القانون المثير للجدل



احمد عبدول
2014 / 3 / 9

في وقت لا يحسد عليه العراقيون من تشابك المشهد الأمني والسياسي العراقي الذي بات ساخنا سخونة الصفيح في صيف لاهب , في وقت تشهد البلاد فيه منعطفا تاريخيا حرجا حيث تخوض قوات الجيش العراقي أشرس المعارك وأشدها ضراوة ضد التنظيمات الإرهابية في محافظة الانبار , تلك المعارك التي يراد لها ان تكون حرب استنزاف طويلة الأمد من قبل تنظيمات ما يسمى بـ (داعش) .في وقت لم يتبق فيه على الانتخابات البرلمانية اقل من شهرين في ظل انقسام حاد حول تمرير الميزانية والتي تتوقف عليها عجلة الاقتصاد العراقي , في مثل هذا الوقت يتقدم وزير العدل السيد (حسن الشمري ) بمسودة قانون الأحوال الشخصية (القانون الجعفري ) لغرض تمريره بعد التصويت عليه داخل قبة البرلمان .
ولا شك ان توقيت القانون يؤشر الى جهل فاضح بمجمل تفاصيل الوضع العراقي الداخلي الذي لا يحتمل اليوم إضافة أي ملف خلافي حساس وسط ذلك الكم الهائل من تلك الملفات التي أصبحت تتكاثر كما تتكاثر الاميبيا ,والمشكلة ان القانون الذي تقدم به وزير العدل يتعارض مع المادة الثانية ممن الدستور العراقي الذي تم التصويت عليه عام 2005 , والتي أكدت على عدم سن أي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية , كذلك فإن القانون يشتمل على مواد تشكل بمجموعها ركائز لتأسيس دولة الفرق والمذاهب ,على حساب دولة المواطن والمواطنة , ومن ناحية اخرى يتضمن القانون العديد من المواد المجحفة فيما يرتبط بحقوق المرأة بوجه خاص ,وهو الجانب الذي نود التركيز عليه في هذا المورد , فقد نصت المادة (16) من القانون ، ان المرأة البالغ هي من أكملت التسع سنوات هلالية بينما يكمل الذكر خمسة عشر عاما هلالية , ومن المعروف ان البنت في عمر التاسعة تكون قاصرا أي ان القانون يشرعن زواج القاصرات في حين تؤكد الدراسات الحديثة على ان الزواج في هكذا أعمار يؤثر سلبا على صحة المرأة إذ ان التغيرات الجسمية لا تكون مؤشرا ناهضا على التكامل الفسيولوجي والوظيفي إضافة إلى عدم الاستعداد التام للحمل والولادة مما يعرض القاصرات لمشكلات جسدية ناجمة عن عدم استعداد أجسادهن لخوض تجربة من هذا النوع وبالتالي فهن مهددات بالإصابة بالكثير من الإمراض والعاهات إضافة الى ما يترتب على زواجهن المبكر من الحرمان النفسي والعاطفي من والديهما مما يؤدي بدوره الى الإصابة بإمراض من صنف الفصام والاكتئاب والقلق واضطراب العلاقات بين الزوجين .
ولا يتوقف القانون عند هذا الحد من الإسفاف والاستهانة بمنزلة المرأة عندما يتعامل معها على انها مادة للتمتع ليس إلا ، حيث نصت المادة (126) على عدم وجوب النفقة من الزوج إذا كانت زوجته صغيرة أو كبيرة وكان الزوج غير قادر على الاستمتاع بها . ( أي ان النفقة تكون قبالة الاستمتاع بالزوجة ).
فالمرأة إذا كانت صغيرة أو كبيرة ولم يستطع الرجل الاستمتاع بها بالشكل والطريقة التي يريدها هو فإنها لا تستحق النفقة , فعلا انه نص يمكن الرجل من امتلاك سلاح فعال يستطيع ان يشهره بوجه المرأة متى وكيفما شاء ورغب .ولا شك ان مثل ذلك النص سوف يطلق العنان لجشع وحيوانية بعض الرجال دونما أي تحديد أو تقييد .
فيما يخص تعدد الزوجات فقد ثبت القانون حق الرجل في التعدد مبينا طريقة المبيت مع الزوجات وذلك في المادة (104) حيث يفصل القانون في حال وجود أربعة زوجات فان الرجل يقوم بالمبيت عند كل واحدة ليلة أما إذا كانت ثلاث زوجات فان باستطاعة الرجل ان يبيت مع كل واحدة ليلة وله الحق في اختيار واحدة يبيت معها مرة إضافية .
أما فيما يخص مسألة الإرث فلا ميراث للزوجة من العقار فقد نصت المادة (213) من مشروع القانون الجعفري على ان لا ترث الزوجة مما يتركه الزوج المتوفي من الأراضي لا عينا ولا قيمة ( الأرض والبيت والشقة المسكن بصورة عامة ولا قيمتها النقدية ) وترث من المنقولات (الأثاث والسلع فقط ) ومما ثبت في الأرض من الأبنية والأشجار والآلات وغيرها وللوارث ان يدفع لها قيمة الأشياء الثابتة في الأرض وهي ملزمة بقبول القيمة (انظر أي مجبرة ) وهذا النص مخالف لإحكام الفقرة (1) من المادة الحادية والتسعين من قانون الأحوال الشخصية فهي تستحق ربع التركة أرضا وبناء وغراسا عند عدم وجود الفرع الوارث( الأبناء )والثمن بوجوده .والقران الكريم هو الفيصل في هذا الاختلاف ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم )( النساء الآية 12 ) . أما المادة (118)من القانون الجعفري فقد نصت على ما يلي (إذا افترق الأبوان ثم تزوجت الأم من شخص أخر سقط حقها في الحضانة حتى لو فارقت زوجها الثاني )

ارايتم تلك العبقرية التي تفتق عنها من يقف وراء تشريع هكذا قانون لا ينظر إلى المرأة إلا من خلال الجنس والاستمتاع والفراش , ارايتم تلك الميزات التي يعطيها القانون للرجل حتى في أسلوب وطريقة مواقعته لزوجته ، فالمادة (101) تقول يحق للزوج الاستمتاع بزوجته في أي وقت يشاء وان لا تخرج إلا بإذنه , كما إنها لا ترث من تركة زوجها من الأرض لا عينا ولا قيمة وترث من المنقولات ,وللوارث ان يدفع لها قيمة الأشياء الثابتة في الأرض وهي ملزمة بقبول ذلك الى اخر تلك الخروقات بحق المرأة .
يبدو ان العقل المشرع الذي يقف وراء هكذا مواد لا تراعي المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تشهدها مجتمعاتنا المعاصرة والتي تبوأت فيها المرأة منازل سامقة ومراتب رفيعة حيث أصبحت فيها كفؤا للرجل كما هو عهد التاريخ بها بل انها أصبحت تبز الرجل في بعض الموارد وتفوقه في بعض المواطن . يبدو ان هذا العقل ما يزال يعيش عقدا نفسية مستحكمة لا يجد سبيلا للخلاص منها الا بالإساءة للمرأة .
شخصيا أتوقع ان لا يمرر مثل هكذا قانون مجحف ينزل بالحقوق والواجبات منازل متدنية وغير إنسانية لا سيما فيما يخص المرأة ,فقد أعلنت مرجعيات عدة وقوفها جنبا إلى جنب معارضي القانون من كتل سياسية ومنظمات مجتمع مدني. فقد أعلن المرجع الديني (بشير النجفي )ان القانون يتضمن شطحات فقهية وقانونية ولا بد من مراجعته وتمحيصه أكثر من مرة .
يبدو ان بعض أحزاب الإسلام السياسي أخذت تبشر بمشاريعها الإسلامية التي لا تأخذ بنظر الاعتبار مجموعة من العوامل والمتغيرات والمستجدات عبر سن القوانين الدينية المتزمتة, التي تمهد لتفتيت البلاد على أسس دينية ومذهبية لنشهد دويلات على أسس العرق والمذهب بعد أن كنا نحلم بدولة المواطنة طيلة العقود السالفة .