عن المرأة ..



محمد هشام فؤاد
2014 / 2 / 27

أفسح المجال لخيالك قليلاً وتخيل ماري كوري -ولمن لا يعرف فهي الفيزيائية التي اكتشفت مع زوجها عنصري البولونيوم و الراديوم المشعين، وهي أول امرأة تحصل على جائزة نوبل والوحيدة التي حصلت عليها في مجالين مختلفين (مرة في الفيزياء والأخرى في الكيمياء)- وهي تستيقظ صباحاً تُعد الافطار لزوجها الفيزيائي بيير كوري، ثم يذهب بمفرده إلى المعمل و تجلس هي تحتسي الشاي و تشاهد المسلسلات التلفزيونية حتى يأتي زوجها .. تُحضِر له الغداء .. يجلس .. يأكل بحذر شديد .. تهمس .. كم ملّت من الجلوس وحدها في المنزل؟! تود لو تعمل .. ينظر لها زوجها بوجه خال من التعبيرات ثم يرد ببرودٍ لا مبالي: (لازم تاخدي بالك من العيال) أو (أنا آجي ملاقيش أكل ان شاء الله) .. فتحتد المناقشة التي سرعان ما تنتهي باستسلام ماري على اعتبار أن "الست ملهاش غير بيتها" و "الواحدة لازم تسمع كلام جوزها".. يشرب بيير الشاي ثم يخرج ليجلس مع أصدقائه على القهوة و تجلس هي تشاهد فيلم ثم تنام و ينتهي يوم آخر في حياة ماري.

ما قرأته بالفقرة السابقة ليس مجرد خيال و لكنه يحدث بشكل يومي مع الأغلبية من نساء مجتمعنا التي قد تكون إحداهن ماري كوري أخري؛ فتتعرض المرأة لقيود لا حد لها منذ الطفولة و اضطهاد بشكل لا يطاق فقط لكونها امرأة! فتتحول المرأة من انسان له حق العيش واتخاذ القرار والاعتراض، إلي مجرد روبوت مُبَرْمَج لا قرار له ليُطع ما يٌملى عليه من أوامر! تلك المأساة لو حدثت فعلا لماري كوري لما نعمنا بإنجازاتها في مجالي الفيزياء و الكيمياء و لمرت حياتها علينا و عليها مرور الكرام.

انس ما قرأته بالأعلى و تعال نتجول في الماضي! نجد أن التاريخ قد دلنا علي أن الرجل لم يكن له دورٌ ملحوظٌ عند بداية أول نظام بشري؛ فالأطفال كانوا يُنْسَبَون للأم فقط! وكانت المرأة في مصر الفرعونية تحظى بتقدير بالغ وصل إلى أنه كان هناك ما يزيد عن أربعين إلهة تترأسهم الإلهة (نوت) إلهة السماء، كما أن فكرة الألوهية عند الكنعانيين قد ارتبطت –أول ما ارتبطت- بالأنثي فكانت الإلهة عشتار! (1) ومع نشأة العبودية علي يد الرجل الذي اكتشف دوره في الإخصاب وتكوين الجنين تغير النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبالطبع تغيرت نظرة الرجل الذي رغب في توريث كل ما يملك إلي أطفاله، فانتقل المجتمع من النظام الذي كانت تسيطر فيه المرأة إلي النظام الأبوي ومن هنا تغيرت المفاهيم، فأصبحت الذكورة أو الرجولة رمزاً للقوة والسيطرة، والأنثي بطبعها تميل إلي الخضوع والضعف وتغليب العاطفة (2)، وقد رسخت الحضارة الإغريقية الأبوية تلك النظرة العبودية للمرأة فيري سقراط ان المرأة رجل غير كامل و قد تركتها الطبيعة في الدرك الأسفل من سلم الخليقة، ويري أيضاً أن المرأة للرجل كالعبد للسيد و كالعامل للعالم و كالبربري لليوناني، وقام أرسطو بفصل الروح والعقل عن الجسد، فأصبح الرجل رمزاً للعقل والروح والمرأة هي الجسد، وقام أعلام هذه الحضارة بالإضافة إلي من خلفهم –كهيجل ولوك ومونتسيكو وأوجست كونت وديكارت- بالتأكيد علي دونية المرأة؛ فالأنوثة في نظرهم نقصٌ وتشوه، فهم يرون المرأة كائناً ناقصاً لا يكتمل إلا بوجود الرجل العنصر الأرقي والأكمل!

ومن حينها لا يمكن التحدث عن المرأة وعن أهميتها في المجتمع وعن ضرورة مساواتها التامة بالرجل دون بنيات هيراركية –تراتبية هرمية- إلا في طور الفلسفات النسوية (3) التي ترفض مطابقة الخبرة الإنسانية بالخبرة الذكورية واعتبار الرجل هو الصانع الوحيد للعقل والعلم والفلسفة والتاريخ والحضارة عامةً .. وإن تحدثت تلك المجتمعات عن المراة ودورها الفاعل المنوط بها في دوران عجلة التاريخ فلا يتم الدفع وقتها إلا بالحقوقيين الرجال كقاسم أمين ورفاعة الطهطاوي وجيل ليبوفتسكي وجون ستيوارت مل! ويكأن المرأة مخلوقٌ أبكمٌ لا يستطيع أن يواجه الحكومات والمجتمعات العبودية مُحتجاً علي ثنائيات السيد والعبد والرجل والمرأة؟!

وطبقاً لذاك الإرث الثقافي العَفِن نجد أن المرأة في مجتمعاتها تصطدم بقيود الدين والأسرة والمجتمع، هذه القيود التي جعلت المرأة لا تدور إلا في فلك الحتمية البيولوجية وضرورية الأسرة، فنتيجة لتلك القيود زُج بالمرأة في دائرة مغلقة لم تستطع أن تحرر من ربقتها إلي الآن وهي دائرة الإنجاب والأمومة وإمتاع الرجل جنسياً، وجاء الكهنة والمشايخ والقساوسة والحاخامات ومنظرو كافة العقائد والأديان لإضفاء التفسيرات الوهمية وإلصاقها بتلك الحتميات التي صُفِعت بها المرأة في مجتمعها، فالمرأة تربي وتسهر علي راحة أبنائها وتنظف وتغسل وتدير شؤون المنزل والرجل هو من يقوم بتمويل تلك المؤسسة الخدمية! ومن هنا لم يُعْرَف للمرأة دورٌ تاريخي أو سَبْقٌ علميَ خارج تلك الأُطُر والمهام التي أوكلتها إليها الأنظمة الأبوية العبودية التي تستمد قوتها من موروثات الدين والأسرة والمجتمع!

فنجد في الاسلام أن النساء ناقصات عقل و دين، وأن صوتها عورة وأنها نجسة وغير طاهرة عندما تحيض نتيجة قطرات الدم الفاسدة – علي حد تعبيرهم- مع أنها دماء فقط غير مُؤَكْسَدة، فالإسلام يمنع المرأة من اقامة العبادات من صلاة و صوم أثناء الحيض ثم يقول ناقصات دين! فهو يعاقب المرأة بيولوجيا كأن أقطع لك يدا أو قدما ثم أتهمك بنقصان الأطراف! و يجعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل في المحكمة ثم يقول ناقصات عقل! وكأن المرأة تملك نصف عقل والرجل يملك عقلا كاملا! ونري في القرآن أن آدم وحواء كليهما قد اشتركا في الأكل من الشجرة المحرمة؛ لكن الله تاب علي آدم فقط "وتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه" (4) وصيغة المفرد هنا تطرد حواء من التوبة! - في اليهودية نجد أن المرأة "حواء" قد أكلت من الشجرة المُحرمة "شجرة المعرفة" فعرفت أنها عارية، فرأت عورتها وعورة زوجها آدم فأوقعت ورائها كل أبنائها وبناتها؛ وطبقاً لجريمة حواء فآدم "الرجل" صاحب الفضيلة والمرأة هي الجاهلة وهي من تسببت في معاناة البشر- وقال رسول الإسلام النظرة الأولي لك والثانية عليك! وفي المسيحية نجد تفضيل الرجال على النساء فيقول بولس: "وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ الْمَسِيحُ. وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ. وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ" (5)..أيضا نجد أن على المرأة الصمت و ألا تأخذ إلا برأي زوجها، فيقول بولس أيضاً: "ِتَصْمُتْ النِّسَاءُ فِي الْكَنَائِسِ، فَلَيْسَ مَسْمُوحاً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُنَّ خَاضِعَاتٍ، عَلَى حَدِّ ما تُوصِي بِهِ الشَّرِيعَةُ أَيْضاً. وَلَكِنْ، إِذَا رَغِبْنَ فِي تَعَلُّمِ شَيْءٍ مَا، فَلْيَسْأَلْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ عَارٌ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي الْجَمَاعَة" (6)، و نجد في الإنجيل أيضاً أن من نظر إلي المرأة فهو زانٍ! وفي اليهودية نجد أن شهادة الرجل تعادل شهادة مائة إمرأة، كما أنها –أي اليهودية- تفرض زواج المرأة من أخي زوجها إذا ما ترملت مما يقيد حريتها في اختيار من تحب بعد وفاة زوجها! أيضاً نجد أن المرأة إذا ما أنجبت ذكرا فتظل نجسة أربعين يوماً في حين أنها إذا انجبت أنثى تظل نجسة ثمانين يوما! وبالرغم من تطور أفكار الإنسانية بعد قرونٍ من نزول تلك الأديان إلا أن أفكاراً كخطيئة المرأة وخفة عقلها ونقص دينها ما زالت عالقة بالأذهان والأفهام!

وقد أورثت تلك الأديان أفهاماً خاطئةً عن عفة المرأة وشرفها ففرضت عليها غطاءاً وثنياً قُماشياً لتخفي به وجهها ورأسها حتي لا يُفْتَن الرجل- وكانت الفلسفة اليهودية هي أول فلسفة دينية تعتنق فكرة تحجيب المرأة لتأثيم حواء لأنها ساقت إلي آدم الخطيئة- (7) فتجبر الأسر بناتهن علي ارتداء الحجاب لأنه رمز العفة والشرف والاحترام -حقا لا أتمالك نفسي من الضحك على هذه العقول التي لخصت الدين والاحترام في قطعة من القماش! – فيرون الفتاة قطعة من الحلوى يجب تغطيتها حتى لا تفسد! وحكم المجتمع على الفتاة من مظهرها أمر يثير الشفقة و يدعو للتساؤل عن إمكانية وجود ذلك العضو المسمى "عقل" في جماجم هؤلاء! تلك محجبة إذاً فهي محترمة وستنعم بالجنة! و تلك ليست محجبة فهي عاهرة و ستعلق من شعرها للأبد في الجحيم! فتري تلك الأفهام نزوات الرجل وغرائزه وشهواته ناتجة عن نظره إلي وجه المرأة وما ترتديه تلك المرأة، وبدورنا نسأل: ألا يمكن أن تثر شهوة المرأة إذا قامت بالنظر إلي الرجل؟! ألا يمكن أن تثر ثياب الرجل شهوة المرأة؟! فإذا كان غرض تلك الأغطية –النقاب والحجاب- هو عدم إثارة الشهوة بمجرد النظر، فلنقُم بتغطية الرجل والمرأة ولنفرض الحجاب علي كليهما؛ ليصبح مجتمعنا خالياً من الفتنة! فهذه النصوص التي أوجبت تغطية المرأة لشعرها ووجها كانت ترتبط بظروف مجتمعية وحتميات تاريخية، أما وأن قد زالت تلك الحتميات وتلك الضروريات فالمرأة الآن تخرج من منزلها وتعمل وتشارك في كافة أنشطة المجتمع –علي خلاف ما جُبلت عليه في المجتمعات الأولية الغير مُنَظَمة- فالحجاب في القرن الواحد وعشرين هو حجابٌ وسترٌ للعقل، وعفة المرأة وشرفها في صدقها وإخلاصها واحترامها لنفسها وللآخرين! هذا التفكير الرجعي يحوّل المرأة من إنسانة إلى مجرد آداة للجنس و وسيلة للمتعة لدى الرجال.

هذا عن الدين و موقفه من المرأة بوجه عام و كما رأيت فإنه ليس بموقف يدعو للبهجة و يدل على الكثير من التحامل و الاحتقار وتقييد الحريات، وإذا ابتعدنا عن نطاق الدين لنتجه إلي النطاق الأُسري نجد أن البنت تعاني منذ صغرها قيوداً لا يعانيها الولد بداية ًمن المشاركة الإلزامية في مساعدة والدتها مروراً بفرص التعليم الغير متكافئة، ولذا تري الحقوقية المعروفة ماري ولستونكرفت أن المرأة إذا تلقت التعليم نفسه الذي يتلقاه الرجل لكانت مساوية له من جميع الوجوه. وإن كانت محظوظة وحصلت علي تلك الفرصة التعليمية فتُقْتَل قدراتها الإبداعية ويقل تحصيلها الدراسي وتشعر بالثقل الذي تحمله علي كتفيها بسبب مهام المنزل التي تُفْرَض عليها دون الولد. يجد الولد منذ صغره من يحثه على الذهاب إلي المدرسة والتعلم بل و يعاقب إذا لم يفعل! في حين أن الفتاة قد تٌحرم من فرص التعليم للمشاركة في أعباء ومهام المنزل وفي كثير من الأحيان تضطر الفتاة لترك التعليم على الرغم من شغفها به؛ رضوخاً لرغبة أبويها، و على أي حال إذا ما شاء القدر أن تكمل الفتاة تعليمها للنهاية فمهما كان نبوغها و تفوقها فالأسرة ترى أن ذلك كله لا قيمة له دون زواج! فتُرَبى الفتاة منذ الصغر على أن منتهاها هو بيت زوجها طال الزمن أم قصر و كأنها بضاعة ما يجب على أحد بالنهاية أن يشتريها! وبالطبع الفتاة في مجتمعاتنا يعيبها تأخر سن زواجها، وتلاقي من نظرات المجتمع و انتقاده ما لا يطاق في حين أن الفتى لا يلاقي مثل هذا الانتقاد مهما طال به الزمن وهو غير متزوج، والكثير غير هذا مما تعانيه الفتاة من قبل أسرتها من قيود تضيق الخناق على أحلامها و طموحاتها، وفي نفس الوقت يعرف الولد عوالم أخري جديدة خارج المنزل؛ فيعرف اللهو واللعب في الشارع مع أصحابه، ويذهب إلي السينما ويعود إلي المنزل في ساعة متأخرة من الليل، أما المرأة فتقبع داخل المنزل كالشمعدان الذي يوضع فوق الأثاث ولا يتحرك من مكانه، فتري هذه الأُسَرة الولد هو القوة والسيطرة اليس هو من سيرث وسيحافظ علي تركة العائلة؟! فيتحكم الأخ في مصير أخته ويأمرها وينهاها ويسبها ويشتمها ويضربها وسط مباركات الام والأب .. أليس هو الرجل؟!

وانتقالاً من القيود الأسرية إلي قيود موجودة على نطاق أوسع، فالقيود المجتمعية هي أقصى ما تتعرض له الفتاة، لأن القيود الأسرية قد تستطيع الفتاة التعامل معها لمحدودية عدد الأشخاص، أما عندما تلاقي رفض و انتقاد من قبل مجتمع بأكمله فلا نرى لذلك حلاً للأسف، ومجتمعنا ينظر لكل إمرأة نظرة احتقار خاصة؛ فنظرته مثلاً للعانس هي نظرة من نوع (ما هي ملقتش اللي يبصلها) أو (ضل راجل ولا ضل حيطة)، أما الأرملة فبالنسبة للمجتمع هي سيدة تنتظر زوجاً، وبالنسبة للمطلقة فحدث ولا حرج! المطلقة يٌنظر إليها علي أنها وباء مثلاً أو أنها معيبة وإلا فلم تركها زوجها؟! بالرغم من أن الرجل المُطلّق لا يلاقي نفس النظرات بل إن ذلك يميزه لما حظى به من خبرات !! ونري أن تلك المجتمعات تعطي حق اختيار الزوجة للرجل ولا تعطي نفس الحق للمرأة، فكيف تُتْرَك حرية اختيار الزوجة للرجل دون أن تحصل المرأة علي نفس الحق في اختيار زوجها وحرية رفضه أو قبوله؟! فالرجل يقوم باختيار مواصفات زوجته، ومستوي تعليمها وثقافتها إن كانت تهمه تلك الأشياء! ويحدد مميزاتها ويتحدث عن عيوب هذه وتلك دون تكلفٍ من الأم أو الأب أو تزمتٍ أو نهره علي مغالاته في تلك المرأة التي يتشرط لها صفاتٍ لتقاسمه حياته القادمة!!

ووضعت تلك الأسر والمجتمعات الحواجز والعوائق في عملية تواصل الرجل والمرأة؛ فمنعت اختلاط الرجل بالمرأة ولمس الرجل أيدي المرأة بغض النظر عن المواقف الاجتماعية التي فرضت تلك النصوص الدينية التي لا تصلح بالطبع لعصر يعمل فيه الرجل والمرأة في نفس المؤسسات، ذلك العصر الذي يتعلم فيه الولد والبنت في نفس الجامعة، وبالطبع هذه القيود المتخلفة التي تعيق التواصل الاجتماعي بين الجنسين تتسبب في كراهية الأنثي لنفسها وآلامها النفسية التي أيضاً تنتقل إلي الولد الذي لا يجد مشاركة مجتمعية أنثوية منذ صغره! فلا تعترف تلك المجتمعات بفكرة العلاقات المفتوحة؛ فنري تناقضاً في رد فعل المجتمع تجاه الفتى و الفتاة في نفس الموقف مما يعكس ازدواجية رهيبة وغباء رجل من العصر الحجري اكتشف النار لتوه! فالفتى لا يعيبه إطلاقاً أن يكون في علاقة مفتوحة مع فتاة بل يزهو و يتباهى أمام أصدقائه و في أحيان كثيرة أمام عائلته، أما الفتاة فالمجتمع يعتبرها "عاهرة" أو "ماشية على حلّ شعرها" وكأنها لا تملك الحق في أن تحب، وكأنها ليس من حقها أن تكون حرة في اختياراتها وأسلوب حياتها، ناهيك عن رد فعل عائلتها الذي غالبا ما يكون عنيفاً لدرجة تجبر الفتاة على إنهاء العلاقة و الرضوخ لرغبة أبويها اللذان يقيدان حريتها بدافع الحماية في الظاهر و بدافع الشك و التملك في الباطن.

وتأتي قوانين الزواج التي تكبل المرأة بالمصطلح الفضفاض الخادع "الطاعة" في مقابل إنفاق زوجها عليها دون النظر إلي إمكانية إعالة المرأة للزوج والأسرة فتصبح الطاعة وقتها فرضاً علي الرجل .. أليست هي من تعول وتنفق؟! ونري أن كافة القوانين في بلادنا مدنية إلا قوانين الأحوال الشخصية والزواج والطلاق وتعدد الزوجات والنسب؛ فإذلال النساء وقهرهن وعبوديتهن يتم تحت غطاء الأديان والشرائع؟! أي جرائم هذه التي تُرْتَكَب باسم الأديان؟! فنري أن تلك القوانين تنظر للمرأة علي أنها سلعة تُباع وتشتري، وقوانين النسب والزنا التي تقاضي المرأة مجتمعياً وقضائياً التي تسقط عقوبة الزنا عن الرجل الذي يتزوج المرأة التي زنا بها وتعيش المرأة وقتها مع رجل تكرهه، وإن لم يتزوج بها وإن لم يعترف بجريمته، فتواجه المرأة مصيرها المجهول في معركة النسب مع هذا المجتمع الذي يرفض نسب الطفل لأمه كما طالبت بذلك د. نوال السعداوي، وقوانين المواريث التي تعطي الولد ضعف البنت دون تغيير ذاك القانون الخطير مساواةً للمرأة مع الرجل كما حدث في دول كثيرة -ومنها دول إسلامية- فالمرأة الآن تعمل وتعول وتحصل علي أجر وأصبحت مسؤولة في الجهاز التنفيذي للدولة وأصبحت طبيبة وقاضية فكيف تحصل علي نصف ما يحصل عليه الولد طبقاً لنصوص فُرِضَت في مجتمعات لم تكن المرأة تخرج فيها من منزلها؟! وكيف ترتبط هذه المرأة التي أصبحت الآن قاضية وطبيبة ووزيرة وأستاذة بالجامعة بموافقة الأزواج ورجال العائلة في السفر أو الحصول علي توقيعهم وإقراراتهم عند تجديد جواز السفر؟! كيف تتحكم هؤلاء النساء في مصير آلاف المرضي وطلاب الجامعة ولا تستطيع أن تتحكم في قراراتها الشخصية؟! فقط لأنها تُحكَم بنصوص ترتبط بأعراف وضروريات قد زالت أسبابها الآن؟! وكيف تُحرَم المرأة من الولاية ومن الرئاسة وقد أصبحت مشاركة الآن بقوة في الحياة السياسية، ورأينا كيف تحكمت نساء في دوران عجلة التاريخ كأنديرا غاندي ومارجريت تاتشر وجولدا مائير وبناظير بوتو وحنان عشراوي وفالنتينا تشيريكوفا وسميرة موسي وكوندليزا رايس وأنجيلا ميركيل وماري كوري؟! (8) فالمصلحة لابد وأن تعلو وتتغلب علي سلطة النص، كما أن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية تفرض بطبعها تغييرات قانونية وأخلاقية ودينية.

وتأتي قضية هامة تعاني منها المرأة في كافة المجتمعات وهي قضية "الختان" التي أثبِت ضررها علمياً ليس فقط علي المرأة وعلي الولد أيضاً؛ فالغُرلة -أي الجزء الذي يقطع من قضيب الرجل له- هو نسيجٌ حي أُثْبِت دوره الهام في القضاء علي الميكروبات التي تعلق بعضو الذكر، والبظر -أي الجزء المقطوع من عضو النساء- له دورٌ هام في الشهوة الجنسية لدي المرأة وبسببه لا تحصل المرأة علي لذتها الجنسية كاملةً ولذا فتُتَهَم أحياناً بالبرود الجنسي من جانب الزوج الذي يشاركها الفراش، بالإضافة إلي الأعباء النفسية التي يحملها كلا من الولد والبنت عند تذكرهم لتلك العملية التي قُطِعَت فيها جزء من أعضائهم التناسلية، والختان هو إحدي الموروثات القديمة في المجتمعات العبودية والإقطاعية التي كانت تختن النساء وتخصي الرجال إيماناً منهم بأن العبد المخصي هو العبد ذو الأخلاق الحميدة واحترام المرأة يتعلق بختانها، فهذه المجتمعات المتخلفة -التي نسير الآن علي ركبها- ربطت الطهارة والعفة والشرف والكرامة ببتر الأعضاء الجنسية للرجل والمرأة! وتبلغ النسبة المئوية للفتيات اللاتي تعرضن للختان في مصر حوالي 91 % و هي نسبة مرعبة لا تتفوق عليها سوى جيبوتي و غينيا و الصومال بنسب 93% و 96% و 98% على الترتيب (9).


وفي ذلك تقول د. نوال السعداوي (10): يرجع ختان الإناث في التاريخ إلي بداية النظام الطبقي ونشوء النسب الأبوي وفرض نظام الزواج الأحادي علي النساء فحسب. لقد أدرك النظام العبودي منذ نشأته أن الأبوة لا يمكن أن تُعْرَف إلا بفرض النظام الأحادي علي النساء، وتُرِك للرجال حرية تعدد الزوجات، ولم يكن من الممكن فرض مثل هذه الازدواجية دون قوانين وعمليات لقمع النساء داخل البيت وخارجه بحيث لا يشك الرجل في أبوته للأطفال. من هنا نشأت عملية الختان لحرمان المرأة من العضو الجنسي الأساسي في جسمها، وبالتالي تتفرغ للخدمة في البيت دون أن تعطلها الرغبة الجنسية عن أعمالها المنزلية أو تشجعها علي التطلع إلي رجلٍ آخر غير زوجها"!

وتري المُفَكِرة الفرنسية سيمون دي بوفوار -1908-1986- أن المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح امرأة! وتري أيضاً أن كل فئة حط بها الظلم كانت أقلية إلا النساء والبروليتاريا! ولذا نري أن معركة المرأة ستزال طويلة طالما لا يشاركها الرجل معركتها ضد تراتبية وثنائية السيد والعبد والرجل والمرأة، ولابد وأن تميل تلك المعركة لتتجه قليلاً إلي ناحية النساء اللائي يحملن في رؤوسهن تلك الأفكار العبودية الموروثة من تلك النظم الطبقية.









الهوامش:



(1) انظر رسالة الماجستير (بحث) "الإلهات المعنيات بالسماء في مصر القديمة" لـ د. أحمد محمد البربري 1996.

(2) انظر كتاب"عن المرأة والدين والأخلاق" ص62، د. نوال السعداوي، مكتبة مدبولي، ط 2005.

(3) النسوية Feminism كانت حركة اجتماعية في القرن التاسع عشر وتحولت إلي فلسفة في سبعينيات القرن العشرين، انظر كتاب "النسوية وفلسفة العلم"، د. يمني طريف الخولي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، ط 2014.

(4) انظر القرآن، سورة البقرة، الآية 37.

(5) بولس في رسالته الاولى إلى كورنثوس (11 : 3 - 9).

(6) بولس في رسالته الأولى إلى كورنثوس (14 : 34).

(7) انظر كتاب "توأم السلطة والجنس" ص138، د. نوال السعداوي، مكتبة مدبولي، ط 2005.

(8) انظر كتاب "التاريخ امرأة"، مني رجب، مكتبة الأسرة، ط1998

(9) انظر الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).

(10) انظر المصدر رقم (2) ص67.

(11) انظر كتاب "الجنس الآخر"، سيمون دي بوفوار، دار الأهلية للنشر والتوزيع، ط 2008.