اضطهاد وشيطنة المرأة في العالم العربي



بابكر عباس الأمين
2014 / 2 / 9



ضمن القضايا الاجتماعية المستفحلة في العالم العربي هي قضية المرأة وما تعانيه من دونية وتهميش، أدي لتعطيل طاقاتها وتجميد إمكانياتها. وما زالت المرأة في معظم دول هذا الإقليم ترسف في أغلال ترسانة قوانين مجتمعية ثقيلة الوطأة، تُتبع أكثر من اتباع قوانين الشارع طوراً، وأكثر من تعاليم الدين أحيانا. ويعمد البعض لشيطنة المرأة إنطلاقاً من أساطير لبست لبوس الدين، وترك نصوص آيات مُحكمات لا تتطلب التأويل، تثبت خطل تلك الأساطير. أو إسناد أحاديث للنبي الأكرم زوراً تمعن في اضطهادها وإذلالها. ويرجع كثير من الفضل لوضع المرأة البائس في هذا الإقليم لمدراس إسلامية ظلامية تعيش خارج التاريخ، أرجعت حالها القهقري، حتي بمقاييس القرن الأول للهجرة. أو لشيوخ يحسبونها عورة ومصدر إثارة حتي لأقرب الأقربين، ويختزلون وظيفتها في أمر واحد هو الشغور.


يرجع البعض شيطنة المرأة إلي بدء الخليقة بإلقاء مسؤولة خروج النبي آدم من الجنة علي كاهل حواء، إتكاءً علي أسطورة؛ إذ أن القرآن الكريم لم يحدثنا أن أمنا هي التي أغرت أبينا لقطف الثمرة. إنما ورد فيه أن كليهما قد وقعا في الزلل "فوسوس لهما الشيطان ليُبدي لهما ما وُري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20 الأعراف). والآية "فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو". (36 البقرة). وإنا لنرجّح أن أبينا هو الذي وقع في الزلل أولاً، إذ خصّه الشيطان بالخطاب قائلا: "يا آدم هل أدلك علي شجرة الخلد ومُلك لا يبلي"، ثم يقول جلّ ثناؤه: "وعصي آدم ربه فغوي" (120/121 طه). كذلك، يقوم البعض بشيطنة المرأة ببتر جزء من تلك الآية في سورة يوسف "إن كيدكن عظيم" من السياق والنص. بيد أن هذا المقطع لم يقله النبي يوسف، وليس صادراً عن الله تعالي كحكم علي النساء، إنما هي جملة صدرت عن ذاك الشاهد الذي ينتمي للأسرة الحاكمة "وشهد شاهدٌ من أهلها"، ثم جاء الخطاب القرآني "فلما رأي قميصه قد قـُدّ من دبر قال انه من كيدكن إن كيدهن عظيم". (28). وإنك لتجد كثيراً من المسلمين لا يحفظ جزء عمّ، وكثيراً منهم لم يطّلع علي القرآن برمته، ولكنه يحفظ هذا الجزء من الآية لاستخدامه كسلاح دمار شامل يحمل طابع القدسية ضد المرأة، حتي في حال بزّتهم في شأن من شؤون الفكر أو المعرفة، أو أبدت ذكاءً فاق ذكاءهم.


بخصوص الأحاديث التي يزخر بها التراث، وتُنسب زوراً للرسول الكريم، تلك التي تجرّد إنسانية المرأة، ضمنها ما قاله أبو هريرة: "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب". وأنت هنا تري الأعاجيب كونه يضع المرأة ضمن مملكة الحيوان، كما تحار مثل حيرتي في الصفة المشتركة التي تجمع المرأة مع الكلب والحمار. وتجد حديثاً رواه عبدالله بن عمر: "لا عدوي ولا طيرة، وإن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس". هذا أضاف لها جماد، ومثل هذا القول لا يمكن أن يصدر عن النبي الأكرم؛ كونه ركيك السبك والصياغة، وأيضاً عدم وجود شيء يجمع الثلاثة، علاوة علي أنه يناقض آية فيما يتعلق بالحصان: "والخيل والبغال لتركبوها وزينة". (8 النحل). ويروي أبو سعيد الخدري: "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثرأهل النار"، وحين سألن عن السبب، أجاب الرسول: "فإنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير". أس الحديث لا يقبله العقل، لأن المرأة لم تك عاملة لكي يُطلب منها الصدقة، ومعلوم أن الرجل أكثر لعناً من المرأة، وكثيراً ما يتفوه علي الملأ بلعن ذي ألفاظ نابية تستحي طبيعة المرأة عن ذكرها. والحاصل حتي حديث "خلقن من ضلع أعوج" هو من الإسرائيليات وأصله توراتي: "فأوقع الإله الرب سباتاً علي آدم فنام فأخذ واحد من أضلاعه وملأ مكانها لحما(22) وبني الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلي آدم(23). (سفر التكوين). فضلاً علي ذلك، فإن هذه الأحاديث تناقض حديث النبي: "إنما النساء شقائق الرجال"، أي: نظرائهم وأمثالهم في الأخلاق والطباع، حسب ما ورد في لسان العرب.



دور رئيسي في تجريد المرأة من آدميتها تلعبه التيارات الإسلامية، كالسلفية والوهابية، اللتان تحسبانها كشيء يثير غريزة الرجل حتي لو كان والدها. ذلك ما أفتي به محمد العريفي، قائلاً أنه لا يجوز للبنت الشابة أن تلبس ملابس ضيقة أمام أبيها، أو أن تخلو بوالدها دون حضور إخوانها أو أمها! طريف أن العريفي قد عزا كون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل بسبب غدة في دماغها لا تعمل كرصيفتها لدي الرجل ولكنه نسي اسمها. هذا خرّيج الوهابية، أما السلفية فخير من يمثلها أبو إسحاق الحويني، الذي ذكر - في حثه علي إرتداء النقاب - أن وجه المرأة كفرجها! وكذا الأمر بالنسبة لحركات الإخوان المسلمين، أو التنظيمات التي وُلدت من رحمها، والتي تدعي الليبرالية تجاه المرأة، فتجدها تحاول برهان هذا الإدعاء بمظاهر شكلانية، كمنح مناصب للنساء في الجهاز التشريعي أو التنفيذي، بينما تسن قوانين تمعن في الحط من قدر المرأة، والسودان أسطع نموذج لذلك. ولولا لطف الله وحكمة عبدالفتاح السيسي، لانخفض العمر الأدني لزواج البنات في مصر ل12 عاما، حسب المبادرة التي أطلقها أعضاء مجلسي الشوري والشعب خلال حكم محمد مرسي. بل أن عزة الجرف، نائبة من حزب ′-;-الحرية والعدالة′-;- المنحل قد دعت لإلغاء قانون التحرش، لأن سبب التحرش في نظرها هو "ملابس السيدات". أيضاً، طالبت الجرف بإلغاء قانون تشويه الأعضاء التناسيلة للأطفال. طريفٌ أمر الإسلاميين، فعندما تؤول السلطة لهم تعمل المرأة في تنظيمهم ضد قضايا جنسها. أو أن يخلقوا طبقة نسائية تنقلب علي المجتمع برمته فتشتمه بالنيابة عنهم، كما فعلت الفيلم فاطمة الصادق في السودان.



دعنا نأخذ مثالاً آخرا بتفصيل هو حركة النهضة التونسية. تأمّل قول راشد الغنوشي "ليس في الإسلام ما يبرر إقصاء نصف المجتمع الإسلامي عن دائرة المشاركة والفعل في الشؤون العامة (...) نحن إذن مع حق المرأة الذي يرتفع أحياناً إلي مستوي الواجب في مشاركتها في الحياة السياسية علي أساس المساواة الكاملة". وطوبي لمن يظن أن الإسلاميين يعملون بما يقولون؛ ذلك موقف الليل خارج السلطة يمحوه موقف النهار حين أصبح فيها. عندما طرحت الأحزاب التونسية مبدأ مساواة المرأة بالرجل أثناء مداولات الدستور، أعلنت حركة النهضة أنه "أمر يتعارض مع الشريعة". وإن شئت دليلاً آخرا علي التناقض بين القول والفعل ويمس الأصول، فإليك هذا التصريح للغنوشي: "قوامة الرجال علي النساء إنما قُررت فقط في الحياة الزوجية". نعم، الشريعة لا تساوي المرأة مع الرجل في الميراث والشهادة (بسبب الغدة المجهولة)، ولكن ما الذي يمنع أن تساويه في بقية الشؤون، لا سيما وأنهما يتساويان في التكليف والحساب؟ أية آية في الذكر الحكيم منعت ذلك؟ أوتسأل عن سبب التناقض بين التنظير والممارسة لدي الغنوشي؟ الهدف من الأولي هو كسب النساء للحركة، وكم أصوات في الانتخابات للتمكين في الجولة الأولي، ثم الاستبداد والأخونة. حتي عنوان كتاب راشد الغنوشي - وإن لم تقرؤه - يوحي بأن هنالك بون بين وضع المرأة في الإسلام وحالها تحت ظل قوانين المجتمع: "المرأة بين القرآن وواقع المسلمين". تماماً كعنوان كتاب حسن الترابي: "المرأة بين الأصول والتقاليد"، والعناوين الجذابة والشعارات البرّاقة شيء، وتنزيل التنظير علي أرض الواقع شيء آخر.



مجمل القول، إن أرادت هذه الأمة أن تنهض وتفجّر طاقات المجتمع برمته، عليها إنصاف المرأة، ورفع المظالم عنها. ولتحقيق ذلك لابد لمنظمات المجتمع المدني، بما فيها الأحزاب السياسية، أن تلعب دوراً في التوعية بحقوق المرأة. أيضاً، للأسرة دور تلعبه كغرس الثقة في البنات منذ الطفولة. المرأة نفسها مطالبة بالنضال لأن الحقوق تُنتزع ولا تُمنح، كما قيل. لا يعني ذلك أن المرأة متقاعسة عن رسالتها، إذ أنها تعمل بدأب متناه وتبذل التضحيات الجسام، فرادي وزرافات، كمنظمات نسوية، في سائر أنحاء العالم العربي. إنما الأمر يتطلب مزيداً من الجهود فالإرث ثقيل.

* لم أشأ عنونة هذا المقال ب"اضطهاد وشيطنة المرأة في الثقافة العربية" لأن حال المرأة في ماضي الثقافة العربية كان متقدماً علي حالها الآن، كما ورد في صدر هذه السطور. ذلك مشروع مقال قادم.