العنف ضد المرأة في كفتي حقوق الانسان والاسلام



قصي طارق
2014 / 2 / 16

يتهم الدين الاسلامي ونصوصه وتفسيراتها وبعض احكامه الشرعية بانه احد مصادر العنف ضد المرأة ،الا ان لبعض الفقهاء والمتنورين منهم راي مختلف ، جاء في القرآن الكريم ، اذ يتخذون من بعض النصوص مصادرا ومراجعا لمواقفهم المعتدلة من المرأة(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). وورد في حديث للنبي الأكرم (ص) (إن النساء شقائق الرجال)وكذلك قوله (استوصوا بالنساء خيراً). ويقف على رأس الفقهاء المجددين المجتهد اللبناني محمد حسين فضل الله الذي تميزت مواقف بروح التجديد والابداع التي يتسم بها فكره الاجتماعي ، والذي امتد الى فتاواه الشرعية وقد ثارت ثائرة المؤسسة الدينية والكثير من رجال الدين ضده حين أصدر بياناً شرعياً لمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والذي افتى فيه (يجوز للمرأة الدفاع عن نفسها ضدّ عنف الرجل)فيقول محمد حسين فضل الله وهو يتحدث عن العنف ضد المرأة (العُنف النفسي الذي يهدّد فيه الزوج زوجته بالطلاق أو بغيره، أو عندما يتركها في زواجها كالمعلّقة، فلا تُعامل كزوجة، أو الذي يستخدم فيه الطلاق كعنصر ابتزازٍ لها في أكثر من جانبٍ، فتفقد بالتالي الاستقرار في زواجها، ممّا ينعكس ضرراً على نفسيّتها وتوازنها. إلى العنف المعيشي الذي يمتنع فيه الزوج أو الأب من تحمّل مسؤوليّاته المادّية تجاه الزوجة والأسرة، فيحرم المرأة من حقوقها في العيش الكريم، أو عندما يضغط عليها لتتنازل عن مهرها الذي يمثّل ـ في المفهوم الإسلامي ـ هديّة رمزيّة عن المودّة والمحبّة الإنسانيّة، بعيداً عن الجانب التجاري.إلى «العنف التربويّ» الذي تُمنع معه المرأة من حقّها في التعليم والترقّي في ميدان التخصّص العلمي، بما يرفع من مستواها الفكري والثقافي ويفتح لها آفاق التطوّر والتطوير في ميادين الحياة؛ فتبقى في دوّامة الجهل والتخلّف؛ ثمّ تحمّل مسؤوليّة الأخطاء التي تقع فيها نتيجة قلّة الخبرة والتجربة التي فرضها عليها العنف. إلى العنف العملي الذي يُميّز بين أجر المرأة وأجر الرجل من دون حقّ، مع أنّ التساوي في العمل يقتضي التساوي في ما يترتّب عليه، علماً أنّ المجتمع بأسره قد يمارس هذا النوع من العنف عندما يسنّ قوانين العمل التي لا تراعي للمرأة أعباء الأمومة أو الحضانة أو ما إلى ذلك ممّا يختصّ بالمرأة، إضافةً إلى استغلال المدراء وأرباب العمل للموظّفات من خلال الضغط عليهنّ في أكثر من مجال.لقد وضع الإسلام للعلاقة بين الرجل والمرأة في الحياة الزوجيّة والأسرة عموماً قاعدةً ثابتة، وهي قاعدة «المعروف»، فقال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقال تعالى: {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريح بإحسان}، حيث يُمكن أن تشكّل قاعدةً شرعيّةً يُمكن أن تنفتح على أكثر من حُكمٍ شرعيّ يُنهي الزواج إذا تحوّل ضدّ «المعروف». خامساً: اعتبر الإسلام أنّ المرأة ـ في إطار الزواج ـ كائنٌ حقوقيّ مستقلّ عن الرجل من الناحية المادّية؛ فليس للرجل أن يستولي على أموالها الخاصّة، أو أن يتدخّل في تجارتها أو مصالحها التي لا تتعلّق به كزوج، أو لا تتعلّق بالأسرة التي يتحمّل مسؤوليّة إدارتها. سادساً: إنّ الإسلام لم يبح للرجل أن يمارس أيّ عنفًٍ على المرأة، سواء في حقوقها الشرعية التي ينشأ الالتزام بها من خلال عقد الزواج، أو في إخراجها من المنزل، وحتّى في مثل السبّ والشتم والكلام القاسي السيّئ، ويمثّل ذلك خطيئةً يُحاسب الله عليها، ويُعاقب عليها القانون الإسلامي. سابعاً: أمّا إذا مارس الرجل العنف الجسديّ ضدّ المرأة، ولم تستطع الدفاع عن نفسها إلا بأن تبادل عنفه بعنف مثله، فيجوز لها ذلك من باب الدفاع عن النفس. كما أنّه إذا مارس الرجل العنف الحقوقي ضدّها، بأن منعها بعض حقوقها الزوجيّة، كالنفقة أو الجنس، فلها أن تمنعه تلقائيّاً من الحقوق التي التزمت بها من خلال العقد. ثامناً: يؤكّد الإسلام أنّه لا ولاية لأحد على المرأة إذا كانت بالغةً رشيدةً مستقلّة في إدارة شؤون نفسها، فليس لأحد أن يفرض عليها زوجاً لا تريده، والعقد من دون رضاها باطلٌ لا أثر له.تاسعاً: في ظلّ اهتمامنا بالمحافظة على الأسرة، فإنّه ينبغي للتشريعات التي تنظّم عمل المرأة أن تلحظ المواءمة بين عملها، عندما تختاره، وبين أعبائها المتعلّقة بالأسرة، وإنّ أيّ إخلال بهذا الأمر قد يؤدّي إلى تفكّك الأسرة، ما يعني أن المجتمع يُمارس عنفاً مضاعفاً تجاه تركيبته الاجتماعية ونسقه القيمي. عاشراً: لقد أكّد الإسلام على موقع المرأة إلى جانب الرجل في الإنسانيّة والعقل والمسؤوليّة ونتائجها، وأسّس الحياة الزوجيّة على أساسٍ من المودّة والرحمة، ممّا يمنح الأسرة بُعداً إنسانيّاً يتفاعل فيه أفرادها بعيداً عن المفردات الحقوقيّة القانونيّة التي تعيش الجمود والجفاف الروحي والعاطفي؛ وهذا ما يمنح الغنى الروحي والتوازن النفسي والرقيّ الثقافي والفكري للإنسان كلّه، رجلاً كان أو امرأة، فرداً كان أو مجتمعاً.( )
كان العراق مصدر إشعاع فكري وثقافي في عموم المنطقة، وعرفت المرأة العراقية بثقافتها وصبرها ونضالها، حيث كانت تنظيماتها النسوية منذ عامإذ كانت هنالك “منظمة النهضة النسوية”، ولديها مجلة كانت تصدرها الأديبة بولينا حسون باسم “ليلى”. كما أصدرت مريم تومة، صحيفة يومية عام 1937، باسم “فتاة العرب”.
وفي أربعينيات القرن الماضي تأسست جمعيات خيرية ورابطة المرأة العراقية. لقد بدأت المرأة العراقية المشاركة في الحياة العامة، منذ نهاية القرن التاسع عشر، أثناء الحكم العثماني. وافتتحت أول مدرسة في بغداد عام1880 سجلت فيها 90 فتاة. وساهمت المرأة في ثورة العشرين. كما ساهمت المرأة العراقية في مختلف المجالات، وكانت نازك الملائكة، الناقدة ورائدة الشعر العربي الحديث.
وينص تقرير النساء والأطفال في العراق، الصادر عن منظمة اليونسيف، عام 1993 بأنه يندر أن تتمتع امرأة في الشرق الأوسط بما تتمتع به المرأة العراقية. ففي مجال العمل صدر قانون رقم 191 عام 1975، يساوي المرأة والرجل بالحقوق والمزايا المالية، إذ تتلقى أجرا مساوياً لأجر الرجل، ودخلها مستقل عن زوجها.
وفي عام 1974 صدر قانون التعليم المجاني في مختلف المراحل الدراسية. وفي عام 1979 أصبح التعليم إلزاميا للبنين والبنات حتى عمر الثانية عشر. وصدر في عام 1978، قانون الحملة الوطنية الشاملة لمحو الأمية، وفي عام 1988، أكد قانون التعليم العالي، إن التعليم العالي حق لكل مواطن تتوافر فيه الشروط الموضوعية.
وفي عام 1980، حصلت المرأة العراقية على حقها في التصويت والترشيح، وفازت في العام نفسه 16 امرأة بعضوية المجلس الوطني، وفي عام 1984، فازت 33 امراة بعضوية المجلس الوطني، وهي أعلى نسبة في الوطن العربي منذ وصول النساء إلى البرلمان حينذاك.
عرف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 كانون الأول/ ديسمبر عام 1993، بأنه أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة، بدنياً أو نفسياً أو جنسياً للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، في الحياة العامة أو الخاصة.
والعنف ضد الاستخدام غير الشرعي للقوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والقهر بالآخرين. أما العنف الأسري، فهو العنف الذي يقع في إطار العائلة، ومن قبل احد أفراد العائلة، بما له من سلطة أو ولاية أو علاقة بالمجني عليها.
والعنف ضد المرأة، سلوك يوجه ضدها، مبني على الإيذاء الجسدي أو النفسي أو المعنوي لأي سبب من الأسباب، من الاعتداءات اللفظية إلى القتل الفعلي. وتعاني المرأة العراقية من مختلف أنواع العنف، العائلي والاجتماعي، السُباب. ويشمل ذلك أنواع الإيذاء الجسدي والضرب والتحرشات الجنسية والاغتصاب، وكذلك الاعتداءات غير المباشرة، مثل التعنيف والاهانة والإذلال ومحاولات الابتزاز وتشويه السمعة وغيرها.
كما أن العودة إلى العشائرية والطائفية، أدى إلى تعرض المرأة العراقية إلى أنواع جديدة من العنف، نتيجة لارتفاع نسبة الأرامل والمطلقات، كما إن إلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، أدى إلى تعدد الزوجات، والعزوف عن الزواج، والزواج المؤقت. إضافة إلى القهر الذي يتعرض له في المجتمع، يؤدي إلى مضاعفة العنف الأسري أي ممارسة قهر اكبر على المرأة في الأسرة.
كما انتشرت حالات المتسولات والاتجار بالمرأة بسبب انتشار البطالة بين الرجال وتراكم الإحباط لديهم مما يجعل المرأة ضحيةً لتزايد العنف الأسري. فالمرأة تعيل الأسرة وتبقى رئاستها للرجل وتصبح خاضعة للاستلاب والقهر الاقتصادي والنوعي. كما تعاني المرأة بسبب تفشي الفقر وانتشار البطالة بين الرجال، من الحرمان من التعليم وحق اختيار الزوج أو الاعتراض عليه.
وخضوع المرأة للعنف يؤدي إلى شعورها بالخوف الشديد والعزلة والانطواء، كما قد تشعر بالذنب، مما يدفعها إلى الإيذاء النفسي أو قد تتولد لديها أفكار انتحارية مصحوبة باكتئاب مرضي حاد يؤدي أحيانا إلى الانتحار.
كما تعيش المرأة العراقية خطر التفجيرات والاختطاف والقتل العشوائي أو المنظم وتفكك البنية التحتية وتلوث مياه الشرب بفضلات المجاري والمواد المشعة وقلة الدواء في المستشفيات وتضاعف نسبة الأطفال المصابين بسوء التغذية، وانتشار المخدرات بين الصبيان، والإصابة بأنواع الأمراض السرطانية بتأثير اليورانيوم المنضب، الذي استخدم عامي 1991 و2003، إضافة إلى التهديد بإلغاء الحصة التموينية وصعوبة الحصول على الكهرباء والبنزين وقناني الغاز.
إضافةً إلى الانتهاكات لحقوقها في سجون النساء، وقد وثقت هذه الانتهاكات منظمة العفو الدولية التي أصدرت بتاريخ 22/2/2005 تقريراً شاملاً عن وضع المرأة العراقية وأجواء الرعب التي تعيشها يومياً.
لذا لابد من مناشدة السلطات الرسمية في الدولة، بهذه المناسبة للعمل على إيقاف هذا العنف ضد المرأة، كما لابد للإعلام ومنظمات المجتمع المدني القيام بحملات نوعية وتثقيف لوقف هذا العنف. كما يتوجب على مديرية شرطة حماية الأسرة، بتوفير الحماية المطلوبة للمرأة للحد من العنف ضدها. هذا ولابد من انجاز التعداد السكاني، للحصول على البيانات المتكاملة للخصائص السكانية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للواقع العراقي، والمرأة العراقية وخاصة في القرى والأرياف.( )
أعلنت سفارة الولايات المتحدة الامريكية في العراق، عن التزامها بالعمل مع العراقيين للمساعدة في "انهاء" اشكال العنف ضد المرأة في العراق، فيما أكدت على أن العنف مازال مستمراً ضد النشطاء العاملين في مجال حقوق المرأة.
وقال بيان للسفارة الامريكية في بغداد ورد لـ"شفق نيوز"، ان "السفارة الامريكية استضافت في بغداد، وللمرة الثانية سلسلة اجتماعات المائدة المستديرة وبحضور السيد السفير".
وأوضح البيان ان الاجتماعات هي "لبحث افضل سبل التعاون بين الولايات المتحدة و العراق في مجال مكافحة العنف ضد النساء و الفتيات في العراق ، وسبل تمكين المرأة".
وأضاف البيان، ان "عددا من مسؤولي الحكومة العراقية وقادة منظمات المجتمع المدني ناقشوا مع السفير الامريكي التحديات الراهنة التي تواجه النساء والفتيات في العراق، و سبل مواجهتها"، مؤكدا على ان "العنف ضد النساء والفتيات مازال يشكل مشكلة خطيرة في جميع انحاء العالم".
ولفت البيان الى ان "النشطاء في مجال حقوق المرأة مازالوا عرضة لمخاطر هجوم المتطرفين الذين يستهدفون بالذات النساء العاملات في مجالات السياسة والخدمة المدنية والصحافة".
واختتم البيان ان "السفارة الامريكية في بغداد تعرب عن التزامها بالعمل مع شركائنا العراقيين للمساعدة في انهاء كل اشكال العنف ضد المرأة في العراق والمنطقة و جميع انحاء العالم".
يشار الى ان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، مارتن كوبلر، قد طالب الحكومة العراقية، في وقت سابق بترجمة اعلانها بتحسين وضع المرأة في البلاد إلى "أفعال" ملموسة لإحداث "تأثير" في حياة جميع النساء العراقيات.
وعبر كوبلر، في بيان صدر عن مكتبه، عن دعمه "القوي للحملة المستمرة التي أطلقتها الأمم المتحدة لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي"، داعيا إلى "بذل المزيد من الجهود لحماية المرأة العراقية من انتهاكات حقوق الإنسان وإشراكها في الحياة العامة".
وكانت ندوة اقامتها منظمة البيت الكوردي على قاعة مؤسسة شفق للثقافة والاعلام في 8 كانون الاول الماضي عن العنف ضد المرأة، قد اجملت اسباب انتشار مظاهر العنف ضد المرأة في العراق بعدة اسباب منها "العرف الاجتماعي، والاستخدام السيء للفكر الديني، وتردي المستوى الثقافي والتعليمي في العراق، وتخلف الملاك التعليمي في المدارس العراقية"، مشيرة الى ان "من الاسباب الرئيسة ايضا التمسك بالماضي والهرب من الحاضر".( )
المصدر . كتاب قديسات ما بعد الحداثة , العنف ضد المراة , طبعه اولى تأليف قصي طارق مراجعة وتدقيق واشراف داني براون فايد ,ص320-341.