أنتن الأمل .. فلا تستسلمن



فارس حميد أمانة
2014 / 2 / 5

المقالة مهداة للسيدة الفاضلة أم يوسف

من بين كل مجموعة من الناس تبرز بعض الشخصيات المختلفة والمتميزة عن الآخرين كما النور في نهاية نفق مظلم .. وهذا شيء طبيعي بحكم التباين بالخلفيات الثقافية والاجتماعية للأفراد ذكورا كانوا أم أناثا .. اضافة الى التباين في البيئات التي نمت وترعرعت فيها تلك النماذج البشرية .. ناهيك عن الخلفية الدراسية والتوجهات الفكرية لهم والمطالعات الثقافية ونوعية الاحتكاك مع مختلف الثقافات وكذلك مستوى الادراك ومدى سعته وتفاعله مع المجتمع الذي ينتج ردود أفعال مختلفة تجاه الحوادث الاعتيادية وغير الاعتيادية .
في مجتمعي الذي أعيش فيه وحتى في محل عملي أرى نماذج متباينة في نظرتها للموضوع الواحد والسبب كما ذكرت في مقدمة المقال .. السؤال هنا : هل ان الناس أحرار كما ولدتهم أمهاتهم وكما أقرت به وثيقة حقوق الانسان العالمية ؟ وهل ان الحرية تعني الشمولية في طريقة العيش والمعتقد والدين والمذهب ؟ بالتأكيد نعم ولا يختلف اثنان على ذلك نظريا على الأقل مع التباين في التطبيق المستند الى تفسير وفهم المعطيات .. لكن هل تعني هذه الحرية فرض الرأي والعقيدة التي نعتقد بها على الآخرين ؟ ذلك أسوأ ما في فهمنا لحرية الانسان ورقيه الاجتماعي ..

لنعد للبداية ولنطرح مثالا حياتيا بسيطا نصطدم به كل يوم من خلال الأسئلة التالية : ما هو الشرف ؟ ماهي الفضيلة ؟ ماهو الولاء ؟ لمن الولاء؟

الاجابة نظريا في غاية البساطة ولا يختلف عليها الكثير الا في جزئيات صغيرة جدا .. الا اننا في التطبيق الفعلي للاجابة عن تلك الأسئلة نصطدم بمديات هائلة من التباين .. المتدين أو المتطرف سيجيبك ان الشرف هو حجب الأنثى في البيت وعدم اختلاطها بالذكور لتقوم بالمهمة المقدسة وهي تلبية حاجات الزوج العاطفية والمعيشية وانجاب الأجيال اللاحقة وتربيتها على نفس النهج ؟ من سيختلف مع هذه الفئة في ان دور الأنثى في تلبية رغبات الرجل لا بديل عنه ؟ .. ومن سيختلف مع هؤلاء أن الأنثى هي الكائن الوحيد القادر على الانجاب ؟ ومن سيختلف معهم ان الأم مدرسة اذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق ؟ ولكن .. كم من الأناث أرى بشكل يومي ممن يعملن معي وممن يعملن في المصانع والمزارع وحتى الأسواق ممن يكن المعيلات الوحيدات لعوائلهن أو ممن يساعدن أزواجهن في تحمل الأعباء المادية للمعيشة الشريفة .. فهل سنطردهن من خانة الشرف ؟

ولو سئلت البعض ممن هم أقل تطرفا من الذكور أو حتى من الأناث لأجابك بأن الشرف والفضيلة هما جلوس الأنثى في محل وظيفتها جامدة الوجه لا تبتسم بوجه أحد حتى لا تثير فيه مكامن الرغبة .. ولا يخرج صوتها الا عند الضرورة القصوى فهو عورة .. ناسيا ان المرأة في صدر الرسالة حملت سيفها تقاتل به مع الرجال وسهرت حتى الصباح لتداوي الجرحى ..

أما الولاء فتلك مسئلة يختلف الكثيرون عليها .. وأستحضر هنا كتابات عالم الاجتماع والمؤرخ العراقي الكبير الدكتور علي الوردي الذي بحث كثيرا في تاريخ العراق وطرحه من وجهة النظر الاجتماعية كما بحث كثيرا في الشخصية العراقية .. ان العراقي بشكل عام لازال واقعا تحت تأثير البداوة التي انسحبت منذ قرون طويلة على شخصيته وبالتالي أداؤه وسلوكه المجتمعي وذلك لأسباب تاريخية وجغرافية كثيرة لا مجال لطرحها هنا .. ان الفرد هنا ونتيجة لكل ذلك لا يجد قوته ووجوده بسيادة القوانين المؤسساتية للدولة بل بقوة من يقف خلفه من عشيرة وأهل وزاد الطين بلة كثرة الأحزاب مما ولد تيارا آخر ينحى نفس المنحى وباتجاه واحد وهو قوة الفرد المتأتية من قوة عشيرته أو أهله أو الحزب الذي ينتمي اليه .. لقد ولد ذلك كله تشتت الولاءات والانتماءات فأصبح الولاء للوطن أو للفكر السامي أضعف بكثير .. ذكرت مرة في مقال لي في الحوار المتمدن بعنوان مشاهدات من المانيا – الجزء الثالث ان " الهر ماير " ذلك الألماني البسيط في أحد المصانع قد انتخب أكثر من مرة مثالا للألماني الشريف قياسا لحبه وولاءه لوطنه واخلاصه في العمل (*) .ان مفهوم الشرف والفضيلة في مجتمعاتنا يختلف بشدة عن مفهوم الشعوب المتحضرة له .. لقد فهمنا الشرف والفضيلة وفق مفاهيم وضعية وضعناها نحن وتوارثناها جيلا عن جيل وفي النهاية غرقنا فيها دون المقدرة على التخلص منها .. أحسب ان مثلنا كمثل من حفر خندقا غرق فيه .. ناهيك عن من راقت له فكرة غرقه في هذا الخندق ..

قبل أيام وجدت احدى زميلاتي في العمل وهي عابسة الوجه وقد بدت الكآبة واضحة على قسماتها وذلك على غير ما اعتدت عليه منها من الابتسام والمرح اللذان يطبعان شخصيتها البسيطة الحلوة .. لقد ألقت عليها احدى الزميلات محاضرة عن الشرف والفضيلة ومفهومهما لديها وضرورة عدم الابتسام وماشابه ذلك ليفهم الجميع انها " سيدة فاضلة " ! ! ! كان ردي عليها هو سؤال واحد : " هل تحترمين نفسك ؟ " عندها أجابتني وباندهاش : " بالطبع " .. قلت مبتسما : " لماذا ؟ ما فضلك وامتيازك عن الآخرين ؟ " .. أجابتني بأنها تؤدي عملها دون تلكؤ وتحترم بيتها وعائلتها وهما شيئان تحرص عليهما.. أجبت بسرعة : " انك اذن سيدة فاضلة ".. ثم أردفت لها قائلا : " أنتن الأمل .. فلا تستسلمن " ... ابتسمت لي بود عميق وهي ممتنة .. فغادرتها وقد تجدد في نفسي الأمل وأنا ألمح النور في نهاية النفق المعتم ..

-----------------
(*) اقرأ المقال ان أحببت في الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=372199