مصدر اضطهاد المرأة وسبيل تحرّرها



حزب الكادحين الوطنى الديمقراطى
2014 / 3 / 14


يردّ العديد أسباب الاضطهاد الذي تعيشه المرأة إلى التفاوتات البيولوجيّة بين الجنسين، والواقع انّ الأسباب الكأمنة وراء هذا الاضطهاد ترتبط بالمعطيات التاريخيّة وبالواقع الاجتماعي عبر تطوّرهما لا بغيرهما من الأسباب. وإنّ كلّ إنكار لهذه الاسباب مقابل التأكيد على السبب البيولوجي هو إنكار للعلم وتجاهل للماديّة التاريخيّة وانتصار للأسطورة وللمثاليّة. وهذا الضلال الذي يقع فيه العديد يؤدّي حتما إلى الاستنتاج بأنّ الرّجل هو العدوّ الرّئيسي للمرأة وهو المسؤول عن واقع الاضطهاد الذي تعيشه في حين تتمّ بالمقابل تبرئة الواقع الاجتماعي الطّبقي وبالتحديد الطّبقات السّائدة من هذه المسؤوليّة. ويقود هذا الضّلال بالتالي إلى عدم الإمساك بالطّرق الصّحيحة الكفيلة بتحقيق التحرّر من كلّ أشكال الاستغلال والاضطهاد ومن بينها اضطهاد المرأة.
لقد اثبتت الدّراسات الأنتروبولوجيّة والتاريخ أنّ النّساء لم تكنّ مُضطَهَدات في كلّ العصور، ففي مرحلة ما قبل التاريخ وجد المجتمع الأمومي وهو مجتمع كان فيه تأثير النّساء في الإنتاج أكبر بكثير من تأثير الرّجال. ومن هذا الموقع الهام في عمليّة الإنتاج داخل مجتمع العشيرة انبثقت مكانة المرأة. وقد اعترف الرّجال للنّساء بهذه المكانة.
ويثبت التّاريخ والواقع أيضا أنّ النّساء لسن الجنس الوحيد المضطهَد، ذلك انّ الرّجال هم أيضا يتعرّضون إلى الاضطهاد في ظلّ المجتمعات الطّبقيّة وهم يتعرّضون إلى الاضطهاد لا من قبل الرّجال فحسب وإنّما أيضا من قبل النّساء.
كما يؤكّد واقع المجتمعات الطّبقيّة أن النّساء يمارسن الاضطهاد لا على الرّجال فحسب وإنّما أيضا على الرّجال.
إنّ المرأة لم تكن عُرضة للاضطهاد منذ وجودها، وإنّما فعل الاضطهاد هذا هو لاحق لوجودها. لقد واكبت عمليّة ظهور الطّبقات في التاريخ البشري تحوّلات مسّت مكانة المرأة داخل المجتمع. فمع الانتقال من الاقتصاد القائم على الصّيد وقطف الثّمار إلى الاقتصاد القائم على الزراعة وتدجين الحيوانات وظهور الأنشطة الحرفيّة بدأت النساء تفقدن تدريجيّا مكانتهنّ لصالح الرّجال الذين اصبحوا يتمتّعون بأدوار أكثر أهميّة خاصّة في مجال الزّراعة. وهكذا فإنّه مع عمليّة تقسيم العمل هذه انقلب وضع المرأة من الرّيادة إلى الانحطاط، وظهرت الملكيّة الخاصّة وكنتيجة لذلك أقيمت مؤسسة الزّواج والأسرة على هيمنة الذّكر وهذه الاوضاع الجديدة فرضت على المرأة الانزواء في البيت والاهتمام بتربية الأبناء الذين صاروا ينسبون إلى الآباء بعد ان كانوا يُنسبون إلى الأمّهات والاهتمام بالزّوج. ثمّ ظهرت مؤسسة الدّولة لتكرّس تفوّق الرّجل. ومن هذه التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسيّة ستولدُ الأفكار المثاليّة والأساطير القائلة بدونيّة المرأة وبانحطاطها من أجل تشريع وتأبيد اضطهادها.
ومنذ ظهور المجتمع الطّبقي وتطوّره أصبحت المرأة أمام أمرين أحدهما أمر من الآخر، فإمّا الانزواء بالبيت من أجل الانجاب والطّبخ... وإمّا العمل والتعرّض لأشكال الاضطهاد في مواقع العمل زيادة عمّا تعانيه في البيت. لكن هذا لا يعني أنّ الرجال هم العدو الرئيسي للمرأة، بل إنّ النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم هو العدوّ المركزي للنساء سواءا كان رأسماليّا او إقطاعيّا. وتعاني المرأة في ظلّ هذه المجتمعات الطّبقيّة من اضطهاد مزدوج. الاضطهاد الاول تشترك فيه مع الرّجل، فالنّساء تتعرّضن لما يتعرّض له الرّجال من استغلال واستعباد من قبل الطّبقات السائدة في الحقول وفي المصانع وفي الوظائف.. بل إنّهن يعانين من استغلال أكبر مقارنة بالرّجال نظرا للنظرة الدّونيّة التي ألحقت بهنّ. أمّا الشكل الثاني من الاضطهاد فهو يرتبط بالاضطهاد الجندري الذي يمارسه الرّجل ضدّها. وهنا تتوحّد قضيّة المرأة مع قضيّة جموع غفيرة من الرّجال في إطار قضيّة التحرّر من النظام الطّبقي الجاثم على صدور هذه الجماهير الشعبيّة الواسعة من الرجال والنساء التي تعاني من اضطهاد الطبقات المالكة لوسائل الإنتاج والماسكة بالسلطة السياسية، وما على النساء إلاّ أن تشقّ طريق التحرّر الوطني والطّبقي اولا عبر الاتحاد مع الرّجال في النضال اليومي لأنّه لا مكان لتحرّر المرأة خارج وطن حرّ وشعب سيّد على نفسه ومالك لثروته.
ولئن حقّقت المرأة بعض المكاسب عبر نضالها المرير، إلاّ أنّ ما حقّقته يظلّ بعيدا عن حقوقها الكاملة، وهي في الغالب ترتبط ببعض التشريعات التي تساوي بينها وبين الرّجل في بعض المسائل، بينما يظلّ الواقع الذي تعيشه النساء في عصرنا واقعا مليئا بأشكال متنوّعة من الاستغلال المادّي والمعنوي الذي يجد مبرّراته في الثّقافة السّائدة. وحتّى في المجتمعات البرجوازية/الرأسمالية التي تتباهى بالمساواة بين الجنسين فإنّ المرأة مازالت وستظلّ مادام هذا المجتمع قائما في مرتبة دون مرتبة الرّجل. أمّا في المجتمعات المتخلّفة التي لا تزال تعيش بقايا العلاقات الإقطاعيّة والواقعة تحت الاستعمار بشكليه المباشر وغير المباشر، فإنّ معاناة النساء فيها أكثر خطورة وحقوقها لا تزال بعيدة المنال. ولا تختلف اوضاع المرأة من مجتمع إلى آخر، بل ومن وسط إلى آخر، إذ تشتدّ معاناة المرأة الرّيفيّة مقارنة بالنساء في الوسط الحضري. ومادامت هذه المجتمعات الطبقية القائمة على الاستغلال والاضطهاد، فإنّ معاناة المرأة ستتواصل، ولن تُمحى هذه المعاناة إلاّ ببلوغ المرحلة الاشتراكية والقضاء على مختلف أشكال الاضطهاد القومي والطّبقي والجنسي. ولن تحقّق النساء المساواة مع الرّجال إلاّ بوقوفها إلى جانب الكادحين وكلّ المضطهَدين في النضال الدّؤوب من أجل التحرر الوطني والاشتراكية، فلا اشتراكيّة دون مشاركة النساء في النضال ولا حريّة للمرأة دون تحقيق الاشتراكية.
طريق الثورة / فيفرى مارس 2014