نساء عاريات أمام اللوفر



طوني سماحة
2014 / 3 / 11

من منا لم يشاهد أو يسمع عن النساء الخمس العربيات و الايرانيات اللواتي تظاهرن عاريات امام متحف اللوفر في يوم المرأة العالمي في فرنسا لكي يوصلن صوتهن الى العالم للاعتراض على حالات التعنيف و الاعتداء التي تتعرض لها المرأة في البلدان العربية و إيران؟ الخبر كان بالنسبة لي حدثا، لكن و للأسف حدثا سيئا و مبتذلا.

أرجو ألا يفهمني القارئ خطأ. فأنا رجل متعاطف مع المرأة و أؤمن بحقها في في المساواة مع الرجل الى أقصى الحدود. فالمرأة بالنسبة لي هي الام و الاخت و الزوجة و الابنة و الحبيبة و الصديقة. و أقول أيضا أن المرأة هي زينة الحياة بأنوثتها و حبها وعطائها و تضحياتها التي تفوق أحيانا كثيرة تضحيات الرجل. و في رأيي، أنه لولا المرأة لكان عالم الرجل قاسيا، قاحلا، و همجيا. لكن، ما لا أفهمه، هو أن تسيء المرأة لقضيتها بنفسها و أن تنحدر بقضيتها المقدسة الى حضيض الابتذال.
ترى، هل سُدّت كل أبواب النضال أمام هؤلاء السيدات حتى يلجأن للتعري؟ و هل خدم العري قضيتهن أكثر من أي نضال آخر؟ و هل كان عريهن قناعا لدوافع أخرى دفينة في أنفسهن؟ لست أدري، لكنني أعرف أن قنوات الإعلام و التواصل الاجتماعي خدمت عريهن أكثر مما خدمت قضيتهن، هذا إن كان لديهن أصلا قضية.

لقد خطى العالم خطى حثيثة في المائة عاما الماضية ليرفع من شأن الإنسان عامة و المرأة خاصة. فنحن و منذ زمن ليس ببعيد، لم نكن نسمع أو نعرف شيئا عن حقوق الطفل. و ها هو الطفل اليوم، في البلاد المتطورة، محاط بالقوانين الكثيرة التي تحمي طفولته في عالم وحوشه تزيد كثيرا عن ناسه. و ها هو العامل حطم قيود الرق التي كان يفرضها عليه رب العمل و صار له قوانين تحدد له ساعات العمل و ظروفه و راتبه، كما صار لديه نقاباته التي تدافع عنه في وجه الظلم. و يكثر الحديث عن التطور الحاصل في تحسين ظروف الانسان، أكان سجينا، أم عاطلا عن العمل أم مريضا أم... لكن القفزة الكبرى كانت من نصيب المرأة التي ارتقت في البلدان المتطورة من مواطن الدرجة الثانية لكي تكون شريكا في بناء المجتمع بمختلف أطيافه. و أقف هنا لأتساءل: " هل حقق العامل و الطفل و السجين و العاطل عن العمل و... و ... و المرأة كل ما حققوه من خلال التعري، أم أنهم حملوا قضيتهم في المحافل و الدولية و الاجتماعية و الدينية لكي يوصلوا رأيهم و نضالهم الى صانعي القرار؟ هل نزلوا الى الشوارع عراة أم أنهم ناقشوا و درسوا و كتبوا و قارنوا؟ هل حصلوا على حقوقهم من خلال أثدائهم و مؤخراتهم العارية أم من خلال أقلامهم و ندواتهم و شجاعتهم و عدم استسلامهم؟ و الحق يقال، لو كانت الصدور و المؤخرات العارية توصل الصوت عاليا و تمنح المظلوم حقوقه، لحلت النوادي الليلية مكان المدارس و الجامعات، و لامتلأت أروقة الامم المتحدة بهذه النوادي.

و أنتقل هنا لأسأل نفسي: " هل خدم العري قضية هؤلاء النسوة؟" تتبعتُ ردود أفعال بعض القراء على موقع مجلة فرنسية، فوجدت الآراء مختلفة و متضاربة. لكن اللافت للنظر أن المعلقين انشغلوابتأييد أو رفض حق المرأة في التعري و غاب عنهم المطالبة في حقها في رفع الظلم المزمن عنها. و يتضح للقارئ المتمعن، أن النقاش ابتعد عن مسار حقوق المرأة عامة في المساواة مع الرجل لينصب على عريها. إذا، لقد وصل صوت تلك النسوة الى العالم كله، لكنه وصل مشوّها، منحرف المسار مبتذلا و أدّى الى قسم الرأي العام المتعاطف مع المرأة بين مؤيد و معارض.

يبقى السؤال الاهم " و هل كان قرار تلك النسوة بالتعري قناعا لدوافع أخرى دفينة في أنفسهن أم أنه نابع عن قناعة و إيمان راسخين بقضيتهن؟" لا أستطيع الحكم عليهن، إذ أن الدوافع الدفينة أسيرة القلوب. لكن، لا يخفى على أحد أن حب الشهرة، و جذب الانتباه، و الثورة على القيم الاجتماعية السائدة، بالأضافة للشهوة الجنسية و مشاكل نفسية، و الإحساس بصغر النفس، و تجارب حياتية سابقة و حاضرة (ترتبط أحيانا بالطفولة) قد يؤسس لتلك الممارسات و يدفع بالانسان الى تصرفات خارجة عن المألوف.

نعم، أنا مع حقوق المرأة الى آخر الحدود و حتى نهاية الطريق. لكنني لست مع المرأة التي تطالب بحقوقها عارية. ففي رأيي المتواضع، أن ثمة أمكنة أخرى تكون أكثر صلاحية للتعري و تعطي نتائج أفضل.

نعم سيدتي، كوني جميلة. فأنا أريدك أجمل النساء. و رجولتي لن تكتمل دون أنوثتك. لكن جمالك الحقيقي في رأيي كرجل، ينبع من أنوثتك و لطفك، و أخلاقك و تصميمك على متابعة النضال للحصول على حقل المقدس في المساواة. كوني جميلة، فجمال الخلق يطغى على جمال الوجه و تدوير النهد و نحافة الخصر.