لسان حال المرأة



هيام أبو الزّلف
2014 / 3 / 9



دعاؤها في الثامن من آذار

ربّي اجْعَلْه يتعاطف مع تعبي فيتقاسم معي أعباء الحياة، أليسَ البيت مؤسسة اشتراكيّة كما يتبجّحون؟ أعود إلى بيتي في نفس الساعة التي يعود فيها تقريبا، فأجد نفسي منهمكة في أعمال منزلية، لها أول وليس لها آخر، ويكون عليّ شراء حاجيات البيت.. بينما هو يتناول قهوته ويطالع الصحف اليومية.. ولا يرعوي عن لومي إن لم يحصل ابننا على علامة عالية، أو إن اتصلوا من المدرسة يشكون سلوكه.. أدرك بأنني أقوى منه وأطول نفسًا.. لكنني أدور في رحى الهموم، لا أجد متنفسا.. أضع رأسي على وسادتي فأغفو فورا، وأعرف أنه ينظر إليَّ شزرا، لاعنا الساعة التي ارتبط فيها بهذه الـ "باردة"!!!

إلهي، اجعله ينظر بعين التقدير والاحترام إلى ما أفعله من أجل بيتنا المشترك، وأولادنا.. ما إن أفتح فمي بالشكوى أمامه حتى يسكتني بصرامة، مدّعيًا أنني "نقّاقة" وناكرة للجميل.. لم أعد أحتمل هذا الروتين البغيض، عفت جدران بيتي ومطبخي.. أعمل في البيت يوميا لساعات قد تطول وقد تقصر، ماذا كان سيفعل لو اضطر أن يدفع "على الساعة" لمن سيحل مكاني؟.. أما آن للاعتراف بأنني أزاول عملا أستحق عليه راتبًا؟

يا ربّ، أعطه القدرة ليتغلّب على ازدواجيّتِه.. ففي المجالس، والندوات، وعلى صفحته في "الفيسبوك" يكتب حول ضرورة التوجه إلى المرأة على أنها إنسان، لها ما للرجل من حاجيات وحقوق، وعليها ما عليه من واجبات.. بالأمس قرأت ما نشر في إحدى الصحف بمناسبة الثامن من آذار، فوجدت نفسي أقاوم رغبة في التقيّؤ، فقبل أن يدير محرّك السيّارة، وبينما كنت منهمكة في حشو الفطائر، جاءني وهو يرغي ويزبد لأن قميصه غير مكويّ.. وهو "مستعجل" للذهاب إلى أمسية بمناسبة "اليوم العالميّ للمرأة.
إلهي، اجعله يقرأ الدين ويستشهد بما يستشهد، بكلّ موضوعيّة، بدون آراء مسبقة وبدون تفكير نفعيّ. فغالبا ما "يدير النار إلى رغيفه".. يأتي بشواهد من الدين عامة، ليس فيها أي حسم ليثبت لي أن لا عيب في الدين بل في حملته.. إذا كنت سأقف يوم القيامة لأحاسب، أفلا يجب أن أكون حرة مخيرة؟ من هو ليقرر لي ما يجب أن أفعله في حياتي.. من هو ليسلبني معنى حياتي؟ من هو ليكون قَوّاما عليَّ؟ ونسبة ذكائي أعلى مما لديه، ولولاي لمالت به الدنيا، فهو لا يحسن التدبر بدوني!
طلبت منه أن يعطني اسم عالم تطبيقي واحد أثبت أن للرجل أفضلية على المرأة.. بماذا هو أفضل منها؟ ألأن عضلاته أقوى؟ لقد نجحت المرأة كعالمة وطبيبة ومهندسة وقائدة.. البس هذا إثباتا على أن نسبة ذكائها مساوية للرجل؟ كيف يكون الرجل أفضل وهو من كتب التاريخ بالعنف والدم؟

ربّي!! أومن بك يا ذا الجلالة.. وأومن بضرورة وجود قيم أخلاقية واجتماعية تحد من الفوضى والفساد، وأومن بأن الديانات كانت لهذا الهدف.. لكني على يقين أيضًا أنه لم لم تكن للرجل امتيازات من حيث القوامة على النساء، وإمكانية الزواج بأربع لما استشهد بالدين واتخذ منه ذريعة لبسط هيمنته وإرضاء شهواته.. ولو أن الدين أتاح للمرأة الزواج بأكثر من رجل بسبب عدم قدرته على القيام بواجبه نحوها، لما شهدنا هذا الاستشهاد الحماسي بالدين!
إلهي!!.. اهدِ السلطات إلى إنصافي.. يمنعونني في بعض الدول من قيادة السيارة.. بحجة الخوف على شرفي إن تعطلت سيارتي.. هل هذا اعتراف ضمني أن الرجل ذئب؟ وهل يجب أن تلزم المرأة بيتها، أو أن تضيع وقتا ثمينا في التنقل من حافلة إلى أخرى لأن مجتمعنا يدور في رحى غرائز الرجل؟؟؟ لقد حصل أن تعطلت سيارتي، فأقفلتها، وعدت بالمواصلات العامة.. اجعلهم يربّون الفتاة على الاعتداد بنفسها وعلى القدرة على قول كلمة "لا"، وأن يربوا الفتى على احترام أمه وأخته فيذوّت أن المرأة إنسان ليس عليه استضعافه واستغلاله!..المراة الفاسدة تكون فاسدة لو أقفل عليها أربعون بابا بأربعين قفلا..ليست بحاجة إلى سيارة لكي تكون فاسدة.. ولكي تفسد المرأة يلزمها رجال فاسدون، أم أن الأخلاق تتجزأ؟ ألا يجب أن تنطبق على الجنسين؟ من قال أن جميع الرجال مؤهلون لقيادة السيارة إذن؟ وهل يسافرون بها لأهداف شريفة فقط؟ الخطيئة يلزمها اثنان!

يا ربّ!!! أن تكون المرأة حرة، يعني أن تكون الأمة حرة... إنه مطلب استراتيجي ملح، أن تكون المرأة معتدة فخورة، لتربي أجيالا كذلك.. ذلُّ الأجيال هو بسبب ذل المرأة! مجتمعاتنا الأبوية البتريالية هي مجتمعات مجرمة بحق نفسها أولا.. لتعمل المرأة ما تشاء ولتلبس ما تشاء شرط أن لا يمس عفافها.. ألهي دعهم "يحلّون عنها عاد".. ليست هذه مشيئتك ، أن تكون أمتك في هذه الحال!!!

إلهي.. المحبّة هي لحمة الحياة.. هي ما يعيننا على عاديات الدهر وقلاقل الدنيا.. كيف أحب من يقمعني ويذلُّني؟ اجعل الرجال يتخلّصون من شعورهم بالدونية، ومن خوفهم عل "امتيازاتهم" اجعلهم يتخلصون من خوفهم من فقدان الزمام على المرأة .. فإنني على ثقة أنهم يفقدونها بتعاملهم المريع معها.. ربّي.. هو رغم كل شيء، أبي وأخي وزوجي وحبيبي.. أشفق على هذا الأرمل الأبدي على هذا الرجل الشرقي الّذي يظن أن لديه زوجة أو حبيبة.