الحس الإنساني في كتابات المرأة Anaba Biskra مثالا.



عباس علي العلي
2014 / 3 / 1

الحس الإنساني في كتابات المرأة
Anaba Biskra مثالا.

الحرف الأنثوي حرف حساس متحرك في كتلة ضخمة من العواطف ناقلا شعور إنساني يتميز بالنعومة والحدية وبشفافية تكاد تطغي على كل الكتابات الخاصة بها حتى لو لم تكن ذات طابع وجداني أو شخصي ويتميز بشحنة عاطفية جياشة ,هذا المنحى الإبداعي عند المرأة يعكس جانبين مهمين جدا من جوانب البيئة الذاتية لها ,الجانب التكويني الفريد الغرائزي الذي تتميز بها كل سلوكيات المرأة حتى لو أدعت التجريد المنتمي للموضوعي كما في كتابا سيمون دي بوفوار الوجودية , لقد كانت الشخصية الأنثوية الحوائية حاضرة وبقوة برغم ما عرف عنها أنها لعبت دورا مهما في تطوير الفكر الوجودي و مساواة المرأة بالرجل في القرن العشرين. ركّز عدد من رواياتها على مواضيع الوجودية،مثلا محاولة ايجاد المعنى و الغاية في عالم سخيف. بدأ انخراطها بالوجودية عام 1929 عندما التقت جان بول سارتر في السوربون.
فهي أنثى في حدود إنسانيتها التكوينية ولا يمكن أن تطرح نموذجا مغايرا للطبيعة التكوينية لها ولا لانتمائها الجنسي لذا نرى أن غالبية الأدب النسوي هوة أدب ذاتي بمعنى ذات نون النسوة وخارج مفهوم الخروج من التكيف الوصفي لها , لذا فإنها عندما تكتب تذهب مباشرة لموضوع الاختلاف الجنسي الاختلاف التركيب الطبيعي بينها وبين الرجل الذي هو في نظرها كائن اخر شيء اخر مختلف ومناقض((في كتابها الشهير (الجنس الاخر) تقول بوفوار لتتعقب النمط التاريخي لقمع الرجل للمرأة من خلال مصادر تاريخية و ادبية و حتى اسطورية كان استنتاجها ان القمع الحالي الذي تعانيه المرأة يعود بشكل كبير الى فكرة ان الرجولة هي المعيار بينما الانوثة هي شيء آخر و مختلف, هذا يقود الى الشعور بغربة الذات التي تنفرد بها المرأة,هذا الإحساس هو نتيجة لشعورها هي بأنها شيء مختلف وهو ما لا أنكره أنا,تبقى الأنوثة عالم قائم بذاته يحمل هواجس انفرادية تعاني وعلى مر التأريخ غربة وتشتت من المحيط الموضوعي ومن الذات التي لم تستطع أن تفرض على الاخر وعي حقيقي فيها حتى مع أشد المفاهيم الاجتماعية استقرار واعترافا بحقوق المرأة.
الجانب الثاني الذي تنطلق منه الكتابة النسوية أو الأدب الأنثوي هو الجانب التكويني المتعلق بالتكيف البدني الفسيولوجي والبيولوجي فهي تتعامل مع الأخر بأعتبارها كيان يمتاز بالرقة والحساسية والضعف البنائي الذي لا يعني بأي حال ضعف قي الطاقات أو العطاء ولكن ووفقا للمظهر التكويني تستشعر هذا الضعف وتقر به مما يؤدي بها إلى أن تكون أفعالها السلوكية الحسبة مطابقة تماما لهذه البنية,وهي تعلم أن حاجتها الملحة هو الشعور الدائم بالأمان الشعور المستمر بكون الوجود الأخر ضروري وحتمي لها ,لذا فهي تتعامل من هذا الميل المبدئي بكل رومانسية وبكل وجودية لتثبت أنها مطلوبة ومرغوبة من الطرف الاخر وهذا الميل دوما له ثمن من الطرف الأقوى الطرف الذي يظن أنه المعني الدائم بهذه الحكاية.
هذه المقدمة أسوقها وأنا أتابع نوع جميل من هذا الأدب الأنثوي المضمخ بطيف من المشاعر الحساسة والغارقة بالذاتية الأنثوية التي تستصرخ من داخلها رافضة للتجهيل والتغييب الذي يمارسه الأخر والتجاهل القاتل منه قي كتابات الكاتبة العربية عنبة بسكرة نجد هذه الصرخة(( احبك الى متى سينتهى عذابى والى اين ستنتهى بى الاحلام افتقد كل تفاصيل الاحساس وحدى امارس هواية الترقب ووحدى اتجرع كأس المرارة والنوح افتقدك اتمنى الكثير ولا اجده احاول ان ارمم الروح بالصبر والغياب)),فهي تعلن بكل وضوح تمردها ورضوخها في أن واحد تحمل الطرف الأخر مسؤولية الغياب والتغيب,
في كل كتابات عنبه هناك دوما أنثى تصارع ذاتها مرة وتصارع ضعفها مرة ولكن يبقى الصراع مع الأخر المختلف هو صراع طاغ محرك ثائر لا يهدأ لأنها لم تزل تبحث عن ذاتها في الأخر,هذا يؤكد أنها بحاجة دائما للشعور بالانتماء لكيان مشترك ورفضها للوحدة((حاول ان التمس لنفسى بعض الراحة لازلت احاول الامساك بخيالات الشارد لأرسم وجهك الحقيق واراك ارانى اغفوا بحلم صغير وبيت صغير وحبيبة جميلة سكنت عنى المسافات)),هذا الهاجس لم يفارق معظم الكتابات النسوية بل يمكن ان يكون هو النمط السائد غالبا في سعيها للإحساس بالأمان.
دارسي الأدب النسوي عموما يرون في كتابات الأنثى إفصاح عن عالم متأزم أو يعيش أزمة ذاتية مصدرها شعور المرأة يظلم الرجل كمجتمع وكقيم وتقاليد ,الحقيقة أن الأدب الأنثوي لا يعبر عن هذه الأزمة بالصورة التي يطرحها البعض ,نعم هي تعيش الواقع المأزوم وتشارك في البحث عن الأزمة ولكنها أيضا تعلم أن أزمتها هي من ظلال أزمة الإنسان الضائع بين حلم الجنة وبين واقع القهر اليومي,هي نصف المجتمع بل والنصف الأكثر حيوية وتأثيرا في صنع القيم لذا يكون إحساسها بالأزمة أحساس طبيعي وحقيق وصادق.
((ان الانوثة ليست وضعا تولد المرأة عليه و انما هي شكل يحتويها)) بين الولادة والتشكيل تصنع المرأة وجودها ليس بعيدا عن عوامل اقوى منها وليس خارج أطر المجتمع بل أن أصابع الواقع هي الأكثر فاعلية في أعادة تشكيل صورة الأنثى بالشكل الذي يريده المجتمع بل ويرغب به,التمرد قانون خارج قوانينه فهو لا يرغب بالمتمردة ولا يرغب أصلا بالخروج عن قوقعة الشكل الذي وضع ملامحه وفقا لأساسياته وركائزه الخاصة,ولا يمكن تغير هذا الفرض إلا من خلال محرك القوة الأساسي السلطة الاجتماعية بكل فروعها وأشكالها ,عندما جاء الإسلام أول مرة وفرض واقع تغييري جذري في مفهومه الخاص للأنثى سلم المجتمع بقوة وتعامل مع الواقع ليس إقرارا حقيقيا ولكن من خلال القبول على مضض القبول المؤقت وأيضا بقى يحمل الشك والريبة في داخله ضد المرأة,هذا الشكل هو في النهاية شكل المجتمع وملامحه ملامح المجتمع,فقط أنه يحمل تسمية أنثى.
تقول الكاتبة عنبه عن نظرتها التي تتكلم بها باسم الأخر ((او تعلمين اننى لازلت اعرف ان حروفك هى اللغة الخفية التى تهزمني وتجبرني على ان اكون انسانا)),هذا الكلام يظهر حقيقة الطموح الأنثوي الذي تريده هي وتتمناه لأنه يمثل لها قمة مشروعها,فمة الأمل الذي يمنحها الرضا والسكينة والأمان,بهذه اللغة البراقة المفعمة بالحيوية ترسم ما تريد وتطلب ما تريد,هي لم تستخدم لغة الخطاب الفحولي المراوغ الباحث عن الإشباع الغريزي,تتكلم عن جوهر العلاقة الإنسانية التي يمكنها ان تعبير من خلالها ات تذوب في الاخر والأخر يذوب فيها كي تكسر حاجو الـــ (هو و هي),إنها تفهم الإنسانية بهذا التوحد والاندماج دون أن تفرض شروط خارج واقع وجوهر الإنسان ,لذا هي ترى في وجود الأخر وجود كلي وفي وجودها في حياة الأخر وجود كلي.