بكائية.........في عيدهن.



صباح راهي العبود
2014 / 3 / 7

قد لا نبالغ إذا قلنا أن الظلم والجور والإضطهاد ظل يلازم النساء ومنذ أن إستطاع الإنسان الوقوف منتصباً وربما قبل ذلك مروراً بالمشاعية الأولى وفترة زعامة الأم وغيرها من الفترات التي تلت إذ كانت ممارسة الجنس غير مقيدة بأية قيود ولا ينظمها قانون لتترك بعدها المرأة مع جنينها الذي سيولد دون أن يعرف له أب محدد من بين العشرات الذين وطئوها لتبقى هي المسؤولة عن تربية الوليد وحمايته من الكواسر ولا تجد من يعينها يوم يمرض أو يرحل الى القبر مبكراً. وما زالت المرأة ولحد الآن تعاني الشقاء والإضطهاد في أكثر بقاع العالم.
ولسنا الآن بصدد الخوض في موضوع المادية التاريخية بقدر ما نحن معنيين به في مقالنا هذاعن الإنجازات العظيمة التي تحققت مؤخراً في بعض البلدان المتطورة في مجال تحرير المرأة ورفع كل أنواع التمييز ضدها,وإنكفائها في بلدان أخرى مثل بلدي العراق وكل البلدان العربية دون إستثناء.
من خلال الأحداث وعلى مدى العصور قد تخرج بحقيقة هي أن نساء العالم لا يمكنهن التحررمما هن فيه من أسى وإحتقار وإستغلال لا يستحقنه وذلك بالتمني والتوسل الى من سلب حريتهن,وإنما يحتاج الأمر الى نضال دؤوب وتصدي,وهذا ما حصل فعلاً عام1857 إذ قامت مظاهرات بأعداد كبيرة من النساء طافت شوارع نيويورك إحتجاجاً على الوضع المريع والمزري الذي شهدت دول أمريكا وأوربا عندما كن يجبرن على العمل تحت ظروف غيرإنسانية قاسية ومدمرة في أعقاب الثورة الصناعية في إستغلال صارخ خارج كل المثل والقيم الأخلاقية.ولقد فرقت هذه المظاهرات بالهراوات وبكل القساوة التي يمتلكها البوليس. لكن هذا الجهد النضالي الرائع تمخض عن نتائج مشجعة,إذ بدأ المسؤولون بمراجعة ما حصل ومسبباته.ولم تقف الأمورعند هذا الحد إذ تكررت مثل تلك المظاهرات في نيويورك نفسها في اليوم الثامن من مارس 1908 وعرفت بإسم (الخبز والورد) وكانت صاخبة إشتركت فيها 15000 عاملة من عاملات التسيج الكادحات وهن يحملن الخبز والورد,وشارك معهن بعض من نساء الطبقة الوسطى.وهكذا وبعد مخاض عسير وتحت ضغوط متكررة من هذا النوع وغيره أقر الثامن من مارس (شعبياً وعمالياً) عيداً عالمياً تحتفل به كل نساء المعمورة.ومن المفيد أن نذكر بأن أول إحتفال بهذه المناسبة كان في 8 مارس 1913 وأن الأمم المتحدة أقرته يوماً عالمياً للمرأة عام1977 .
والآن دعونا نستعرض معاناة النساء في وطني العراق وتجاهلها وتغييبها وإنكارها كإنسان له مشاعر وأحاسيس كما هو الرجل( وهذا حصل بفعل عادات وتقاليد موروثة وعقليات متحجرة بفعل تفسيرات من ضمنها فقهية جامدة), وماتعانيه من ملاحقات ومعاقبة بسبب جرائم الشرف والقتل حتى لمجرد الشك ومن دون رادع. لا بل إن الحكومات وخاصة في البلدان العربية أصدرت قوانين تسمح وتجيز أعمال الردع هذه بعقوبات مخففة للقاتل بحجة غسل العار على الرغم من أن أي دين من الأديان لم يصرح بقتل حتى من يثبت عليها ممارسة الزنى عقوبة لها . أما الشعارات والأقوال والنكات التافهة من الذين يدعون الحكمة التي يتداولها محتقرو النساء, فقد لعبت دوراً في التمادي في الحط من كرامة النساء, وفي العالم العربي يوجد من هذا الكثيروالذي يفوق ماذكرناه من أقوال وقصص جارحة كأن توصف بالتخلف الذي صنعه الرجل نفسه لها.خذ مثلاً لأعرابي يصف زوجته التي عاشرته وضحت من أجله زمناً طويلاً يقول (إنها كثيرة الصخب دائمة الذرب , مهينة للأهل,مؤذية للبعل ,مسيئة للجار, مظهرة للعار,إذا رأت خيراً كتمته, وإن رأت شراً أذاعته).وأضحت نعوت الإحتقار مرادفة للنساء وكأن عالم الرجال خالٍ تماماً من التافهين الذين لا يستحقون الحياة .والذي يؤسف له أن العنف الموجه ضد النساء يمارسه رجال جهلة ومثقفون على حد سواء الى جانب ما تشرعه بعض الحكومات من قوانين وأنظمة ليس فيها من حقوق الإنسان شيء. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة معنية بانقاذ النساء من الجور لما تقره من إتفاقيات وتصدره من قوانين ملزمة التنفيذ لكل دول المنظومة العالمية ,لكن ذلك لا يحصل في حالات عدة لأن بعض الأديان التي تدين بها بعض الدول لا يتفق مع ماجاء في هذه القرارات ويكون من الصعب إجبارها على تطبيق تلكم السنن والقوانين.
وعلى الرغم مما حصلت عليه النساء من إنتصارات في طريق كسب حقوقهن في دول عديدة لكن الإستهانة بمنح هذه الحقوق هو أحد السمات التي تميز عالمنا المعاصر ويتضح جلياً في البلدان ذات الإقتصاد المتخلف,لكن دول متقدمة كالسويد وسويسرا والنمسا وأستراليا وغيرها قامت بإلغاء التمييز على وفق الجنس بفعل الحركات المدافعة عن المرأة وحقوقها. فقد أقرت مساواة المرأة بالرجل في جميع الحقوق المدنية وإلغاء القوانين والمقررات المناهضة لذلك,و فتحت الأبواب مشرعة أمامها للمساهمة في الحياة السياسية والمشاركة في الإنتخابات وتبوأ المواقع السياسية والإدارية والقضائية ومشاركة الرجل لها فيما يخص رعاية الأطفال وتربيتهم وإلغاء إمتيازات الرجل في الأسرة وفي مجال السيطرة على الأمور المالية وتوزيعها,وكذلك فيما يخص الميراث وإختيار السكن ومكان العيش والعمل ورعاية الأطفال بعد الطلاق,ومنع تعدد الزوجات والزواج القسري ومنع كل ما يجبر المرأة على خضوعها لزوجها (حد المعاشرة) إذ يعد إغتصاباً يعاقب عليه القانون ولا يحق للرجل سلب حرية المرأة وممارسة الإهانات واللجوء الى العنف بحق الزوجة وكل النساء من أخوات وبنات وغيرهن.كما جرى شمول النساء إسوة بالرجال بالمساواة في الميادين الإقتصادية والمهنية وقوانين العمل والضمان الإجتماعي والأجر للعمل المتشابه وفرص الضمان الإجتماعي و الإجازات وساعات العمل وحماية العاملات من الطرد عند الحمل على فرض أن حمل المرأة هو وظيفة إجتماعية مقدسة تؤديها النساء مما يتوجب إحترامهن ومساعدتهن في كل ما يترتب عليه الموقف من مساعدات وتسهيلات مجانية لهن ولأطفالهن من إجازات ودور حضانة ورياض أطفال ورعاية صحية وكل ما يعمل على إسناد المرأة والعمل على ردع المفاهيم المتخلفة التي تمارس بحقها وحمايتها من التحرش بالألفاظ أوإشارات اليد غير اللائقة والمغازلة والملاحقة في الشارع أو كشف المتحرش عن أجزاء من جسدها أو التحرش عن طريق الإتصالات التلفونية أو بالبريد الإلكتروني وغيرها. كما جرى التشديد على عدم السماح لنشر كل ما يسيء للمرأة وخاصة في الكتب المدرسية ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية.ولقد لاحظت كل هذه الإنجازات وتلمستها عن قرب بعد إستقراري في أستراليا فوجدت حقوق النساء محفوظة بشكل رائع لكنه لا يرتقي الى ما أنجز لها في الدول الإشتراكية الرائدة في هذا المجال والتي حققت للنساء مالا تحققه كل الأنظمة في بقية دول العالم من تقدير واحترام ومساواة بالرجل بشكل لا مثيل له.
لاحظ عزيزي القاريء بعض مما أثمرته المساواة بين الرجل والمرأة على وفق ما ذكره( بان كيمون) الأمين العام للأمم المتحدة:-
*البلدان التي تكون نسبة المساواة أكبر بين الجنسين يكون إزدهارها الإقتصادي أكبر.
*الشركات التي تولي أمور قيادتها للنساء أكثر يكون أداؤها أحسن وبشكل واضح.
*إتفاقيات السلام التي يشترك في إعدادها أكبر عدد من النساء تكون أكثر إستقراراً ودواماً.
*البرلمانات التي يشترك في إعدادها عدد من النساء أكبر من عدد الرجال تقوم بسن تشريعات وقوانين أكثر وأنضج في القضايا الإجتماعية الرئيسية كالصحة والتعليم ومناهضة التمييز بكل أشكاله.
فتمتع النساء بالمساواة يحقق التقدم لكل المجتمع. هكذا يختتم كيمون كلامه.
ولقد خرجت الدراسات بأن الأميات والعاطلات عن العمل من النساء يكونن أكثرتعرضاً للعنف الذي يتوزع بين الضرب المبرح وإحداث الجروح بآلة حادة ,والكسور وشج الرأس المؤدي الى الغيبوبة والشتم والتهديد بالقتل وجريمة الإغتصاب , ومنها أيضاً الهجر والطرد من بيت الزوجية والنشوز والطلاق وعدم الإنفاق والحرمان من الإرث والزواج بأخرى أو أكثر ولحد أربعة زوجات وغيرذلك. وأغلب حالات العنف تحصل لمن أعمارهن مابين (20-49) سنة أغلبهن من المتزوجات تليهن الأرامل و المطلقات ثم تأتي العازبات في المرتبة الأخيرة.وعلى الرغم من أن دول العالم قد وقعت على إتفاقية لحماية المرأة وإعطاءها حقوقها.لكن بعض من حكومات تلك الدول لا زالت تمارس مع النساء أشكال التمييزفي كل جوانب الحياة وخاصة الجانبين الإجتماعي والإقتصادي,إذ لا يسمح للمرأة بالسفرإلا إذا رافقها (مُحرِم) ,فلا خروج بدون إذن ولا رأي لها بالزواج , كما ليس لها حق في قيادة سيارة وحرمانها من التعليم ولا تُعطى فرصة للتوظف أو العمل في مختلف الأوجه السياسية ومنعها في بعض الدول من أن تكون محامية أو مهندسة أو مضيفة ,ولا يسمح لها بالعمل في محلات بيع الملابس النسائية وأدوات التجميل وبيع الزهور دون تفسيرأو مبرر واضح لهذا المنع.فكيف يمكن للمرأة أن تحقق مساواتها مع الرجل في بلدان يستعصي عليها هذا الأمر .وقد يخطيء من يعتقد أن ذلك يتم بدون نضال وثورة من قبل النساء والسعي لتحررهن من التبعية الإقتصادية للرجل وإثبات التفوق في الدراسة والنضال من أجل العمل المنتج لتخليصها من التبعية الإقتصادية والسعي لإصلاح العمل المنزلي وضمان الأمومة والطفولة وتحقيق المساواة في الحقوق المدنية والسياسية والمالية وإيقاظ وعي النساء المستسلمات للرجل وتثقيف الرجال حول هذه الحقوق. ثم على النساء التحرك السياسي والتمرد والتظاهرالسلمي وإصدار الصحافة النسائية والمجلات التي تُعنى بالمرأة وشؤونها,وإقامة المؤتمرات النسائية ونشرها بوسائل الإعلام , وجر التنظيمات السياسية لإسناد تلك المساعي ,وإثبات أن التميزالذي فرضه الرجل في كل المجالات باطل لا مبرر له.
في العراق تنتهك حقوق النساء بأبشع الطرق والوسائل ,فالمرأة لعبة بيد الرجل يتزوجها متى ما إشتهى ويطلقها أو يهجرها متى أراد. الضرب مباح والقتل مشروع بتهمة غسل العار إذ تسنده القوانين ,ولا يحصل زواجاً إلا بأمر أب أو أخ , وللعم وأبنائه حصة في إيقاف ذلك الزواج. وفي البرلمان الذي يسيطر عليه متخلفون كثر يعطلون إقرار القوانين الإنسانية التي تنظم الحياة العامة وتخص حياة الناس وتجلب السعادة لهم,لكنهم يتسابقون ويسابقون الزمن لإقرار مشاريع ذاتية النفع كزيادة رواتبهم وسرقة الأموال وكسب الإمتيازات التي لا يستحقونها,وهم لا يستحون عندما يقدمون مشروعاً طائفياً يؤدي في أقل الإحتمالات الى زيادة الفرقة بين الطوائف الى جانب ما يتضمنه من بنود منها ما يجيز تزويج البنات في سن التاسعة.هذا بعض من معاناة نساء العراق ناهيك عما يقاسينه من عوز وفقر متقع بالأخص عندما يغادرها معيلها الى الأبد بعد عمليات التفجير والقتل العشوائي أو المبرمج لتبقى تبحث مع أطفالها عن غذائها في حاويات الأزبال في بلد من أغنى دول العالم ,وما تطرحه بعضهن من ولادات مشوهة بفعل إشعاعات الراديوم التي خلفتها حروب قذرة وما نتج عنه من تلوث للبيئة أرضاً وماءاً وسماءاً ومن أطفال معوقين جعلوا الأمهات يدفعن الثمن غالياً لتربية هؤلاءوقضاء بقية أعمارهن معذبات معه.
سيبقى الثامن من آذار(مارس) يوماً في إحراز التقدم والتغيير ومناسبة لدعوة النساء للثورة على قوى التخلف والرجعية ومحاربة العقول المتحجرة التي تسعى لإبقاء المرأة قابعة في زوايا البيت تنتظر الرحمة والعطف من رجل يرى فيها منفعة ولعبة يمارس معها سادية حيوانية وبلا مراعاة.