النّسوية (الفيمينزم) بين كتاب فروع الكافي لدى الشّيعة و صحيح البخاري



أسماء عيادي
2014 / 2 / 12

لا تقل الحركيّة بين المذاهب أهميّة عن الحركيّة بين الأديان بترك دين و التدين بآخر ففي الدّين الواحد تجد أناسا ولدو على مذهب ثم تحوّلو عنه إلى مذهب آخر. أشهرحركيتين يشهدهما الإسلام هما الإستبصار و التسنّن و يعني الإستبصار التّشيع لمذهب آل البيت. فما الذي يقدّمه مذهب و لا يقدمه الآخر للمرأة على سبيل المثال حتى تستبصر أو تتسنن؟
تعدّ المصادر لدى الشّيعة ثمانية و هي الكافي، من لا يحضره الفقيه، تهذيب الأحكام، الإستبصار، بحار الأنوار، مستدرك الوسائل، الإحتجاج و فصل الخطاب و تعد مصادر السّنة ستة و هي البخاري، مسلم، أبو داود، النسائي، الترمذي، ابن ماجة و يضاف إليها موطأ الإمام مالك و مسند الإمام أحمد.
سيقتصر هذا البحث المقارن أساسا على أكثر كتابين شهرة لدى المذهبين؛ كتاب فروع الكافي لدى الشّيعة و البخاري لدى السّنة و لن يؤخذ في عين الإعتبار درجة صحة الحديث و رأي الإمام مالك بعدم أخذ أحاديث عن رواة من شيعة الإمام علي و قوله فيهم أنهم أهل أهواء. كما لن نعيد هنا ذكر أحاديث أن المرأة كالضلع الأعوج و لعن الملائكة لها و أنها أكثر أهل النار فمواصلة الخوض في هذا التراث من ضرب المضيعة للجهد فقد تجاوزت كلتا الديانتين الإبراهيميتن المسيحية و اليهودية هذه الأساطير حول المرأة و آن الآوان لمن يخوض في التراث الإسلامي أن يتجاوزها كذلك.
يلاحظ القارئ للمصادر السّنية كالبخاري على سبيل المثال وجود خطين متباينين و هما الخط الذكوري التقليدي و الخط النّسوي و تمثله مجملا عائشة و يغيب غالبا تيّار النّسوية عن كتاب فروع الكافي لدى الشّيعة و تنسب بعض مواقف الإحتجاج و الرّفض مثلا لما في حق المرأة على الزوج و لما في حق الزوج على المرأة إلى إمرأة مجهولة لا يذكر إسمها و لا يعتد بمواقفها.
و نسوق المثال التّالي من أحاديث مسلم على تباين المواقف بين عائشة و أبي هريرة:
ذكر عند عائشة حديث رواه أبو هريرة عن النبي (ص) أنه قال: ما يقطع الصلاة ثلاثة: الكلب و الحمار و المرأة. فقالت عائشة شبهتمونا بالكلاب و الحمير، و الله لقد رأيت رسول الله يصلي و أنا على السرير بينه و بين القبلة مضطجعة. (رواه مسلم، ج4، ص 229). كما يذكر البخاري نفس الحديث لعائشة لما تنكره في حق تشبيهها بالكلاب و الحمير:
حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش قال: حدثنا إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة. قال الأعمش: و حدثني مسلم، عن مسروق، عن عائشة: ذكر عندها ما يقطع الصلاة، الكلب و الحمار و المرأة، فقالت: شبهتمونا بالحمر و الكلاب، و الله، لقد رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يصلي، و إني على السرير، بينه و بين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة، فأكره أن أجلس، فأوذي النبي صلى الله عليه و سلم، فأنسل من عند رجليه. (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله (ص) و سننه و أيامه المشهور بصحيح البخاري، رقم 492، ص 145).
لم ترضى عائشة أن تشبّه بالحمار و الكلب و لو ذكر هذا الحديث عند غيرها لربما رأت فيه أيضا تكريما لها من يدري فللنساء في ما يعشقن مذاهب.

المرأة و التّعليم
من المعروف أن الإسلام كشأنه من الأديان حثّ على العلم، و لكن العلم أصناف و علوم من المنظور الدّيني التّقليدي، و المقصود بالتّعليم في هذا السياق تعلم القرآن و السّنة لذلك تجد أن أول ما يبدأ بتلقينه للطفل هو القرآن و بعض الأحاديث و تجد البخاري أكثر حرصا من الكليني على تلقين النساء فيذكر عنده هذا الحديث:
أخبرنا محمد هو ابن سلام حدثنا المحاربي قال حدثنا صالح بن حيان قال قال عامر الشعبي حدثني أبو بردة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه و آمن بمحمد صلى الله عليه و سلم و العبد المملوك إذا أدى حق الله و حق مواليه و رجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران ثم قال عامر أعطيناكها بغير شيء قد كان يركب فيما دونها إلى المدينة. (صحيح البخاري، كتاب العلم، باب تعليم الرجل أمته وأهله، رقم 97) أما الكليني فيسوق لنا في كتابه فروع الكافي الحديث التالي:
عن بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص): لا تنزلو النساء بالغرف، و لا تعلموهن الكتابة و علموهن المغزل و سورة النور. (فروع الكافي، ج3، ص 521) و على كل لن يضير المرأة كثيرا هكذا حكم في أمّة لا يكتب أغلب رجالها إلا لنسخ ما قال الأوّلون.

المرأة و حقّها على زوجها و حقّ الزّوج عليها
عن حق الزوج على المرأة يخبرنا الكليني:
عنه عن الجاموراني، عن إبن أبي حمزة، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال: أتت إمرأة إلى رسول الله (ص) فقالت: ما حق الزوج على المرأة؟ فقال أن تجيبه إلى حاجته و إن كانت على قتب، و لا تعطي شيئا إلا بإذنه، فإن فعلت فعليها الوزر و له الأجر، و لا تبيت ليلة و هو عليها ساخط. قالت: يا رسول الله و إن كان ظالما؟ قال: نعم. قالت: و الذي بعثك بالحق لا تزوجت زوجا أبدا. (فروع الكافي، ج3، ص514).
أما عن حق المرأة على زوجها فيذكر عنده:
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن عمرو بن جبير العزرمي، عن أبي عبد الله (ع) قال: جاءت إمرأة إلى النبي (ص) فسألته عن حق الزوج على المرأة، فخبرها، ثم قالت: فما حقها عليه؟ قال: يكسوها من العرى، و يطعمها من الجوع، و إن أذنب غفر لها، فقالت: فليس لها عليه شيء غير هذا؟ قال: لا. قالت لا و الله ما تزوجت أبدا، ثم ولت فقال النبي (ص): إرجعي فرجعت، فقال: إن الله عز و جل يقول يقول: "و إن يستعففن خير لهنّ". (فروع الكافي، ج3، ص516). أتسائل و قد صمّت أذناي بقولهم أن كل الأحكام صالحة لكل زمان و مكان مالذي بقي من حقوق للمرأة على الزّوج في زمن أصبحت تكسو و تشبع فيه نفسها و حتى أولادها بمفردها. أما البخاري فيذكر لنا مجملا نفس الرأي في حق الزّوج على المرأة و لكن لا يسجّل عنده موقف تمرد أو إجتجاج على ما قيل:
حدثنا عمرو بن عون أنبأنا إسحاق بن يوسف عن شريك عن حصين عن الشعبي عن قيس بن سعد قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله (ص) أحقّ بأن يسجد له. قال: فأتيت النّبي (ص) فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد [يسجد] لك، قال [فقال] أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال قلت: لا. قال: فلا تفعلو لو كنت آمرا [آمرُ] أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق. (عون المعبود على شرح سنن أبي داود، ص 1005، رقم 2140، البخاري رقم 2721 ) كما لم يذكر في البخاري باب في حقّ المرأة على زوجها و ذكر عند أبو داود و إبن ماجة.

لا تغيب أصوات الإحتجاج على ما ذكر في النّساء أو في حقّهن فتراهن تارة يصحّحن ما ذكر فيهنّ و أخرى يعرضن فيها عن القبول بما سنّ لهن من الحقوق و لكنّها أصوات لا تسمع و لا يعتد بها و أخيرا نسأل من الله الهداية لجميع نساءنا لطريق المطالبة بتحسين حقوقهن و المحافظة على مكتسباتهن.