في الحاجة إلى بناء حركة نسائية جديدة



ليلى محمود
2014 / 3 / 8

إفتتاحية العدد الرابع لنشرة " حرّة "

نصدر العدد الرابع من نشرتنا " حرة " بالتزامن مع تنظيمنا للملتقى النسائي الثاني ، تخليدا لذكرى استشهاد الرفيقة سعيدة المنبهي . رمز المرأة المغربية المناضلة من أجل التحرر الفعلي للنساء ضمن المشروع التحرري لكافة الطبقات و الفئات الكادحة و المحرومة و المضطهدة من نظام العبودية المأجورة و ما يرافقه من مظاهر التفقير و التهميش و الحرمان ، و الحروب الإمبريالية و الفتن الطائفية و الإضطهاد العرقي و الديني ...
و يتميز سياق تخليدنا للذكرى هذه السنة ، بتعمق أزمة النظام الرأسمالي المعولم ، و إلقاء نتائج الأزمة على كاهل الشعوب و الطبقات و الفئات الكادحة ، من خلال سن سياسات التقشف و رفع الأسعار وتسريح العمال و التراجع عن المكتسبات التاريخية للعمال و الكادحين في مجال الحماية الإجتماعية و الخدمات العمومية ...
و تتواجد النساء العاملات و الكادحات على رأس المتضررين من نتائج أزمة الرأسمالية المعولمة ، فارتفاع أسعار المواد الأساسية ، يؤثر بشكل مباشر على النساء اللواتي يتشاركن مع الرجال في نفقات الأسرة كما تقوم النساء بالإنفاق بشكل منفرد على نسبة من الأسر سواء كن أرامل أو مطلقات أو يشاركن الآباء المسكن أو زوجات رجال معطلين أو مسرحين من العمل .. الأمر الذي يجعلهن وجها لوجه مع تضاعف متطلبات الحياة اليومية الأساسية و ارتفاع أسعارها في مقابل تجمد الأجور ، بل و نقصانها في بعض الحالات .
كما أن أول الإجراءات التي تباشرها البرجوازية بمجرد حدوث الأزمة أو مجرد ظهور بوادرها ، هو التسريح الجماعي للعمال و العاملات و حرمانهم من مصدر دخلهم .. و العدد الأكبر من المسرحين دائما ما يكون من النساء ، خصوصا و هن يعملن في القطاعات الأكثر هشاشة و غير المهيكلة كقطاعات النسيج و التصبير و غيرهما ، و هي أولى القطاعات التي تمسها الأزمة . إضافة إلى نسبة كبيرة تمثلها النساء من المعطلات حاملات الشواهد العليا و المعمقة ، وجدن أنفسهن أمام واقع البطالة بعد التخرج بسبب السياسة التعليمية الطبقية و نقص عدد المناصب المالية في قوانين المالية خصوصا في مرحلة الأزمة . كما أن النساء هن الأكثر تضررا من خوصصة الخدمات العمومية و حرمان الكادحين منها ،فالخصوصية البيولوجية التي تخص النساء بالحمل و الولادة و الرضاع .. تجعلهن الأكثر ولوجا للمؤسسات الصحية و بالتالي الضحايا الأوائل لخوصصتها ...

و تستفيذ البرجوازية في سياستها تأنيث الفقر و البطالة و الازمة عموما ، من الأفكار الدونية السائدة بخصوص المرأة ، و عدم المساواة القانونية بينها و بين الرجل ، و كذا من الكم الهائل للعادات و التقاليد الموروثة من عهود غابرة تكرس استعباد المرأة و تختزلها في أداء المهام الجنسية و تربية الابناء و العناية بشؤون البيت ، و هي الوضعية التي تزيد من تكريسها ، القوى الإديولوجية الرجعية في المجتمع ، و في القلب منها قوى الإسلام السياسي التي تضفي هالة القداسة و التبجيل على هذه الوضعية الدونية للمرأة بإعطائها أساسا دينيا .

كما تحاول البرجوازية التخفيف النسبي من تأثر النساء الكادحات بنتائج السياسات الإقتصادية التي تمليها المنظمات الدولية ، بتطبيق برامج تحت مسمى " تنمية " أوضاع النساء ، أو إدماجهم في التنمية ، من إعداد و تمويل هذه المنظمات ذاتها ! و تعمل " منظمات المجتمع المدني " التي تتسمى بالدفاع عن حقوق النساء و تحقيق المساواة ، كأدوات لتنفيذ هذه البرامج ، التي تورط النساء الكادحات في القروض و تزج بهم في مشاريع كاذبة ، من قبيل تربية البط و الإوز أو الأرانب و الدجاج ، أو بيع " البغرير و الرغايف " .. ! لا تعود عليهن إلا بالمشاكل في المحاكم و بالبحث عن مقرضين جدد لرد القرض الأول ، و لا تغير من واقع التفقير و الحرمان الذي يعشنه شيئا ، في المقابل تشكل هذه الصفقات ، مناسبة لاغتناء المتاجرين بحقوق المرأة و حريتها و مساواتها ، من قادة الجمعيات الساهرة على تنفيذ هذه البرامج ، و التي ترافقنها بحملات دعائية و إعلامية كاذبة ، عن النتائج الجيدة لهذه البرامج و عن مناصب الشغل التي أحدثتها و غير ذلك من الأباطيل و التضليل مدفوع الثمن مسبقا .

إن النساء الكادحات اليوم ، في حاجة إلى بناء حركة نسائية جديدة ، مكافحة و تقدمية . تفضح كل أعداء التحرر الفعلي للنساء ، مهما تغلف خطابهم بالدعاوى الأخلاقية و الدينية و الإجتماعية ، كما تفضح سياسات المنظمات الدولية المتعلقة بتنمية المرأة و طابورها العميل و الإنتهازي من الجمعيات التي تغتني على حساب مآسي و حرمانات النساء الكادحات . و تطرح الإحتجاج بديلا عمليا و النضال من أجل اكتساب النساء لحقوقهن ، و المساهمة في النضال من أجل التغيير الجذري ، ارتباطا بمشروع التحرر لكافة الطبقات و الفئات المضطهدة و المحرومة في المجتمع و الذي لن يكون غير المشروع الإشتراكي .