تفوق الإناث على الذكور في التعليم .... دلالات ومؤشرات مستقبلية



محمد كريزم
2005 / 7 / 6

أظهرت نتائج إمتحانات التعليم التي جرى الإعلان عنها خلال العام الحالي أن هناك تفوقاً ملحوظاً للإناث على الذكور بنسبة كبيرة رغم تفشي حالات عدم التوازن بين الجنسين وتفاقم معدلات التفاوت بينهما، ودلت المؤشرات حسب أراء المختصين بالمجال التربوي أن الإناث يتمايزن في المواد العلمية على أقرانهن الذكور فيما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك وقدر أن التفوق الدراسي للإناث يكاد يكون في كافة المواد التعليمية.
وتستحق هذه الظاهرة الإيجابية مزيداً من الدراسة المعمقة والتحري الدقيق عن دلالاتها ومؤشراتها التي بدت بوادرها تلوح في الأفق القريب، وتثبت حقائق على أرض الواقع، وهذا ما تم تسليط الضوء عليه في التقرير الذي أصدرته منظمة اليونيسف في الأونة الأخيرة تحت عنوان " التقدم من أجل الأطفال" والذي ركز بشكل خاص على المساواة بين الجنسين في التعليم، والقضاء على التباين بينهما في كافة مراحل التعليم ( إبتدائي _ إعدادي _ ثانوي ) بحلول عام 2005، وتحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم بحلول عام 2015، مع التركيز على ضمان الوصول الكامل والعادل للفتيات إلى التعليم الأساسي الجيد والإبداع فيه.
وكشفت البيانات الخاصة بالعالم العربي أن الإناث تفوقن على الذكور خلال العقد الماضي في جميع الميادين الأكاديمية تقريباً، وأن نسب الالتحاق بالمدارس الابتدائية للأولاد والفتيات تتقارب مع المعدلات العالمية، فعند التحاق الفتيات العربيات بالمدارس الابتدائية، فإنهن عادة يضاهين أو يتفوقن على الأولاد، وفي الأغلبية الساحقة في الدول العربية، تقل أعداد الطالبات اللواتي يرسبن الصفوف عن عدد الأولاد، فحوالي ثلثي الفتيات اللواتي يقعن في الفئة العمرية الملائمة في المنطقة ملتحقات بالمدارس الابتدائية، وأكثر من 90 في المئة من الأولاد والفتيات في العالم العربي يصلون الصف الخامس الابتدائي.
ويقدم التقرير تحليلاً مقارناً لكل منطقة، موضحاً أن أعظم الإنجازات في معدل الزيادات السنوية في المشاركة المدرسية في السنوات العشرين الماضية تحققت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بزيادة بلغت 1.4 للأولاد و 1.2 للفتيات.
ورغم ذلك، ما زالت الفتيات العربيات يواجهن مشاكل حقيقية في سبيل إكمال التعليم المدرسي، حيث يُسحب الكثير منهن من المدارس قبيل فترة البلوغ أو بعدها، والكثير أيضاً يحملن عبئاً كبيراً من الأعمال المنزلية، مما يعيق دراستهن ويدفعهن إلى ترك المدرسة.
وذكر التقرير أن جميع مناطق العالم سعت إلى إلحاق المزيد من الفتيات بالمدارس في تسعينيات القرن العشرين، حيث ارتفع عدد الفتيات في المدارس الابتدائية بوتيره أسرع من عدد الأولاد، إلاّ أن 8% - من الإجمالي العالمي- من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في عام 2001 هم في العالم العربي، وتشكل الفتيات ما نسبته 57% من عدد يقدر بنحو 115 مليون طفل في العالم العربي ممن بلغوا سن التعليم الابتدائي ولم يلتحقوا بالمدرسة، وهذا يعني أن التمييز بين الجنسين ما زال مشكلة ملحة تنتظر حلاً في جميع أنحاء العالم.
وفي فلسطين بدا واضحاً للعيان أن تفوق الإناث على الذكور في التعليم في تصاعد مستمر عام بعد عام، كما تؤكد الأرقام والإحصائيات والأخصائيين التربويين ومعلمات مدارس الإناث الإبتدائية والإعدادية في غزة
بوادر إيجابية
أوضح الأخصائي التربوي أحمد الهبيل أن تفوق الإناث على الذكور تشكل ظاهرة إيجابية لها دلالاتها على كافة الصعد والمستويات, فعندما تتفوق الطالبات في المواد العلمية بفارق ملحوظ، يعني هذا إقتحامهن مجالات الهندسة والطب والعلوم والتقنيات الأخرى بقوة كبيرة، طالما شريحة واسعة من الذكور غير مبالية بمراحل التعليم الإبتدائي والإعدادي والثانوي وتلتفت إلى أمور وإنشغالات أخرى بعيدة عن التعليم، فيما الإناث يقبلن على التعليم بدافعية منقطعة النظير ويحاولن إثبات وجودهن وجدارتهن بالمشاركة أثناء الحصص المدرسية والمراجعة، مشيراً إلى أن الإناث لديهن قدرة على التعبير و التفاعل أكثر من الذكور في النشاط المدرسي.
وأضاف الهبيل أن تفوق الإناث على الذكور في التعليم له دلالات ومؤشرات هامة في المستقبل على صعيد رفع مكانة المرأة في المجتمع، ودخولها بقوة سوق العمل لتقاسم الرجل الأعباء والمسئوليات، وتؤكد جدارتها في تبوأ المراكز القيادية العليا، وهي قادرة على الإبداع والتمايز طالما أثبتت تفوقها في كل المجالات وعلى رأسها التعليم الذي يعتبر رأسمالها وسندها في الحياة.
تفوق مستحق
المعلمة رغدة غانم ترى أن التعليم الإلزامي والإهتمام الكافي بتعليم الجنسين على حد سواء ساهم في تثبيت الأطفال في المدارس، إلا أن الإناث خلال السنوات الماضية سجلن إلتزاماً وإنضباطاً أكثر من الذكور في التعليم وبالتالي كان تفوقهن مستحقاً وجديراً وباهراً وذلك لعدة عوامل منها العامل الإجتماعي الذي يدفعهن للدراسة والتفوق لاسيما في ظل الإعتبارات والموازين المجتمعية، فالإناث كما هو معلوم تفرض عليهن قيود إجتماعية كثيرة منها عدم السماح لها بالإشتراك في النوادي أو ممارسة ألعاب رياضية أو الخروج للأسواق والمحلات العامة أو الحارات، وهنا لايوجد أمامهن سوى الإنغماس في الدراسة والإجتهاد والسعي للحصول على أعلى الدرجات في المواد التعليمية، مشيرة إلى أن التباري والتنافس بين الطالبات يكون واضحاً وجلياً وقوياً في مدارس الإناث، بخلاف مدارس الذكور، معزيةً أسباب ذلك إلى التكوين الفسيولوجي للأنثى، وهنا الغيرة والطموح تلعب دوراً مهماً في المثابرة والنجاح.
وأوضحت غانم أن المشكلات الإجتماعية والأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسرة تكون أحياناً عاملاً مهماً في تفوق الإناث في التعليم كونهن يشعرن منذ صغرهن بالمسئولية، ما يخلق لديهن دافعاً قوياً لمواجهة تلك المشاكل بالإنكباب على التعليم أكثر فأكثر من أجل إنقاذ عائلاتهن، فالأنثى لديها طبيعة فطرية وعاطفة مرهفة تمكنها من إستشعار الخطر المحدق ومحاولة تفاديه، منوهة في السياق نفسه إلى أن تفوق الإناث في التعليم ليس مرده إلى ذكائهن فالذكور كما هو معلوم أذكى من الإناث لكنه تفوق ناتج عن الإجتهاد والمثابرة.
وعبرت غانم عن قلقها إزاء تحميل الإناث أعباء منزلية ثقيلة تدفع بإتجاه تسربهن من المدارس مع العلم أن نسبة تسرب الذكور أعلى من الإناث بسبب الظروف الإقتصادية الصعبة للمجتمع الفلسطيني، لكنها في نفس الوقت أبدت تفاؤلاً كبيراً إزاء تفوق الإناث بشكل عام لاسيما ما يحققنه كل عام من تفوق عظيم ونجاح باهر في نتائج الثانوية العامة ما يعني مستقبلاً زاخراً لعموم النساء في كافة المجالات والميادين.
رسالة للمجتمع
وتشاركها الرأي المعلمة فدوى حمد وترد تفوق الإناث على الذكور إلى عوامل إجتماعية وسياسية وإقتصادية ونفسية فالعامل الإجتماعي يتمثل بالبيئة الإجتماعية التي تعيشها الإناث بحيث يقضين معظم أوقاتهن في المنزل وبالتالي لا يجدن أمامهن سوى الدراسة والتمعن بمناهجها، إضافة إلى أن البنات طرأ على ثقافتهن وتفكيرهن تطور كبير فلم تعد تقبل أن تكون رهينة المنزل بل أصبحت تضاهي الذكور وتطلب المساواة وحق التعليم، مع إدراكهن أن التعليم هو مستقبلهن وخروجهن من هذا المأزق الإجتماعي، وبالتالي عندما يتفوقن ويتعاظمن في التعليم فإنهن يوجهن رسالة للمجتمع أنهن ليس طرف متكافىء بل طرف متميز ويستحق كافة حقوقه دون إنتقاص، مشيرةً إلى أن الفتيات يشعرن منذ صغرهن أنهن لن يتمكن من العيش والتكيف في الحياه الزوجية دون الحصول على شهادة الثانوية العامة أو الجامعة ومن ثم السعي للحصول على وظيفة تشارك زوجها أعباء الحياه.
وأضافت حمد أن العوامل السياسية لعبت دوراً مهماً في تفوق الإناث الفلسطينيات خاصة اللواتي تعرضن لتجارب صادمة من ممارسات الإحتلال، ما خلق لديهن دافعاً قوياً للتعليم خشية على أنفسهن وحماية لعائلاتهن من المجهول وبتن يدركن أنهن ربان السفينة خاصة إذا إستشهد أو أسر رجال العائلة، كذلك هناك العوامل الإقتصادية التي تستدعي من الإناث مشاركة الذكور في أعباء الحياه لاسيما إذا كانت الأسرة فقيرة.
وأشارت حمد أن الإناث دائماً يتفوقن ويتميزن عن غيرهن من الذكور في المواد التعليمية مثل الرياضيات واللغة العربية والعلوم، رغم أن نسبة الذكاء المكتسب لدى الذكور أعلى من الإناث بحكم إحتكاكهم في المجتمع الخارجي أكثر، أما الإناث فلديهن الذكاء الفطري الذي يحتاج لمجهود كبير من اجل تنميته.
وعبرت حمد عن تفاؤلها في حال إستمر وتواصل تفوق الإناث بوتيرته الحالية أو تصاعد، فالمستقبل ينتظرهن بفارغ الصبر، حيث ستشهد تلك الحقبة المقبلة أكثر من حنان عشراوي وزهيرة كمال وسيرى المجتمع بأم عينه التنمية وصناعة القرار والنشاط السياسي والإجتماعي على أصوله المهنيه، لكنها أبدت قلقها من النسبة العالية من الإناث اللواتي يحصلن على نجاح باهر وبإمتياز في الثانوية العامة ولا يحظين بدخول الجامعات أو يلتحقن بأقسام لا تلبي طموحاتهن ولا تتناسب مع نسبة النجاح العالية اللواتي حصلن عليها لأسباب كثيرة منها الفقر والقيود الإجتماعية.
من جهتها عزت المعلمة سمر النجار تفوق الإناث على الذكور في التعليم إلى قوة إنتباه الإناث أثناء المحاضرات والحصص التعليمية، وسرعة بداهتهن في الإجابة والتفاعل مع الدروس خاصة مع مواد الرياضيات واللغة الإنجليزية والحاسوب، وقدرتهن على إسترجاع المعلومات،
وأضافت النجار أن هذا التفوق العظيم لبنات فلسطين سيمنح النساء عموماً قوة ودافعية في المضي قدماً نحو إستعادة حقوقهن عن جدارة وإقتدار، مؤكدة أن المستقبل في فلسطين يبشر بالخير للنساء.
أما المعلمة نجاح عوض قالت أن إهمال وتهميش المجتمع للإناث يدفعهن للتفوق وتحقيق النجاح الباهر في التعليم لإثبات وجودهن، وتأكيد شخصيتهن من خلال التعليم والحصول على أفضل النتائج في مواده، مشيرة إلى أن الإناث لديهن قوة وقدرة كبيرة في الإصغاء والتعلم وحفظ الدروس بفهم عميق.