حق المرأة من قبل المهد الى ما بعد اللحد ـ 2ـ



خالص عزمي
2005 / 6 / 29

لاادري اذا كان وأد البنات في الجاهلية قد تغلغل في اعماقنا ولعب دورا في طباعنا وعاداتنا فأدى بنا لاتخاذ هذا الموقف المتعصب ضد المرأة
ام ان الاساطير القديمة ومنها اهداء اجمل الفتيات العذراوات الى النيل ام ان حكايات الف ليلة وليلة التي تروي عن اقدام الملك السعيد شهريار على
قتل امرأة كل ليلة ؛ كما تروي الاسطورة كانت وغيرها كثير سببا مضافا الى بقية الاسباب في النظرة المتدنية للمرأة . بل لعلي ابحر الى طرف اخر
فأدعي بان هذه المقولات والحكايات والمأثورات الشعبية كلها مجتمعة قد تغلغلت فادت الى نزعة التدني في الرؤية ومن ثم سوغت للتقاليد الجنسية لان
تطفو على السطح وتجر وراءها طوابير من الجواري والاماء والعشيقات وبائعات الجسد الى قصور الاباطرة والملوك والخلفاء والسلاطين ولينحدر
هذا الطوفان البشري في سقوطه نحو بيوت الولاة وشيوخ القبائل وقادة العسكر والعسس و التجار والقراصنة . وبمرور الزمن وتوالي الفترات المظلمة
تحول اطار لوحة المرأة الى منمنمات من الشبق الجنسي بحيث اصبح لاينظر اليها بشكل عام الا كمتعة جنسية بنت لحظتها على الاغلب . وتأسيسا على
هذا ظل موقف الرجل الشرقي بخاصة على حاله لايتزحزح عنه الا نادرا . ولم تستطع الثقافة ولا حتى الانغماس في المجتمعات الغربية من امكانيةتغييره
ذلك لان التحول ـ ان حدث ـ كان ظاهريا وبصريا وليس جذريا بحيث يمكن معه اقتلاع النمو المتشعب للجينات السلوكية.
من هنا يدعونا التبصر الى محاولة عرض بعض النماذج الواقعية كتلك التى طرحناها في المقال السابق عن التمايز في الموقف تجاه ( الولد ) و ( البنت)
في المرحلة المبكرة والتي ستكون الاساس الذي سيبنى عليه تفكيك النظرة الاحادية المتشددة ضد المرأة بشكل عام ضمن عمل جماعي وبموجب تخطيط علمي

نماذج من تمايز المعايير
أ ـ كان المستشار المصري الدكتور محمد توفيق مصطفى قد حدثني عن واقعة رواها له احد زملائه في اسوان من صعيد مصر في بداية الخمسينات
من القرن الماضي حيث روى له قصة عن اامرأة حامل وام لثلاث بنات هددت من قبل زوجها بشكل صريح وجدي بانها ان ولدت بنتا هذه المرة فان مصيرها
الطلاق حتما وعليها ان تأخذ بناتها وترحل الى اهلها . بلا عودة . وفعلا ولدت بنتها الرابعة فما كان منها الا ان طلبت من صديقة عمرها الداية
ان تلزم الصمت تماما ولا تخرج للاسرة حتى تنهي ما قررت الاقدام عليه وفي لحظة من البكاء والانهيار النفسي خنقت طفلتها دون ان يصدر عنها
اى صوت . ولتخرج الداية بعدئذ معلنة ان الطفلة ولدت ميتة لا حراك فيها, اما الاب فملأ قلبه السرور وحمد الله على ميتتها وخلاصه من همها
)ب2حدثني الدكتور جهاد عبد الوهاب الطبيب المحامي قال كنت في زيارة لعيادة احد اصدقائي من اطباء العلاج الطبيعي حينما دخل رجل يبدو عليه
اليسر يحمل ولده ابن الرابعة من عمره ومعه زوجته تحمل بنتها في الخامسة من العمر والطفلان يشكوان من عوق ولادي باليد اليمنى لكل منهما
وطلب الاب علاجهما وبعد الفحص تبين ان العوق بسيط ولا يحتاج الا لجلسات من العلاج لاتزيد عن ثلاثة اشهر لقاء اجر مناسب حدده صديقى
الطبيب سلفا ولما سمع الاب بالمبلغ قال اذن عالج الولد من صباح الغد اما البنت فاتركها حتى يعالجها زوجها مستقبلا؛ استغرب الطبيب من
هذا الموقف وسأله بمنتهى الادب ربما حالتك المادية لاتسمح ؟ رد الرجل بعصبية عنيفة ،، ان حالتي المادية ممتازة جدا واذا تريد غدا افتح لك
مستشفى خاصة واسأل عني ... وغادر العيادة وبيده المرتجفة عباءته بين دهشتي وحيرة صديقي الطبيب المهذب.
ج كنت في محكمة الكرخ انتظر دوري في المرافعة القادمة حينما دخل رجل شاب وسيم يمسك بيد طفل في الثالثة من العمر ومعه امرأة جميلة وفي
غاية الاناقة ثم دخلت امرأة اخرى عليها علامة الاحتشام والبساطة في المظهر ومعها طفلة صغيرة لاتتجاوز الرابعة من العمر . واتضح من سير الدعوى
ان الرجل كان قد تزوج على امرأته ام الطفلين من هذه الانيقة الثرية وتبين بعد سنة من زوجهما انها غير قادرة على الانجاب بحيث اخذت تلح على
الزوج بضرورةنزع الطفل من امه وجلبه الى بيتها لتتبناه؛ فاضطر على اقامة الدعوى لاسباب واهية ولا سند لها من الحقيقة ..لقد كان القاضي لماحا وضليعا
ولا تنطلي عليه مثل هذه الالاعيب المكشوفة, ولفضح زيف الدعوى طلب من المتخاصمين ترك غرفة المحكمة الى حين ؛ بعدها طلب من احد المحامين
الحاضرين ان يذهب ويقنع الام بالموافقة شريطة ان يأخذ الاب وزوجته الثرية الطفلين معا وبعد شرح طويل وافقت الام على ذلك خائفة مذعورة
فلما بدأت المرافعة مجددا قالت الام بانها توافق ... فتهللت اسارير الزوجين ثم اردفت ولكن على شرط ان يأخذا الطفلين معا . كان هذا القول فصل
الختام فلم يوافق عليه لا الاب ولا زوجته وبذلك ختمت المرافعة وردت الدعوى موضوعا.