ختان الاناث بين السادية والمازوخية



قاسم حسن محاجنة
2014 / 3 / 22

ختان الاناث بين السادية والمازوخية
كُنت أستغرب كثيرا ، اهتمام الموقع والعديد من كُتابه بموضوع الختان ، وتركيز الاهتمام الرافض له وبكل حزم وصرامة ، وكُنت أقول لنفسي ، هأنذا مختون ولا أتذكر لحظة الختان كحدث صادم ، كان حدثا مؤلما ،بل ومؤلم جدا ، لأنه جاء في مرحلة عُمرية متأخرة ، في سن الثالثة تقريبا ، على عادة أهل القرى في ذلك الحين ..!! ، استطيع تذكرها لكنها لم تترك أثارا سلبية بعيدة المدى .
وللنزاهة لم أتردد كثيرا ، في اعادة هذا الطقس مع ابني البكر ، فقد استدعينا "خاتنا " ونحن نُطلق عليه لفظة "مُطّهر " ، استدعينا صديقا يحمل شهادة اكاديمية في التمريض وحاصل على "رخصة " مزاولة مهنة ختان الذكور من وزارة الصحة ،بعد أن "درس " الموضوع ونجح في امتحان تُقيمه الوزارة .
كان الختان أشبه ما يكون بعملية جراحية صغيرة ،أُجريت وفق قواعد الطب الحديث ، واستوفت كامل شروطه ، من تخدير موضعي وتعقيم ومسكنات اوجاع ، ناهيك عن متابعة الممرض مرتين يوميا لحالة صغيري ولمدة ثلاثة أيام .
لم أُفكر حينها في جدوى هذا التدخل الجراحي ، فقد تم الامر بشكل عفوي دونما اعتبارات أُخرى ، سوى التلقائية التي تفترض بأن الختان هو جزء من "الحياة " ، وخاصة بأن جيراننا وابناء عمومتنا ، اليهود ، يختنون ذكورهم عند ولادتهم في المستشفى دون أن يعترض الطاقم الطبي على ذلك ..!!
وبما أن ختان الاناث غير معروف في بلادنا ، فأن أقصى ما يُمكن أن نتخيله عن هذا النوع من الختان ، هو شيء شبيه بختان الذكور ، بل لا يُمكن تخيل "الزوائد " التي يُمكن "استئصالها " من عضو الانثى .
لكن ، ليس من سمع كمن رأى ، فقد استمعت الى برنامج في راديو البي بي سي (يعني اذاعة لندن ) يتحدث عن تجريم ختان الاناث ، وقد تحدثت الى البرنامج سيدتان ، واحدة مصرية والاخرى سودانية ، وَرَوَينَ على مسامعنا ما حدث لهن ، من واقع مُعايشتهن لصدمة الختان وحتى يُواري الثرى جثامينهن .
لقد كان الاستماع لهاتين السيدتين صادما بحق وحقيق ، فالعملية تتم بالقوة في سن صغيرة (5 سنوات ) وروت السيدة المصرية كيف جلست خالتها الثقيلة على رجليها المفتوحتين لتمنعها من الحركة ، مما ادى الى كسر احد ساقيها ، وكيف قامت الداية باستئصال عضوها الانثوي كاملا ..!!
لا يُمكن تخيل الالم ، الذي تعايشُه هذه السيدة يوميا ، بمجرد ذهابها الى دورة المياه ، ولا تختلف رواية السيدة السودانية عن رواية المصرية في شيء من تفاصيل الجريمة .
الامر الاصعب هو الاستمرار في الحياة !!
- قالوا لي بأن الايام الاولى للزواج هي اسعد الايام ..!!حدثتنا المصرية واستمرت قائلة ، لقد كانت اتعس الايام ، ايام مؤلمة ،صعبة وشاقة ..!!
تحدثت السيدتان عن الصعوبة في ممارسة حياة طبيعية ، وعن حرمانهن من مُتعة الحياة الاولى ، متعة الجنس ، فممارسة الجنس والتي من المفروض ان تكون قمة النشوة الانسانية ، تتحول الى عذاب لا يُطاق .
دعاة وانصار الختان أو الطهارة يعتمدون على مرجعية دينية في تشجيعهم او فرضهم للختان على الاناث ، لكنهم يناقضون انفسهم حينما لا يوافقون على عمليات التجميل (لأن تغيير خلقة الله حرام )!!
اليس اجتثاث عضو انثوي بالأمر الحرام ؟؟ فقد خلق الله الانثى هكذا !! وهذا تغيير في خلقة الله ، لكن متى استعمل هؤلاء العقول والمنطق ؟؟!!
لكن لنترك الدين جانبا ، لأنه ليس كل المسلمين يمارسون ختان الاناث ، وما زالوا يعتبرون انفسهم مسلمين مخلصين لتعاليم دينهم .
ولن نخوض في الجذور التاريخية للختان ، فهناك من هو أدرى مني به ، لا واين نشأ وكيف ؟
ولكن بودي طرح رؤيتي للأمر ، من وجهة نظر مُعاصرة نوعا ما . فاستئصال العضو الانثوي الاكثر خصوصية ، هو في واقع الحال استئصال لخصوصية الانثى بالمعنى الحرفي وتحويلها الى أداة ووعاء لتفريغ الغريزة الذكورية دونما اي اعتبار لرغباتها وغرائزها ، بل هو مُحاولة ذكورية لحرمانها من احساسها بكمال جسمها ، وإجبارها على الشعور بالنقص والشعور بالدونية أمام الذكر بشكل عملي جدا ..!!
وإذا كان الاعتداء الجنسي هو نوع من العقاب للضحية ، فالمرأة المختونة تتعرض لاعتداءات مُتكررة ، لسبب واحد وبسيط وهو رفضها للعملية الجنسية ، والتي كانت من المفروض أن تكون قمة النشوة ، لأنها عملية تُسبب لها الالم كل مرة ومن جديد .
علما بأن الذكر ، والذي يُمارس الجنس مع هذه الأنثى ، يكتسب إحساسا "بالقوة " ويستمتع بإيذاء المختونة ( بسبب الختان )كلما عن على باله الجنس ، فهو يتحول بهذا الى سادي رغم أنفه !!أما الأُمهات المختونات والقابلات اللاتي يقمن بالختان وبعد أن مررن بدرب الالام الجسدية والنفسية جراء الختان ، ولا يعترضن على ذلك ، فلا شك لدي بأنهن مازوخيات !!
نعم يُمكن الادعاء بأنهن مُجبرات اجتماعيا ودينيا على التشجيع عليه ، لكنهن لا يُبدين أي اعتراض ، أم أن الامر ليس بمازوخية ، بل هو نوع من التماهي مع المُعتدي والمُجرم ، والذي أطلق عليه علم النفس مصطلح "متلازمة ستوكهولم " ؟؟
ثم هناك ما يُحيرني بشأن الذكور وخصوصا الازواج الذين يُشجعون ختان الاناث ، إذ كيف "يستسيغون " ممارسة الحميمية مع اناث تم "تشويههن " نفسيا وجسديا ؟؟ كيف يستمتعون مع أُنثى لا ترغب بهكذا حميمية ؟؟ أين إحساسهم بالجمالية في العلاقة والرغبة المُتبادلة ؟؟ لست ادري !!
إن تشويه جسد المرأة أدى في نهاية المطاف الى تشويه للمشاعر والذائقة الجمالية ، وهي ميزة ذكورية عربية بامتياز.
ان ختان الاناث جريمة لا تُغتفر بحق الانثى ، لكنها ايضا جريمة بحق الذكور ، الذين فقدوا انسانيتهم ايضا !!
لا حل إلا بالتمرد المُجتمعي ذكورا وإناثا ، على هذا التشويه للمشاعر قبل الجسد . وإذا لم يتمكن البريطانيون من منعه على اراضيهم ، رغم تجريمه قانونيا ، فعلى الواقعين تحت سطوة التقاليد ، ذكورا وإناثا أن يتمردوا !!