المرأة العراقية والوعي السياسي



ياسمين الطريحي
2014 / 2 / 23


منذ غزوالعراق واحتلاله من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا في عام 2003 سبقه حصاردولي دام ثلاثة عشرعاما , و قد ساد البلاد عملية ممنهجة من الإبادة الجسدية والعقلية والبئيية وتلاه إقرار دستور باسم الشعب العراقي (الذي لم يكن جاهزا لاقراره حينها ) اتسم بالطائفية المذهبية والعنصرية العرقية والتمييز الجنسي ... ونصب حكومة محاصصة ولاؤها للولايات المتحدة وايران اكثر من ولائها للعراق واقل مايقال عنها انها حكومة عودة بالعراق الى اسوأ أحواله وعصوره التاريخية.
من خلال تسلسل هذه الاحداث والظروف اللاانسانية نرى بأن الشعب العراقي ونسيجه الأجتماعي قد فقد قدرة الاستيعاب لمايحدث له ولماذا يحدث اصلا ... فالتدهور السياسي والاقتصادي و انعكاسه المباشر على البنية الاجتماعية والعقلانية للشعب ومكوناته اصبحت حقيقة ملموسة ومؤلمة ... كما أن انعدام الخدمات وفقدان القانون الذي يحكم الشعوب عادة ... الخ جعل من العراق مرتعا للفساد والمحسوبية متزامنا مع ارهاب الدولة الدينى الطائفي والعرقي وهروب اموال الشعب العراقي الى الخارج وبطالة مصطنعة مستشرية بين الشباب وفقر مدقع في كل انحاء البلاد ... وحرب طائفية خفية تدور رحاها من خلال المليشيات التابعة للحكومة وبعضها مدعم من دول اقليمية (جيران) لنشر الرعب بين المواطنين البسطاء بواسطة السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة والاغتيالات بكاتم الصوت والخطف والابتزاز بهدف ترويع المواطنين وارهابهم (مثال بسيط من الاف الامثلة ... خطف شاب عمره 20 سنة في محافظة البصرة حديثا لان شعره طويل وعودته بعد ثلاثة ايام لأهله وهو بحالة يرثى لها من التعذيب والذهول لما حدث له) وسجن مئات الالاف من الرجال و النساء بتهمة الإرهاب من دون إثبات واقعي , وإستمرار تعذيب السجناء والسجينات وأحكام الإعدام المستمرة والتى رفض المالكي فيها الأنصات الى التقارير الدولية والمواثيق بوقفها ومنهم النساء اللواتي يتعرضن لكل أنواع التعذيب بما فيه الإغتصاب.
هذه هي الصورة العامة لما أصبح عليه عراق اليوم ، فالشعب العراقي أصبح شعبا من دون وطن لأن التمييز الطائفي والعرقي والدينى قد طغى على حب الوطن والوطنية. وهنا بيت القصيد (مع احترامنا للاستاذ زاهي وهبي وبرنامجه "بيت القصيد") , هنا أخذت المرأة العراقية من هذا المحورالثلاثي الطائفي العرقي الدينى النصيب الاكبر . والاكثر كارثية على العراق كوطن واحد كان يضم كل الاعراق والاديان والطوائف وكيف أصبح الآن ... و نصيب المرأة العراقية الأكبر من هذا الدمار ليس فقط بفقدان الامن بل ان هناك ما لايقل عن 5 ملايين ارملة عراقية و6 ملايين يتيم عراقي (اخر الاحصائيات) والتثكل والفقر واختطاف الفتيات الصغار وبيعهن في سوق النخاسة لامراء الخليج... بل إن المرأة العراقية أصبحت هدفا مميزا لتمزيق ماتبقى من هذا الشعب من اجل عرقلة تقدمها , وبالتالي تقدم الشعب وبناء الدولة الحديثة , وذلك بتقنين وضعها الديني المذهبي ناهيك عن التمييز الجنسي بقانون يفتقر اولا واخيرا لكل مايمت بقوانين حقوق الانسان الدولية والاقليمية والمحلية وهو قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي اصدره وزير العدل العراقي حسن الشمري في تشرين الثاني 2013 وفيه مواد تتنافي مع ماجاء به قانون الأحوال الشخصية في سنة 1958. هذا القانون اللإانساني الذي ينص بأن يكون سن الزواج للفتاة 9 سنوات وللذكر 15 سنة. مانوع العائلة التى سوف تنتجها زيجة بهذه الاعمار؟
وهنا نتساءل هل أصبح وعي الشعب العراقي أفضل من ذي قبل من أجل إحداث التغيير الحقيقي ... وهل اصبحت المرأة العراقية على وجه الخصوص أكثر نضجا ومعرفة بأحداث وطنها وتصبوا الى الثورة و التغيير من ذاتها ... خاصة ان شقيقتها العربية المرأة المصرية (من غير الدخول الى السياق التاريخي لحركة المرأة المصرية) قد شاركت في إحداث التغييرات السياسية في مصر وخاصة من خلال ثورة 25 كانون الثاني 2011 ومن خلال مشاركتها في كتابة الدستور الجديد ولازالت المرأة المصرية تناضل من أجل حقوقها ومساواتها بالرجل على كل المستويات ووقوفها جنبا الى جنب مع الرجل من اجل التغيير الحقيقي ( بالرغم من الأضطهاد الجنسي واختبار العذرية الذي مارس ضدها اثناء التظاهرات وفي السجون ) . ولن نذهب بعيدا فالمرأة العراقية الكردية قد قطعت شوطا على طريق التحرر العقلي والسياسي واصبحت تشارك زميلها الرجل في القرار السياسي وكل مايهم مجتمعها الكردي , علما أن المجتمع الكردي هو ايضا مجتمع محافظ ومتدين ... يبدو أن شجاعة المرأة العراقية الكردية أصبحت تضاهي شجاعة المرأة المصرية في النضال الدستوري والسياسي والاجتماعي من أجل تحقيق المساواة في المواطنة والحقوق والواجبات مع الرجل.
. فالتاريخ يحدثنا دائما أن نساء قوم ما قد ثاروا ضد حالة ما وأن نساء دولة ما تظاهرن أمام قصور ملوك أو رؤساء دولهم كما في دول امريكا اللاتينية للمطالبة بحقوقهن أو معرفة مصير أولادهن وأزواجهن وإخوانهن أو آبائهن الذين اختفوا اثناء سنين حكم الديكتاتور بيونشيه في تشيلي مثلا ... وأن نساء دول افريقية وآسيوية رفضن قوانين تضر بحقوقهن كمواطنات وقامت الجمعيات النسائية التى تطالب بحقوقهن والإستمرار في المطالبة بها كما في الهند وباكستان.
أما في الدولة العراقية الجديدة وتحت مظلة الأحتلال الأمريكي والغطاء السياسي الإقتصادي العسكري الإيراني ـ فقد أصبح تهميش دور المرأة العراقية هو الهدف الاساسي لتقطيع أوصال العراق ديمغرافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ليس على أساس التمييز العرقي والإثني والطائفي فحسب بل التمييز الجنسي ( فصل المرأة عن الرجل) في كل نواحي الحياة ايضا. فالأحزاب الطائفية في البرلمان والتي تضم بين أعضائها نساء لا يملكن اي قرار سياسي منفصل عن قرارات أحزابهن الطائفية ولا يمثلن المرأة العراقية باي شكل من الاشكال وخاصة المرأة الوطنية التى تعيش تحت رعب المفخخات والقتل المتواصل لأبناءها وأخوانها وازواجها عدا عن الفقر والعوز والتعذيب والإغتصاب في السجون العراقية.
لماذا لا يسمح للمرأة العراقية في أن تشارك في التغيير والنضال السلمي ... كأنها غير موجودة. هل لأنها تخاف المجتمع ونظرته الدونية لها أم تخاف السلطة وسلاحها في كسر كرامة وإنسانية المرأة عبر سلاح الإغتصاب وتحقير آدميتها وإذلالها ... اذا كان الخوف هو الذي يمنع هذه المرأة من الدخول في معترك العمل على التغيير الشامل ونشر الوعي السياسي ... فكيف باستطاعتها أن تقضي على هذه المخاوف من خطر احتقار المجتمع لها ومن تعرضها لإرهاب الإغتصاب من قبل السلطة ... علما ان قانون الاحوال الشخصية الجعفري هو ارهاب قانوني واضح ضد المرأة الانسانة والمواطنة واقتصاص من حقها " الديمقراطي" الذي أقره الدستور في حرية التعبير والتصرف والقرار . أين هو وعي تلك المرأة المحسوبة على "الديمقراطية الموعودة امريكيا" من كل هذا؟ وهنا اقصد المرأة العراقية التى لم تسجن وتعذب وتغتصب وليست الثكلى أو الأرملة أو الفقيرة بل المرأة التى رفعت إصبعها الازرق فرحة ومزهوة بغزو وإحتلال دولة ذات سيادة وإحلال "الديمقراطية وحرية المرأة" ... أين هؤلاء البرلمانيات وما أكثرهن ما شاء الله ... لانسمع لهن صوت ولا حركة في هذا الإتجاه ... فلو تكلمن فهو للأستعراض الأعلامي فقط .
ماهو دور المنظمات الأهلية النسائية التى جاء بها الاحتلال وساعدها بالاموال الطائلة من أجل "تحرير" المرأة العراقية "وإقرار" حقوقها الإنسانية المشروعة والتى شرعتها القوانين ودساتير العالم والمواثيق الدولية" كلها.
أين دور جمعيات حقوق الإنسان برفع وعي المرأة العراقية لمشاركة الرجل في إحداث التغيير الحقيقي في النظام السياسي والإجتماعي في العراق الذي يحتاج وجود المرأة ومشاركتها في التغيير أكثر من أي بلد آخر في العالم ... فإذا كان العراقي يصبوا الى التغيير وإقامة دولة مدنية متحضرة ديمقراطيا فعليه مسؤولية تهيئة الظروف لرفيقته المرأة في أن تأخذ دورها في التغيير وأن يجاهدا معا ضد ماهو تعسفي ومتحيز ضدها وضد مجتمعها كونها مكون أساسي من مكونات هذا المجتمع.
لا أميل الى الكتابة من أجل الكتابة كهدف بحد ذاته ... أكتب من أجل أن يتحرك نبض المخلصين والمخلصات من الوطنيين والوطنيات في حب الوطن ... أكتب من أجل أن أرى أن مهمة التغيير السياسي والاجتماعي المنشود وبناء حضارة مدنية في العراق لن يتم بجهد رجل واحد بل يتم عن طريق مشاركة المرأة والرجل معا كما في دول العالم كله وكما كانت حركات التحرير العربية في بداية القرن الماضي التى كانت تناضل ضد الاستعمار وفي كل تاريخ البشرية , في أن يقوم الرجل والمرأة معا يدا بيد في إحداث التغيير الحقيقى لبناء حضارة عراقية صميمة ومستمدة من حضاراتنا القديمة كالآشورية والبابلية والسومرية حين كانت المرأة هي الآلهة التى تعبد وهي التي تحكم ... إن ركائز بناء مجتمع ما لا تأتي بعكازة واحدة بل بعكازتين وإن بناء عمارة لا يأتي من أساس ضعيف ومغشوش ... فوعي وتحرك المرأة العراقية الأصيلة الوطنية هو أساس وجوهر التغيير الحقيقي ... والا سنبقى نتلكأ ونقع مرة تلو المرة وتكون المسافة بيننا وبين التغيير الفعلي المنشود بعيدة المنال وإن تمزيق العراق يصبح أسهل وأقصر ويبقى الاحتلال بحكومته الثيوقراطية القصيرة النظر جاثمة على صدور العراقيين والعراقيات لسنين طويلة ومسلسل المفخخات والقتل والسرقات يستمر طالما حجة العادات والتقاليد والدين الملثمة بالخمارالإلهي باقية ... والتي يلتزم بها الغالبية الكبرى من الشعب العراقي كهروب من استحقاق التغيير ومن أجل إبقاء العراق تحت ضلالة وظلام العصور الوسطى كما كانت اوربا سابقا .
فانما من لايريد أن يضحي بعادة أو تقليد فكيف سيقاتل ويضحي من أجل التغيير الشامل.!
د. ياسمين الطريحي