حق المرأة اساس حقوق الانسان في الشرائع السماوية والوضعية



حسن محمد طوالبة
2014 / 3 / 4

حق المرأة اساس حقوق الانسان في الشرائع السماوية والوضعية
المبحث الاول .. تكريم الله للانسان
الإنسان هو أصل الفرد الذي خلقه الله تعالى من تراب وخلق منه زوجه وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، وهو الذي كرمه الله على كل خلقه، وجعله خليفته في الأرض . وهذا الإنسان الذي ميزه الله بالعقل عن باقي مخلوقاته قد أبدع واخترع وبنى وشاد حضارات عظيمة، واختار الله الأنبياء والرسل من بني الإنسان، وكل ما ندرسه اليوم من نظريات وقوانين ودساتير هو من إبداع الإنسان. فالإنسان كائن عظيم جمع في ذاته معظم الثنائيات المتضادة ففيه الرحمن والشيطان معاً، وفيه الخير والشر، وفيه الغلظة والرقة وغيرها. والإنسان هو الذي ابتكر كل النظريات في مختلف العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية.
ان خلق الانسان جاء لغايتين هما : أن يعبدوا الله تعالى, وأن يعمروا الارض .فالمهمة الاولى قاطعة لقوله تعالى ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) الذاريات -51 . والمهمة الثانية قاطعة ايضا لقوله تعالى ( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ) البقرة ـ 21 .
المهمة الاولى واجبة على الانسان ذكرا كان أم أنثى . وقد استجاب الاثنان لاداء هذا الواجب الرباني .أما المهمة الثانية فقد اختلف فيها , واسندت مهمة الاعمار والبناء الى الرجل حصرا , وأوكلت للمرأة مهمات محدودة لا تساوي شيئا من مهمات الرجل . وقد تباينت هذه المهمات بين أمة وأخرى , بين دولة وأخرى .ومنذ فجر الخليقة لم تمنح المرأة الفرصة الكافية للعمل والعطاء , كما هي الفرصة التي اقتنصها الرجل وخص بها نفسه , حيث احتكر المهمات القيادية في الدولة والمجتمع , وخاصة المجتمع القبلي .
وعندما يتحدث الكتاب والمفكرون عن حقوق الإنسان من حريات فردية وجماعية، فإن مثل هذه الحريات ليست مجرد حقوق بل هي ضرورات لكي تكتمل إنسانية الإنسان، ويكون أهلاً لعبادة الله الخالق حق عبادته.صحيح ان الانسان لم يكن المخلوق الاول من خلق الله , بل كان ثالث المخلوقات بعد الملائكة والجان , ولكن الله تعالى كرمه على كل خلقه الآنف ذكرهم , وأمرهم بالسجود له , فسجدوا كلهم الا ابليس فسق عن أمر ربه وغوى .
المبحث الثاني ..القوانين الحامية للانسان
لقد شغلت الحقوق الممنوحة للانسان في الرسالات السماوية , فكر الحقوقيين والسياسيين منذ القديم , كما شغلت حقوق الإنسان اهتمام الدول منذ القديم، ولقد تفاوتت العناية بهذه الحقوق بين دولة وأخرى، وبين حضارة وأخرى، وبين ديانة سماوية وأخرى. وكان الإنسان الفرد طيلة قرون عدة خاضعاً للجماعة، أي للدولة أو القبيلة. وكانت سلطة الدولة هي التي تحدد للفرد حرياته. وظل الإنسان الفرد مجرداً من حرياته التي تعد بمثابة حقوق واجبة على السلطة، حتى قيام الثورات في فرنسا وبريطانيا وأمريكا. وعادت بعض الدول إلى مضامين الأديان التي رعت حقوق الإنسان.
وقد جاءت عناية القوانين الوضعية على مستوى الدول، ثمرة جهاد الإنسان لنيل حقوقه التي رعتها الديانات السماوية، وحاد الإنسان عنها، بدوافع الأنانية والتسلط والرغبة في التحكم. وزاغت أعين البشر عنها , امعانا في ارضاء رغباتهم الحسية وأنانياتهم وحبهم للتسلط ورغبتهم في التحكم . وتفاوتت العناية بهذه الحقوق بين مجموعة وأخرى , بين دولة وأخرى . ومع ذلك فقد ظلت سلطة الدولة هي التي تحدد للفرد حقوقه وحرياته .. وقد نتج عن اجتهاد المفكرين القانونيين اكثر من علم يعني بحقوق الانسان ففكان القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان : فهما مصطلحان متداخلان، يعنيان بالإنسان وكرامته الإنسانية، سواء في الحرب أو في السلم. ولكن رجال القانون أثاروا جدلاً واسعاً للتميز بين القانونين، فقالوا أن "القانون الدولي الإنساني" هو خاص بالدول، مطلوب منها ومن جيوشها أن تراعي حقوق الإنسان المقاتل عندما يجرح أو يؤسر في المعركة، ولم يعد في عداد المقاتلين، أما حقوق الإنسان الأخرى الشخصية والجماعية فهي تقع تحت خيمة القانون الثاني "القانون الدولي لحقوق الإنسان" فهي حقوق للإنسان الفرد في الأسرة وفي المجتمع، أي في إطار الدولة".
القانون الأول شرعته اجتماعات ومؤتمرات دولية، صار ملزماً لكل دولة وقعت عليه بالأحرف الأولى، وصادقت عليه في مؤسساتها التشريعية، أما القانون الثاني، فهو من اختصاص دول العالم، وقوانينها القومية – الوطنية التي صاغتها مستندة الى شرعة الاديان والقوانين والاتفاقيات الدولية الصادرة عن الامم المتحدة او التي اقرتها الامم المتحدة ، ولأن حقوق الإنسان من الأهمية بمكان صار لها قوانين دولية ما زالت غير ملزمة للدول القومية أن تسير بهديها وتراعي حدودها بالكامل.
إن مصطلح القانون الدولي الإنساني بمعناه الواسع، سواء في التشريعات والقوانين العامة هو الذي يكفل احترام الفرد ويُعزز مكانته في الحياة الاجتماعية ويطلق الأستاذ الدكتور (جان س. بكتيه) نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر سابقاً، المحاضر في جامعة جنيف، على القانون الدولي الإنساني "القانون الإنساني" لأن الإنسانية مفهوم شامل للبشرية في كل مكان في هذا العالم، ويرى (بكتبه) أن القانون الإنساني يتكون من فرعين هما:
1. قانون الحرب.
2. حقوق الإنسان.

ويرى آخرون إضافة فرع ثالث إليهما هو "قانون السلام"، ومعهما حق , لأن السلام هو نقيض الحرب، وما من حرب قامت في التاريخ إلا وكان لها نهاية، إما بنصر أحد الطرفين المتحاربين واستسلام الآخر، وبالتالي تحقيق "السلام المهزوم" أي الاستسلام. وإما تحقيق السلام من خلال الاتفاق بين الطرفين المتحاربين مباشرة، أو من خلال وسيط دولي، قد يكون دولة، أو تكتل دول، أو هيئة أممية.
لقد وضع القانونيون الحرب والسلام في إطار قانوني، أما حقوق الإنسان فقد ظلت عامة، لم تخضع إلى قانون أو بالأحرى إلى قوانين، وإن بعضهم قد وضعها تحت تسمية "القانون الدولي لحقوق الإنسان".
وإذا جاز أن القوانين الدولية قد تلزم الدول ذات السيادة، للعمل بموجبها عندما توقع عليها وتصادق عليها مؤسساتها التشريعية، وحتى لو التزمت الدول بهذه القوانين نظرياً. فهل يمكنها أن تطبقها حرفياً..؟ وعلى سبيل المثال معظم دول العالم وقعت على اتفاقيات جنيف الأربعة وصادقت عليها، والخاصة بمعاملة الجرحى الجنود في الميدان البري والميدان البحري، وكذلك الجنود الأسرى الذين لم يعودوا في عداد المقاتلين الرسميين معاملة حسنة تحفظ لهم حياتهم وكرامتهم الإنسانية، فهل تستطيع الدول التي تخوض الحرب أن تراقب جنودها في الميدان كيف يتعاملون مع جرحى وأسرى أعدائهم..؟ ألم تشهد الحروب فظاعات ضد الإنسان الفرد عندما يُجرح أو ويؤسر في ميدان المعركة ؟ , كم من الجنود الجرحى تم الإجهاز عليهم في ميدان المعركة.. وكم من الأسرى قتلوا وهم مكبلون بالقيود أو معصبي الأعين..؟! . وإذا كانت اتفاقية جنيف الرابعة معنية بعدم تعريض المدنيين للخطر والموت وقت الحرب، فكم من المدن والأحياء والبنايات تم تدميرها فوق رؤوس ساكنيها ؟ . ومع ذلك لم يقدم مجرموا الحرب إلى أية محكمة قومية داخل الدول أو محكمة دولية.
وكذلك الحال بالنسبة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي هو من اختصاص الدول القومية، أي قانون داخلي في إطار السيادة القومية، فهل يمكن لأي قانون ومعه أجهزته الرقابية أن تمنع اضطهاد الزوج لزوجته، أو اضطهاد الأب لأبنائه، أو اضطهاد رب العشيرة أو القبيلة لأفراد قبيلته أو عشيرته أو للعبيد عنده.. ومن يمنع اضطهاد الأسر للخادمات اللواتي يخدمن في البيوت. إن الأمثلة كثيرة على أن القوانين وحدها لا تحد من اضطهاد الإنسان والمس بكرامته الإنسانية، كونه بشراً دون تمييز في اللون والعرف والدين والقومية، والقوانين وحدها لا تمنح الإنسان حقوقه، بل إن هذه الحقوق ذات طابع إنساني أخلاقي، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتربية الدينية والأخلاقية والفلسفية، وحيثما يكون الإنسان الفرد المقاتل في الجيش أو في الشرطة أو في مؤسسات الدولة، متحصناً بمجموعة من القيم والمثل الأخلاقية والروحية، بمقدار ما يراعي حقوق الإنسان دون رقيب عليه. بحيث يكون ضميره هو الرقيب، ويكون إيمانه بالله وبالعقيدة التي أمر بها تعالى هي الدافع إلى احترام حقوق الإنسان، والمانع له من خرقها أو التجاوز عليها.
نخلص إلى اجتهاد أن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، مصطلحان يكمل بعضهما الآخر، فالقانون هو الإطار المنظم للحقوق والواجبات والعلاقة بين الأفراد بعضهم مع بعض، وبينهم وبين السلطة – الحكومة – أما الإنسان فهو أصل الفرد الذي خلقه الله تعالى من تراب وخلق منه زوجه وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، وهو الذي كرمه الله على كل خلقه، وجعله خليفته في الأرض . وهذا الإنسان الذي ميزه الله بالعقل عن باقي مخلوقاته قد أبدع واخترع وبنى وشاد حضارات عظيمة، واختار الله الأنبياء والرسل من بني الإنسان، وكل ما ندرسه اليوم من نظريات وقوانين ودساتير هو من إبداع الإنسان. فالإنسان كائن عظيم جمع في ذاته معظم الثنائيات المتضادة ففيه الرحمن والشيطان معاً، وفيه الخير والشر، وفيه الغلظة والرقة وغيرها. والإنسان هو الذي ابتكر كل النظريات في مختلف العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية.
إزاء كل هذا التقدير لهذا المخلوق المميز من الله تعالى، والذي عمّر الأرض بالخير والشر معاً، ألا يستحق أن يخصص له علم كامل يرعى شؤونه؟ ألا يستحق الإنسان الذي نظم معظم أمور الحياة، وابتكر كل ما يوفر الراحة له، أن يصوغ أركان هذا العلم الذي يحافظ على ضرورات حياته...؟
وعندما يتحدث الكتاب والمفكرون عن حقوق الإنسان من حريات فردية وجماعية، فإن مثل هذه الحريات ليست مجرد حقوق بل هي ضرورات لكي تكتمل إنسانية الإنسان، ويكون أهلاً لعبادة الله الخالق حق عبادته.
إن القانون هو الذي يصف نوع الجرم ويضع العقاب له، وتُلقى المسؤولية على الجهاز التنفيذي في الدولة وعلى القضاء فيها لإحقاق الحق. ولكن السلطة التنفيذية من شرطة وأمن والسلطة القضائية، لا تعمل على صون حقوق الإنسان إذا لم تقدم لهم شكوى من إنسان مظلوم في كرامته الإنسانية. وبحكم العادات والتقاليد السائدة في بلدان عالم الجنوب، ومنها بلداننا العربية، لا يتقدم المظلومون بشكواهم إلى دوائر القضاء، فتسكت الزوجة على ظلم زوجها، والابن على اضطهاد أبيه له، والخادم على انتهاك سيده له وهكذا..؟ وعليه فإن حقوق الإنسان تظل مصادرة ومغيبة في معظم الحالات رغم وجود القانون الذي يحفظ للإنسان حقه، فما العمل؟!
هنا نأتي إلى الشق الثاني الخاص بالإنسان. أي كيف تُنمي الدولة بكل مؤسساتها المشاعر الإنسانية لدى أفرادها..؟ وهذه – كما نعتقد- مهمة مشتركة بين علماء القانون والفقه والشريعة الإسلامية والفلسفة والأخلاق والاجتماع والتربية. وهذا العلم ليس اختصاص القانونين فحسب، بل هو مطلب كل من يدخل باب العلم في المدارس والجامعات بهدف تنمية الضمير الحي، والأخلاق الفاضلة والمثل العليا والكرامة الإنسانية لدى كل فرد من أفراد الأسرة العالمية.
وبمعزل عن هذا الإطار النظري فإن الوعي بالقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بات ضرورة لكل انسان الذي قد يعمل محامياً أو قاضياً، وضرورة للدبلوماسي والعلاقات العامة، لكي يعرف كيف يصوت في المحافل الدولية على القرارات والمقترحات. وضرورة للاعلامي الذي يعمل في وسائل الإعلام المتعددة (المقرؤة والمسموعة والمرئية)، وكان واعياً لحقوق الفرد البشري عندما يغطي حرباً دولية، أو حرباً أهلية أو أية نزاعات داخلية، وضرورة لعالم الاجتماع الذي يعمل في منظمات الأسرة ورعاية الأمومة والطفولة. وضرورة للطبيب الذي يعمل في منظمات الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر أو في مستشفيات الميدان أثناء الحرب أو الاضطرابات الداخلية .
إن الوعي بمفردات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من مستلزمات معظم القطاعات العاملة في الدول فمهندس الميكانيك والمهندس المدني لا بد وأن يأخذوا بعين الاعتبار الحفاظ على البيئة عندما يشقون الطرق، أو يشرفون على الصناعات التي تستخدم شتى أنواع الوقود التي تُلوث البيئة وتضر بصحة الإنسان، والمهندس الزراعي مسؤول عن نوعية الأسمدة والمضادات الحشرية التي قد تضر بصحة الإنسان وتسبب له أمراضاً قاتلة مثل مرض السرطان، والضابط مسؤول عن إدارة المعركة التي يقودها بحيث يحافظ على تطبيق مضامين الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية جرحى الحرب وأسراها، والحفاظ على المدنيين والمنشآت المدنية التي تخص المدنيين ممن يعيشون في الميدان الجغرافي للحرب. وكيفية إدارة معسكرات الأسرى وفق اتفاقيات جنيف الثالثة، وهكذا بقيت التخصصات الأخرى.
إن ابناء المجتمع الذين يشغلون كل الوظائف الآنف ذكرها بحاجة للتعرف على أساسيات القانون الدولي الإنساني، لكي يعتادوا على نمط التفكير القانوني في النظر إلى خروقات حقوق الإنسان. سواء في ميدان القتال، أو ما ينتج عن الحروب من مآسي التهجير أو اللجوء أو ترمل النساء، ويُتّم الأطفال، وكذلك شيوع حالات الفقر والمرض والبطالة وغيرها من الأمراض الاجتماعية.
إن فهم القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يقتصر على الإطار النظري فحسب، بل لا بد من إخضاع النظرية أي القانون إلى حيز التطبيق، من خلال التجارب التاريخية في الماضي والحاضر، وقد تكون التجارب والأمثلة مناقضة للاتفاقيات الدولية والإعلانات العالمية. أو أنها خرقت مضامينها ولم تلتزم ببنودها، إما لجهل في البشر، أو لتجاهل منهم لهذه الاتفاقيات.
المبحص الثالث .. قانون القوة والحرب
أكدت سجلات التاريخ القديم والمعاصر أن الغزوات والحروب هي من أكبر أسباب قتل الإنسان وانتهاك إنسانيته. والحروب تعتمد القوة العسكرية لتحقيق الانتصارات والمكاسب والمغانم. وقد صارت القوة مادة خصبة للكتاب والمفكرين والسياسيين. ومن الواضح أن البشرية عانت الويلات والمآسي والآلام من جراء الحروب العديدة، التي نالت حصة كبيرة في سنوات عمر الأمم والشعوب وعمر الدول والإمبراطوريات والإمارات. وفي دراسة أجرتها مؤسسة (كارنجي) للسلام عام 1940 عن حروب العالم في التاريخ، ذكرت أنه منذ العام 1496 ق.م وحتى عام 1861م، أي خلال 3357 سنة، شهدت البشرية (227) سنة من السلام مقابل (1130) سنة من الحروب، أي أن كل سنة سلام يقابلها 13 سنة حرب. وفي إحصاء أحدث ظهر أنه خلال (5560) سنة وحتى 1945 وقعت (14531) حرباًً، ولم ينعم أكثر من عشرة أجيال بالسلام خلال (185) جيلاً عاشتها البشرية.
لقد أوقعت هذه الحروب المدمرة ملايين الإصابات بين قتيل وجريح ومعوق، إضافة إلى تدمير البنى التحتية للكثير من بلدان العام، وتلويث البيئة فيها بحسب المقذوفات الحارقة والكيماوية والجرثومية والمخصبة ذرياً. وقد شهدت أوروبا حروباً دينية وقومية عديدة، كما شهدت في القرن العشرين حربين عالميتين راح ضحيتها عشرات ملايين البشر بين قتيل وجريح غالبيتهم من النساء والاطفال . وعلى سبيل المثال أوقعت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) حوالي أربعين مليون قتيل نصفهم من مواطني الاتحاد السوفيتي السابق. إضافة إلى الدمار الذي لحق بالممتلكات في العديد من الدول، وشهدت الحرب العالمية الثانية أول استخدام للقنابل النووية ضد مدينتين في اليابان (هيروشيما 6 آب 1945 وناغازاكي 9 آب 1945). ولذلك حرص السياسيون في أوروبا على صياغة وثائق وصكوك تعالج التجاوزات والاعتداءات على حقوق الإنسان، فتم صياغة اتفاقيات جنيف 1949، والحقان "البروتوكلان" لعام 1977 الدوليان الملحقان وكذلك إعلانات صادرة عن الأمم المتحدة، وكلها محاولة جادة لوضع حد لانتهاك حقوق الإنسان أثناء النزاعات والحروب.
وشهدت بلدان العالم وخاصة بلدان الجنوب حروباً خاطفة وسريعة ولكنها كانت ذات تأثير خطير على حياة الإنسان وكرامته، نظراً لشراستها وخطورة الأسلحة التي استعملت فيها. وقد نجم عن هذه الحروب كوارث إنسانية مروعة من قتل وجرح وتدمير للممتلكات الشخصية، والمؤسسات الحكومية والمنشآت الصناعية والزراعية، والمواقع الثقافية والأثرية.
لم تقم الحروب برغبة من مواطني الدول المدنيين، بل برغبة وإرادة صانعي القرار فيها، وما كان صانعوا القرار يتخذون قرارات الحرب، لو لم يمتلكوا ممكنات القوة. والقوة مصطلح أثار اهتمام الباحثين والسياسيين الاستراتيجيين والعلاقات العامة. وعندما يذكر مصطلح القوة يتبادر إلى الذهن أن المقصود هو ا"القوة العسكرية" وهذا صحيح لأن أساس النظرة إلى القوة انبثق من مضمونها العسكري، فماذا تعني القوة..؟!
القوة تعني مجموعة عوامل؛ القوة العضلية والقوة الذهنية والقوة العسكرية والقوة الاقتصادية، والقوة في نظر الإسلام هي "قوة الحق وقوة الإرادة" وقوة النفس وقوة السيطرة على نوازعها.
ويتداخل مصطلح القوة مع مصطلح القدرة، وقد ميز البعض بينهما وخلط بينهما آخرون. والقدرة من القدير والقادر، وهي من سمات الله تعالى . وعليه فالقوة تعرف بدلالة القدرة على الإتيان بأفعال مؤثرة، وقدرة الدولة لا تظهر إلا من خلال قدرتها التأثير في غيرها وفرض إرادتها على الوحدات السياسية الأخرى وإجبارها للامتثال لما تريده من مصالح ذاتية أو مصالح إستراتيجية ويجمع عدد من الباحثين والمفكرين أمثال نيكولاس سبيكمان) أن القوة هي "القدرة على خوض الحرب"، أما (كلين) فيرى أن القوة أهم صفة للدولة وأهم من القانون" لأن القانون نفسه لا يمكن تنفيذه إلا بالقوة. فالقوة بالنتيجة هي الضامنة للعدل والظلم على حد سواء، كما عبر (كليمنصو).
ونعرف القوة بأنها "مجموعة الوسائل والطاقات والإمكانات المادية وغير المادية، المنظورة وغير المنظورة، التي بحوزة الدولة، يستخدمها صانع القرار في فعل مؤثر، يحقق مصالح الدولة وتؤثر في سلوك الدول الأخرى".
أما مصادر القوة كما حددها (مورجنثاو) هي: الجغرافيا والسكان والموارد الطبيعية والمقدرة الصناعية والخصائص القومية والمعنويات الوطنية والمهارة الدبلوماسية، أي أنها مصادر "مادية" ومصادر (معنوية). ومع تطور الأمم ودخولها في عصر التقنيات الفنية العالية، وعصر المعلومات والاتصالات وشيوع العولمة وآلياتها المتقدمة، فقد تطورت مصادر القوة أيضاً، فاحتلت القوة الاقتصادية المرتبة الثانية بعد القوة العسكرية، بل وقفت معها لإعطاء الدولة مكانتها في العلاقات الدولية، كما أضيفت القوة التقنية، مصدر إثراء للقوتين العسكرية والاقتصادية وخاصة في قطاعي الصناعة والخدمات. ونتيجة هذا التطور عرفت البشرية الحرب الاقتصادية، من خلال سلاح المقاطعة وسلاح الحصار الاقتصادي، وقطع الصلات الاقتصادية مع الدولة المراد محاصرتها ولتغير سلوكها لصالح الدولة القوية ذات القدرة على التأثير. كما عرفت المقاطعة التقنية وخاصة تقنية المفاعلات النووية.
( د. حسن طوالبه , نظام الامن الجماعي في النظرية والتطبيق , اربد , دار عالم الكتب , 2005 , ص22 , نقلا عن جوزيف ناي الابن , المنازعات الدولية , الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية , 1997 , ص 83 ) .
ولا تقل القوة الإعلامية والثقافية من خلال آليات العولمة عن باقي ممكنات القوة الأخرى – الآنف ذكرها – فهذه القوة تؤثر مباشرة على عقول الرأي العام وعلى النخب السياسية التي لا تثبت على مبدأ محدد. وتؤدي بالتالي إلى انهيار معنويات أركان القوة العسكرية لهذه الدولة أو تلك أمام القوة الأعظم والأكثر تأثيراً.
دوافع استخدام القوة: قد تستخدم القوة العسكرية، ومعها ممكنات القوة الاقتصادية والتقنية والمعلوماتية والإعلامية في أحد الدوافع الآتية:-
1. دافع التوسع خارج الحدود الأقليمية وفق نظرية المجال الحيوي التي نادى بها الجغرافي الألماني (هاوش هوفر) وتبناها هتلر في الحرب العالمية الثانية.
2. دافع حب البقاء والحفاظ على الذات أو الحفاظ على الوضع القائم والحفاظ على المصالح القومية والأمن القومي للدولة أو الدفاع عن السيادة القومية.
3. دافع خير الجماعة الدولية، وهو استخدام القوة ضد المعتدي تنفيذاًَ لنظام الأمن الجماعي، الوارد في ميثاق الأمم المتحدة – أنظر الفصل السابع-.
4. دفاع الضغط على دولة أخرى بهدف إجبارها على الدخول في مفاوضات تكون في صالح الدولة القوية. وقد يكون الدافع مواجهة ضغط الدول الأخرى أي استخدام القوة في الترهيب والترغيب.
5. استعراض قوة الدولة لإبراز هيبتها أمام الدول التي تدخل في صراع معها.
6. دافع ذاتي لصانع القرار، وبالذات ممن يؤمنون بأفكار يمنية متطرفة، أو مصابون بعقدة العظمة، أو تقليد أحد العظماء في التاريخ.
7. وقد يكون دافع الحرب دوافع اقتصادية أو إستراتيجية أو تاريخية أو كلها معاً.
المبحث الرابع .. مراحل تطور حقوق لانسان
ومهما كانت الأسباب والدوافع، فما يهمنا هو أثر هذه الحروب على الجانب الإنساني للبشر الذين يقعون تحت تأثير الحروب ويصابون بكل ما تفرزه الحروب من ويلات وآلام، سواء بالقتل أو العوق، أو ترمل السناء، ويتم الأطفال، فكلها معاناة إنسانية شديدة الوطئة على البشرية ولها نتائج كارثية على نفسياتهم وعلى سلوكهم داخل المجتمع، وتؤدي بالتالي إلى ظواهر اجتماعية شاذة منافية لما هو سائد في المجتمعات.
يرى عدد من المفكرين والفلاسفة والمعنيين بحقوق الإنسان من رجال القانون ورجال الدين بعامة، أن حقوق الإنسان مرت من حيث التدوين بأربعة مراحل:
1. الأولى:المرحلة العرفية : أي المرحلة الزمنية القديمة التي كانت حقوق الإنسان تخضع للعديد من الأعراف والتقاليد، تبعاً للتطور الاجتماعي الذي تعيشه المجموعة البشرية في ذاك الزمن، أو في ذاك المكان. فقد كانت فكرة حقوق الإنسان غامضة أحياناً، ومفقودة أحياناً أخرى. وكانت حمايتها متباينة بين مجموعة وأخرى، ولم تعرف تلك الجماعات البشرية نمطاً محدداً من الحريات أو الحقوق، بحيث يتمسك الأفراد بها أو يطالبون بها، بل كانت مثل هذه الحقوق مرهونة بزعيم الجماعة أو شيخ القبيلة، فما يمنحه من حقوق أو حريات لأفراد جماعته، يُصبح "عرفاً" يقلده أفراد الجماعة، لقد شهدت المجتمعات القديمة أنماطاً من الحياة ساد فيها الرق والعبودية وكان العبيد راضون عن وضعهم ويعملون بجد وإخلاص لخدمة أسيادهم، كما كانت المرأة مهانة تباع وتشتري، بل يحق للزوج أن يبيع زوجته وأولاده متى شاء.
ويمكن القول أن أول تدوين للأعراف والعادات كان التدوين الروماني في الألواح "الاثنى عشر". ومن ثم جاءت الأديان لتضع حقوق الإنسان في رأس الأولويات والواجبات المطلوب احترامها وتقديرها.
2. المرحلة الثانية: المرحلة القانونية: وهي التي شهدتها حضارات "وادي الرافدين" – بابل وسومر وأكد وأشور – وحضارتي أثينا وروما. حيث تم تدوين الأعراف والعادات في قوانين صارت فيما بعد أحد المصادر القانونية المعنية بحقوق الإنسان، ويشار إليها كمراحل زمنية تطور خلالها مفهوم حقوق الإنسان، مثل قوانين حمورابي وصولون اليوناني والألواح الاثني عشر الرومانية*.
3. المرحلة الثالثة: فتعرف بالمرحلة الدستورية، وهي المرحلة التي شهدت تدوين القوانين المعنية بحقوق الإنسان وجمعها في وثيقة واحدة اسمها "الدستور"، فالدستور في معناه المصطلحي هو مجموعة القوانين السائدة وترتيبها في وثيقة واحدة، لها مقدمة، إنشائية ومواد تعالج تفاصيل في الحقوق والحريات الشخصية والمجتمعية، وكذلك الواجبات الموكلة على المواطنين وكذلك صلاحيات السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية). والدستور عبر عنه الغربيون بكلمة "كونستيتوتيو" CONSTITUTIO اللاتينية، التي كانت تطلق على أوامر الأباطرة الرومان. كما استعمله الفرس بمعنى "مجموعة قوانين الملك"، واستخدمها الأتراك العثمانيون بلفظ "المشروطية"، لأن الدستور يُقيد السلطان بشروط محددة. وقد استخدمت الحكومات العربية لفظ الدستور بعد أن نالك استقلالها في أواسط القرن العشرين.
4. المرحلة الرابعة: هي المرحلة الدولية: وهي انتقال حقوق الإنسان من إطارها الوطني أو القومي إلى إطارها الدولي، ولاسيما بعد أن تشابكت العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والاتصالية بين الدول، وبعد أن شهد العالم ثورة الاتصالات والمعلومات، بحيث صار انتهاك حقوق الإنسان مكشوفاً أمام أعين الرأي العام العالمي.
وزاد الاهتمام بحقوق الإنسان بعد الآثار المدمرة التي خلفتها الحروب في العالم، ولاسيما الحروب الأوروبية التي استمرت لسنوات عديدة، ومن ثم الحربين العالميتين الأولى (1914-1918) والثانية (1939 – 1945)، حيث أوروبا مسرحاً أساسياً لهما، وقد خلقت الحرب العالمية الثانية أكثر من أربعين مليون قتيل معظمهم من شعوب الاتحاد السوفيتي السابق.

المبحث الخامس .. حقوق الانسان في القوانين القومية .
رغم التقدم الذي حصل في تضمين القوانين المحلية بعض حقوق الإنسان إلا أنها لم تكن كافية لضمان هذه الحقوق، ولاسيما في إطار التطبيق، ولذلك جاءت المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتشكل ضمانة أخرى لهذه الحقوق. ورغم ذلك فإن هذه الحقوق تظل غير مصانة من قبل الدول سواء صادقت على الإعلانات والصكوك الدولية أم لا، لأن رعاية الحريات والحقوق الخاصة بالإنسان كفرد أو كجماعة، تحتاج إلى إيمان والتزام وثقافة وتصميم على رعاية هذه الحقوق.
لقد رعت القوانين القومية للدول حقوق الإنسان الفرد، أي الحريات الشخصية، ولكن ظهور بعض المذاهب والأيديولوجيات التي تؤمن بالاشتراكية أضافت حقوقاً جماعية للإنسان مثل حق التحرر وحق تقرير المصير، ومقاومة التميز العنصري على أساس اللون والجنس والدين والعرق، وحق التنمية والحق في العيش في بيئة خالية من التلوث وكذلك حق المرأة في الحرية وعدم التمييز بينها وبين الرجل , وصدرت عدة قوانين دولية وقومية نؤكد هذا الحق .
وكان من الضروري بعد الحرب العالمية الثانية، و صعود الاتحاد السوفيتي ليشارك الولايات المتحدة في إدارة النظام العالمي، الذي عُرف – آنذاك – بنظام ثنائي القطبية. أن يبرز نوع جديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي لا يمكن الاستغناء عنها من أجل ضمان حرية الأفراد وضمان حقهم في حياة كريمة، تصون كرامة الإنسان.
إن الحقوق الجديدة صارت تكلف الدولة أعباءً فنية بشرية ومالية كبيرة، كما انها حدت من سلطة الدولة نوعاً ما. وقد تكاملت الحقوق الشخصية مع الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وصارت كلاً متكاملاً تشكل مقياساً لاحترام حقوق الإنسان وخاصة حق المرأة .
وهذا المتكامل آت من أن الإنسان لا يستطيع أن يمارس حرياته الشخصية وحقوقه الشخصية، إذا ما توفرت الحماية للحقوق العامة، فالفرد الذي يعيش في بيئة فقيرة ومجتمع متخلف تسوده أمراض الجهل والبطالة والرجعية، لا يمكنه أن يمارس حرية الرأي وحرية الاعتقاد وغيرها من الحريات الشخصية، فالتخلف يحول دون إحقاق الحريات الشخصية للإنسان , وهذا الحرمان طال الرجل والمرأة على حد سواء , وخاصة في بلدان الجنوب الموسوم بالتخلف او النامي على حد تعبير بعض الاقتصاديين , لان كليهما وقع عليهما الظلم والحرمان والجهل والتخلف من قبل الاستعمار الغربي الذي دام عقودا طويلة على هذه البلدان .
ولذلك صار المفهوم الجديد للحقوق والحريات العامة هي السمة البارزة في الدساتير والقوانين القومية المحلية، وجاءت الإعلانات والصكوك الدولية لكي تولي الحقوق العامة أهمية كبيرة . ولما كانت الحروب التي شهدتها الأمم والشعوب منذ ألوف السنين، هي سبب الويلات والآلام للإنسان، وهي التي تزهق الأرواح التي حرمت الديانات السماوية سفكها، وهي التي دمرت البيئة والبني التحتية في البلدان التي شهدت تلك الحروب، فقد تناولت العقول البشرية من كتاب فلاسفة وسياسيين هذه المأساة الانسانية ، لكي يتم وقف نزيف الدم، ووقف إمتهان كرامة الإنسان أثناء الأزمات والحروب.
عقدت اجتماعات ومؤتمرات عديدة خلال القرن الماضي، ووقعت معاهدات واتفاقيات عديدة، وصدرت إعلانات مهمة، كلها معنية بحقوق الإنسان ولاسيما حقوق الأسرى والجرحى، والمدنيين في وقت الحروب، كما وقعت اتفاقيات عديدة عالجت: مكافحة الرق، ومكافحة البغاء، وتجارة المخدرات وحماية حقوق الأقليات القومية والدينية المضطهدة، وحماية الملكية الفكرية وإزالة التمييز العنصري، واضطهاد المرأة، ومكافحة العنف بكافة أشكاله سواء ضد المرأة أو ضد الأطفال*.