماعي ولكن أن تعمل في المجالات التي تمكن هذا المجتمع الإسلامي الفاضل من تكثيف درجة استغلالها كيد عاملة تقبل سعراً أقل وساعات عمل أكبر وظروفاً أسوأ ...
وسواء كانت الصناعات منزلية كأنواع الحرف في التطريز والحياكة التي تخدم حاجات السيدات المسلمات من الطبقات الأعلى ... واللاتي يخدمن بدورهن قيماً استهلاكية وجنسية ويرضين حاجة السيد الرأسمالي المسلم صاحب الزوجات الأربع ، وربما المئات من الجواري .
كما حدث حينما طلبت " لبيبة أحمد " بتطبيق أفكار الإخوان المسلمين في تشغيل النساء الفقيرات ( بتعليمهن حرفة يكتسبن منها ، على أن تباع منتجاتهم في داخل النادي نفسه – نادي السيدات – للعضوات كالملابس المحاكة أو المطرزة والمربى والمخللات...)
فكل ما تفتق عنه ذهن هؤلاء السادة والسيدات الخيرين جداً هو استغلال فقر النساء الفقيرات ... بتشغيلهن في أعمال خدمية ، تدعي صونهن والمحافظة على أجسادهن بينما هي في الحقيقة تكرس لطحن هذه الأجساد بمزيد من العمل ...
وإذا كانت الحاجة لبيبة قد طلبت في مجلتها بأن ( تؤلف النساء في كل مديرية جمعية نسائية تحصر عدد الأسر الفقيرة في المديرية :  ومحاولة إرشادهن إلى وسيلة لرفع مستواهم الاقتصادي بتدريب إناثها على حرفة كالحياكة أو التطريز أو صنع بعض المأكولات وتسويقها ) 
فأن الرأسمالي الإسلامي سيفتح مصانع خاصة للنساء يحافظ فيها على أجسامهن بطحنها في العمل وتحقيق فائض القيمة وإحداث تراكم رأسمالي سريع ومكثف لصالحه ، هذا في أحسن الظروف فترى من يراقب هذا السيد الرأسمالي داخل مصانعه ، ومن يدري إذا ما كان استنزاف قوة العمل هو الاستنزاف الوحيد أم أنه يتم أيضاً داخل مصنعه الإسلامي استغلال من نوع آخر .
ففضيلته التي تتركز حول مبدأ الفصل بين الرجال والنساء باعتبار أن الاختلاط مبعث المفاسد والمباذل الاجتماعية ( يرى الإسلام في الاختلاط بين الرجل والمرأة خطراً محققاً ) لا تتناقض بداخله مع مبدأ امتلاكه لرأس المال .. وتكوين المصانع وإعطائها أقل أجر ممكن .
ثم وفي نفس الوقت الضرب بيد من حديد على أية محاولة للمطالبة بالحقوق ... لأن السيد الإسلامي يحرم حق الإضراب وحق التظاهر وحق دخول النقابات والاشتراك في الانتخابات وانتزاع الحقوق السياسية من النساء .
إن من بين مئات الكتب التي طبعتها الجماعات الإسلامية لتدين المرأة المعاصرة وتنادي بعدم اختلاطها بالرجال من بين آلاف الخطب التي يلقيها دعاتهم لتؤكد على حق الرجل كسيد قوام – ومن باب أولى الرجل الغني في المجتمع الإسلامي – لا حديث عن وسيلة واحدة تدافع بها المرأة الفقيرة التي سمحوا لها النزول إلى سوق العمل وإلى بيع قوة عملها – مصورين لها ذلك على أنه مطلق السماحة والعدل – لا حديث عن وسيلة واحدة تدافع بها عن حقوقها ضد الاستغلال المكثف . ذلك لأنها وبمقتضى تلك القوانين الإسلامية يجب أن توضع بين فكي الرحى لتعتصر مرة لأنها امرأة ، وأخرى لكونها امرأة عاملة .
إنهم لا يعيبون الاستغلال الرأسمالي للإنسان ، ولكن كل ما يلاحظونه هو ضرورة حصول الرجل في هذا المجتمع الرأسمالي على المزيد من المكاسب فهذا محمد علي قطب يقول في كتابه بيعة النساء للنبي :
" ومع ظهور الآلة في عصر الصناعة والبخار ونشوء المراكز الصناعية ( في أوروبا حيث ظهرت ) وجد العيد من العاملين والعاملات الذين نزحوا من الريف أو المدن الصغيرة طلباً للكسب الكثير وخلفوا وراءهم عائلاتهم وأسرهم . وتم الاختلاط ( المنظم ) وشب في الأعماق الجنسين مارد الغريزة والاتصال المحرم وتم في غفلة من وعي الجبروت الكنسي كسر القيود وتحطيم السدود والانجراف في إعصار الرذيلة . فلو أن التعدد كان ميسورا والطلاق لم يكن علاجاً محظوراً ما حدث ذلك ... "  ( محمد علي قطب – بيعة النساء للنبي – ص80)
فالكاتب الإسلامي الشهير يغض الطرف عن عيوب النظام الرأسمالي نفسه ... فهو لا يرى شبح الجوع والموت الذي يهدد هؤلاء الناس ويدفعهم إلى بيع عملهم ليشتروا بثمنها خبزاً أسود يقيم حياتها بالكاد ... ويؤجل الموت لبعض الوقت ...
ويغض الطرف عمن يستفيد من هذا الوضع من الرأسماليين الذين حققوا تراكمهم الثروي عبر بؤس وشقاء هؤلاء العاملين والعاملات الذين يصورهم كاتبنا الإسلامي على أنهم بشر طامعون في الكسب والجنس ، فيقدم الصورة وكأن جيوش العاملين والعاملات كانوا في بحبوحة من العيش والتحقق الاجتماعي قبل نزوحهم من الريف والمدن الصغيرة إلى المدن الصناعية ، وأن السيد الرأسمالي الطيب القلب قد هيأ لهم داخل مصانعه وسائل الاتصال الجنسي ( لاحظ استخدامه لكلمة المنظم ) وكان العمال لم يكونوا يذهبون للعمل طوال الاثنتى عشرة ساعة من أجل الحصول على قروش قليلة تشتري الخبز الأسود ، ولكن يذهبون للنزهة وممارسة الجنس ، إنه لا يرى إلا مارد الغريزة وغفلة الكنيسة ، وهو حزين لأن الجبروت الكنسي كان غائباً ، أو غير كاف لسحق عظام هؤلاء العمال والعاملات المختلطين … !!!
وينسى أن الكنيسة لعبت دورها في قمع حركات التنوير والتطور، وينسى تاريخها كمعقل من معاقل الدفاع عن النظام الإقطاعي وعبودية الفلاحين وأقنان الأرض ، ثم دورها كحليف قوي للنظام الرأسمالي الذي كانت تحاربه في البداية ولكنها الآن تؤيده بكل ما تملك من قوة ضد محاولات العمال انتزاع حقوقهم .
وهذا الكاتب الإسلامي لا يرى أن رجال ونساء بلاده أصبحوا أيضاً أيدي عاملة في السوق الرأسمالية الكبيرة ، ولكنه يرى فقط أن المجتمع الإسلامي فقد حل تلك المشكلة بتعدد الزوجات وإباحة الطلاق ، فياله من حل عبقري ينصح الكاتب الغرب باللجوء إليه ليحل جميع مشاكله ... ولكن هذا الحل سيكون في صالح من : -
ـ الرأسمالي صاحب المصنع ، وصاحب الإمكانيات التي تتيح له ، تعدد الزواج واستخدام شتى أنواع المتع وسبلها .
ـ أم العامل النازح من قريته أو من شقوق قاع المدينة بحثاً عن عمل مأجور يغطي به أدنى حاجاته .
ـ أم سيكون لصالح العاملة المضطرة تحت إلحاح الفقر إلى بيع قوة عملها .
صحيح أن مؤسسات الرأسمالي الدينية ستزين للطبقة العاملة مفاهيم مجردة عن الخير والشر ، وتحدثهم باسم الدين عن الفضائل الأخلاقية في الطاعة والرضا بالقليل وتبشرهم بأن خلف عالمهم الدنيوي بكل ما يحمل من استغلال لهم ، سوف يجدون عالماً آخر ينالون فيه ما يشتهون إذا ما صبروا حتى الموت .
وتحت ضغط الفقر والقهر ربما يصدق العمال ويتحملون أقصى درجات المهانة الجسدية والمعنوية ، وربما تستشري بعض الأمراض الاجتماعية فنجد داخل صفوف الطبقة العاملة من الرجال من يرتد على زوجته بالقمع والاستغلال الجسدي ، وسوف نجد بين صفوف العاملات من ترتد على زوجها بالتحايل لاسترداد الحقوق ودفع الاستغلال بالأساليب الضعيفة والملتوية ... وسوف نجد حالات لتعدد الزواج وحالات كثيرة الطلاق ... ولكن تبقى في النهاية مشاكل تلك الطبقة المستنزفة لا يحلها منع الاختلاط أو تعدد الزوجات وإباحة الطلاق ... وتبقى في النهاية فروق جوهرية بين أخلاق الرأسمالي في ثوبه الإسلامي الجديد ، وأخلاق الطبقة العاملة برجالها ونسائها .
فالرأسمالي ينظر لكل شيء بمعايير السوق ، ولا يفكر إلا في حسابات الربح والخسارة لإشباع نهمه إلى التملك والصعود على أجساد هؤلاء العمال بتشغيلهم أكبر عدد ممكن من الساعات بأجر أقل ، وحرمانهم من أسلحة التضامن والتظاهر .
إنه يعلم أن شروط وجوده كرأسمالي وشروط تراكم الثروة في خزائنه لا يتحقق إلا على حساب استنزاف الطبقة العاملة برجالها ونسائها ، ولا تفريق هنا بين الرجال والنساء إلا بمقدار ما تسمح به الظروف من استغلال أكبر وهو غالباً ما يكون في حالات النساء .
ومن هنا يكون تغاضى الكتاب الإسلاميين عن الأمراض الهيكلية الموجودة في المجتمع الرأسمالي واقتراح حل سطحي ، أو تجميل أحد الأطراف الضعيفة – وهو طرف النساء – أسباب الأزمة هو دفاع عن النظام الرأسمالي في حد ذاته ، ورغبة في إزالة معوقات تسيره ونجد هذا المنطق التبريري النفعي واضحاً لا لبس فيه ، في تعقيب حسن البنا على نص الحديث :-
" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الفقر فقال عليه الصلاة والسلام تزوج فتزوج .
ثم جاء إليه ثانية يشكو الفقر فقال له تزوج ، فتزوج .
ثم جاء إليه ثالثاً يشكو الفقر فقال له تزوج ، فتزوج .
ثم جاء إليه رابعاً يشكو الفقر فقال له تزوج ، فتزوج الرابعة وكانت تحسن الغزل فعلمت ثلاث النسوة الغزل والنسيج فانفرجت ضائقة الرجل وصار من الأغنياء لأنه أصبح مدير مصنع تعمل فيه زوجاته . "  ( حسن البنا – حديث الثلاثاء ص375)
والنص الإسلامي لا يرى في زوجات هذا الرجل إلا عاملات يمكن أن يستغلهن الزوج في جمع الثروة والانتقال إلى صفوف ميسوري الحال .
وحسن البنا يقدم هذا النموذج بفخر شديد داعياً جماهير الجماعات الإسلامية من الرجال إلى الإقتداء به وما لهم لا يقتضون بنموذج يداعب بداخلهم حلم الثراء ويداعب حلم الراحة على حساب من سيتزوجون من النساء .
وقد يرى البعض في نموذج الحديث السابق أن فكر الجماعات الإسلامية لا يمكن أن يستوعب ما بعد هذا الطابع الحرفي فيما يخص العمالة النسائية – حيث يصير الزوج مديراً لعمل زوجاته الأربع في عملية الإنتاج المنزلي حتى يمكن للرجل هنا أن يختلط بهؤلاء النسوة وتشغيلهن طبقاً للقاعدة الإسلامية التي تحرم الاختلاط بين الأغراب من الجنسين تحريماً قاطعاً .
ولكني أعتقد أن الهيكل العام لأيديولوجيا الجماعات الإسلامية التي تشجع الثراء ولا تضع حدوداً للتراكم الثروي يؤكد العكس .
لأن التراكم الذي سينشأ في ظل مجتمعهم الإسلامي ليس بتراكم اكتنازي يغلق عليه صاحبه صندوقاً عتيقاً ، ولكنه تراكم توظيفي يدفع فيه صاحبه بأمواله إلى السوق دائماً من أجل المزيد من الأرباح ، طالما أن كل أنواع النشاط تغلف بالغلاف الديني المسمى بالرزق الحلال ، وطالما أنها جميعا تنشد الربح الذي يحتل مكانة عالية في أيديولوجيا الجماعات الإسلامية .
وأفق الرأسمالي الذي يتحرك الآن بمقتضى قوانين دستور إسلامي يشرع له إحداث تراكم أولي على حساب عمل الزوجات من النساء ، فإنه أيضاً يستوعب تكوين تراكم أعلى للثروة على حساب عمل النساء وإن لم يكن زوجات الرأسمالي لأن النساء في النهاية احتياطي اليد العاملة الرخيصة الذي لا يمكنه الاستغناء عنه .
وأيديولوجيا الجماعات الإسلامية التي قننت قاعدة الاستغلال الأساسية في خروج المرأة للعمل عند الحاجة أو الضرورة الماسة ، هي نفسها أيديولوجيا التي تقدم فكرة تخصيص مصانع للعمالة النسائية ، أو ورديات خاصة بهن " ستكون في الغالب هي الورديات النهارية " أو تخصيص عنابر – داخل نفس المصنع – للنساء فقط .
وقد يعتقد البعض أن الحديث السابق هو محض تكهنات أو تحامل على النوايا الإسلامية الحسنة .. ولكن حقائق الأمور هي التي تكشف نفسها ، ففي حديث " للسعد " صاحب إحدى أكبر شركات توظيف الأموال الإسلامية يعدد فيه مشروعاته التي تجاوزت تجارة السيارات بأرباح تزيد على ستين بالمائة ، وتجارة اللحوم والألبان ونباتات الزينة وسلسلة مطاعم هذا بخلاف تجارة الذهب والفضة والمجوهرات وجميع أنواع التجارة العلنية والسرية ، مما ضاعف ثروته خلال ستة أشهر من لا شيء إلى 60 مليون جنيه – كما يعترف هو – في حديثه – المدفوع الثمن بالأهرام – عن طريق تجميع مدخرات البرجوازية الصغيرة والتجارة فيها.
وبفرض تصديقنا لحقيقة نشاطه وحقيقة أرقامه المعلنة ، وهو ما بات محل شك الجميع .
فإن ما أعلنه يدعو للدهشة .... فهذا " السعد " الرأسمالي بعد أن تاجر في السيارات والأثاث والطعام والحلي وكل شيء وبعد أن استغل الرجال والنساء كصغار مدخرين وكمشترين يبيع لهم السلع بأضعاف سعرها خلف ستار التقسيط المريح ... حتى صارت جنيهات هؤلاء الرجال والنساء تلهث خلف سلعه الاستهلاكية ولا تكاد تطولها ...
فإنه يضيف إلى مشروعاته " الخيرية " السابقة مشروعاً " أكثر خيرية " حينما يعلن : -
" هناك مشروع آخر ما زال في دور الدراسة وهو إقامة مشروع إنتاجي ضخم لا يضم إلا النساء فقط لرفع مستوى المرأة المصرية العاملة مع المحافظة على كرامتها وعقيدتها والالتزام بالسلوك الإسلامي السوي ... " ( الأهرام – مواجهة ساخنة مع رئيس شركة توظيف الأموال الإسلامي ص14- 11/2/1987 حديث تسجيلي )
فالحاج " السعد " الملتزم بالسلوك الإسلامي السوي والملتزم بقوانين السوق أيضاً والذي لا يتورع عن المضاربة بالذهب والفضة وعن التجارة بكل شيء هو نفسه الذي يشتري قوة عمل النساء باسم الحفاظ على كرامتهن ...
وهذا ليس جديداً على طبيعة السوق الرأسمالية فمنذ دخول الصناعة إلى مصر والعمالة النسائية تستخدم ... ولكن الفارق الخطير الذي يضيفه السعد باسم الإسلام هو في تحقيق العزل بين النساء والرجال ...
وباسم الإسلام أيضاً لن يكون من حق هؤلاء العاملات بمصنع " السعد " الرأسمالي الإسلامي أو بمصنع الشريف وغيره المطالبة بأي حقوق نقابية وسياسية كما اتضح من الأحاديث السابقة لزعماء الجماعات الإسلامية التي تهاجم حق المرأة في الاشتراك في الإضراب والاعتصام والتظاهر وكافة أشكال العمل العام .
وإذا كانت العاملات قد شاركن زملائهم العمال في إضرابات مصانع كفر الدوار والمحلة وشبرا الخيمة فإن الرأسمالي الإسلامي سوف يشغلهن في نفس الصناعات : ( الغزل والنسيج – مصانع التريكو – مصانع التفصيل الآلي – الصناعات البلاستيكية – صناعات الأغذية وغيرها من الصناعات ) مع محاولة سحب أو طمس أو إلغاء هذا التاريخ النضالي مما يسهل عملية تكثيف الاستغلال الرأسمالي وبينما تتصاعد الشكوى من فوضى السوق ومن دور الشركات الإسلامية في تجارة العملة وزيادة حدة التضخم والركود ...
لم يجد هذا الرأسمالي الإسلامي نفسه سبيلاً للدفاع عن المرأة سوى في قطف ثمار كل الأزمات التي شارك في صناعتها والتي أدت إلى إفقارها الشديد وزحفها إلى أبواب مصانعه ، ليتحول جسدها الذي طالما هاجمته الجماعات الإسلامية وقيدته بشتى أنواع التحريمات إلى ترس في آلته ... وثروة تملأ خزائنه .