الغناء لأم العيال



عائشة خليل
2014 / 2 / 9

أحمد منيب (١-;-٩-;-٢-;-٦-;--١-;-٩-;-٩-;-١-;-) مغنٍ وملحن نوبي اشتهر منذ نهايات سبعينيات القرن العشرين، ويعزى إليه تطويره الألحان النوبية بمزجه بين الألحان الشرقية والألحان النوبية، ويلقب بالخال تحببًا. وقد لحن منيب للعديد من المطربين لعل أشهرهم تلميذه النجيب محمد منير، الذي فاقت شهرته شهرة أستاذه فصار يلقب بالملك، حيث لحن له بعض أشهر أغانيه مثل: شجر الليمون، الليلة يا سمرا، اتكلمي، وعروسة النيل، يا مركبي، وغيرهم الكثير.

تعرفت على أحمد منيب في مرحلة التكوين من خلال كاسيت (الذي انتشر في تلك الفترة في مصر) جلبه أخي الأكبر فتعلقت به وبألحانه وبكلاماته وبصوره الشعرية. فأحمد منيب يغني للأرض، وللدار، وللنخيل، وللنيل، وللبحر. ويغني منيب حبًّا في وطن تركه وراءه، ويصدح بعذابات المغتربين الذين يكتوون بنار الحنين إلى بلاد يودون للرجوع إليها. وللنوبة "بلاد الذهب" يغني: مشتاقين يا ناس .. لبلاد الدهب .. نادرين لما نرجع تانى .. لبلاد الجمال الربانى .. جوّا البيت هنزرع نخلة .. تطرح خير وتعمل ضلة .. والعصافير .. والعصافير تلقّط غلة .. في الحوش الكبير والرملة .. جار الساقية فى العصرية .. نحكى حكاوي .. والأفراح هتملى .. الناحية ويّا غناوي
وتتميز كلمات أغانيه أيضًا بالكثير من المثالية التي لا تطرح كعنوان لأحد أغانيه كما قد يفعل البعض، وإنما تمتد في نسيج جميع أغانيه لتفصح عن فلسفة لشخصية تنأى عن الدنيا بنفسها، وتتطلع إلى مثل عليا سامية، كما في أغنية "صدقني يا صاحبي" أو في أغنية "لو كُنا طيور" حيث يغني:
لو كُنا طيور فى السما بندور كُنا هنتهنا .. ولا كُنا احتجنا لـ بيوت وقصور لو كُنا طيور.. لو كُنا طيور بنلقط حب ونام ونقوم ونعيش ع الحب .. نتنقل من عش لـ عش ولا نعرف طريق الغش .. ونحـب النور لو كُنا طيور ..

ولقد أعدت اكتشاف أحمد منيب مؤخرًا بعد انقطاع دام أعوام، فوقعت على أغنية يتغني فيها للزوجة "أم العيال العشرية" (ولفظة "العشرية" تعني "طيبة المعشر" في العامية المصرية) وأعجبني أن موضوع الحب ليس الحبيبة الشابة التي لم يحظ الحبيب بوصالها بعد، وإنما هي "ست الستات" "الأصيله" "أم العيال العشرية" وأن جمال المحبوبة ليس حسيًا نابعًا من جمال عينيها، ولا قدها الممشوق، ولا شعرها المتموج ، بل يتغزل في خصالها الحميدة التي لمسها من طول عشرته معها، مثل مساندتها، ومؤازرتها له، ومقاسمتها إياه الهموم، بالإضافة إلى إنكارها للذات، وترفقها به، فيصفها بطيبة القلب، ويلقبها بذات الأصل العريق.
مين اللى يسهر جنبى الليل .. مين اللى باله معايا طويل ..مين لما أتعب يسعدني.. ومعايا حمل الهم يشيل .. مين هيا غير ست الستات .. وياها بتصبح وأبات .. وأجيب لمين غيرها واهادى .. أم العيال العشرية .. وأجيب لمين غيرها وأهادى .. أم العيال العشرية .. يا عم يا بتاع الطيب .. المسك ريحه ما يتعيب .. ادينى من العطر أطيب.. وآخد لمحبوبتى هدية.. لأم العيال العشرية .. يا عم يا بتاع المخمل.. ادينى نوع توب المحمل .. وعشان حبيبتى تتجمل .. أبيض بلون الصبحية .. أبيض يا قلب العشرية .. جايب معايا اللي في يدي .. وقدرت أجيبه من كدي .. ولا تقوليش بس أنا عندي .. وكفايه بتهل عليا .. أصلك أصيلة يا عشرية .. ما يغلى يا ست الستات .. عليك لولى ولا غويشات .. وأجيب لمين غيرك أهادى ..أم العيال العشرية

قد يكون اكتشافي للأغنية متأخرا ربع قرن أو أكثر عن إصدارها الأول، ولكنني أردت لفت الانتباه إلى معانيها التي تعطي بعدًا جديدًا للمحبوبة يتخطى ما تكرر من معانٍ عن الوصال والعشق، أو ما أسهب فيه من ذكر المفاتن الجسدية المحبوبة. فالمرأة في الثقافة الذكورية ما هي إلا جسد بلا فكر، ومفعول بها وليست فاعِلة. ولذا فإنه من المفيد الإشادة بما اختلف من معانٍ يعطي للمرأة مكانتها الطبيعية في الحياة بكونها شريكة الحياة. كما أن الأغنية تتخطى حاجزًا آخر من حواجز الثقافة الذكورية المسيطرة وهو الغناء لمن انتصف العمر بها، فالغناء عادة يكون لمن هن في مقتبل العمر لأنهن يشكلن السن المثالي للجمال الحسي، بينما تسقط من الحسابات من هن أكبر سنًّا. وذلك أن الثقافة الذكورية تميز ضد النساء الأكبر سنًّا، ولذا تتجنب المرأة ذكر عمرها بكل الوسائل، وتحاول دائمًا أن تبدو أقل منه.

فرحمة الله رحمة واسعة على "الخال" أحمد منيب الذي كسر بعض محاذير الثقافة الذكورية، وقدم مثالا يحتذى به على عشق المرأة شريكة العمر.