غرابة القوانين وتفاوت الحماية الجنائية بين المرأة والرجل



علي قادر
2014 / 3 / 28


لايختلف إثـنين بأن لاحياة بدون قانون ولاقانون بدون حياة ، الأمر الذي عرفناه منذ الأزل، وبعد نزول الكتب السماوية والقرآن الكريم التي أستمدت منه البشرية قوانينها وجعلت منها دساتيراً تحكمها على مر العصور، وإذا ماتطرقنا الى قانون حمورابي على سبيل المثال ومسلته الشهيرة بوصفه أول قانون وضعي عرفته البشرية ولو أمعنا النظر في هذا القانون ومنها ماجاء في المادة الثانية من قانون حمورابي ( بإن الشخص المتهم بأستخدام السحر يلقى في النهر فأذا غرق عد مجرماً وتعطى أمواله لمن أخبر عنه ، وأن طفا ولم يغرق فقد عد بريئاً وأعتبر من أتهمه كاذباً وعوقب بالقتل ومصادرة أمواله وأعطائها الى الشخص الذي اتهم بالسحر وظهرت برائـتة ). وظلت غرابة وطرافة القوانين حيث نجدها مستمرة الى يومنا هذا رغم تطور الحياة والناس أصبحا أكثر إدراكاً وفهماً للقـوانين ، نجد إن في القانون السوداني نوع من التأخر المعرفي في المجال القانوني وهذا مانجده في المادتين ( 432 و433 ) من قانون العقوبات السوداني الناص على ( المرأة المتزوجة تعاقب علــى جريمة الزنا إذا إرتكبتها مع أي شخص سواء أكان متزوجاً أم لا )( بينما يقتصر عقاب الرجل المتزوج إذا قارف هذه الجريمة مع متزوجة فقط ، فأذا قارفها مع غير متزوجة فلا عقاب عليه)!! .
تكمن الغرابة هنا في إن الرجل إذا أرتكب الزنا مع إمرأة غير متزوجـة فلا عقاب عليه ، وكذا الحال في القوانين الـتونسية والجزائرية فأذا ذكرنا نص المادة ( 236) من قانون العقوبات التونسي بأنه ( المرأة المحصنة إذا اتهمت بالزنا وقرت عليها تعاقب بالسجن مدة خمس سنوات ) بالمقابل لم نجد هنالك أية عقوبة للرجل في حال إرتكابه لجريمة الزنا ، وأيضاً كما جاء في المادة (339) من قانون العقوبات الجزائري الذي نصه ( تعاقب المرأة حال إرتكابها للجريمة المذكورة بالحبس من سنة الى سنتين بينما يعاقب الرجل بالحبس من ستة أشهر الى سنة ) .
وأذا ماقارنا القوانين أنفة الذكر مع القوانين العراقية نجد ان الأخيرة محايدة الى حد كبير في التعاطي مع الشريعة الإسلامية وتطبيقها في القانون العملي . وأن العقوبة الملقاة على المرأة والرجل متساوية ولايوجد أي تفاوت للحماية وخير دليل على ذلك ماجاء في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 في المادة (377) منه ( ..... وإن عقوبة كلاهما الحبس ولاتزيد عن خمس سنوات ) ، مما تقدم إذا ماقورنت القوانين العراقية بالقوانين الأخرى نجد إن فيها الكثير من التطور الذي يجعلنا أكثر فخراً بقوانيننا العراقية المستمدة عدالتها من الشريعة الإسلامية .
ومن وجهة نظري ومن باب النقد البناء وليس اللاذع ، فيما يخص قانون الأحوال الشخصية العراقي فأن به الكثيرمن الثغرات والمواد التي تحتاج الى التعديل والسبب في ذلك هو إن هذا القانون قد صدر في عام (1959) وهو لم يعد يلائم روح العصر والتطورات التي حصلت في البلد لأن المشرع كان قد أصدره ليلائم العصر السابق قبل أكثر من خمسين سنة ولهذا فأن الكثير من المواد المتعلقة بالزواج خارج المحكمة والطلاق التعسفي والتفريق والنفقة والحضانة تحتاج الى وضع لمسات تلائم التطورات الحاصلة في المجتمع وأيضاً مايخص تعدد الزوجات ، كما إن النصوص الواردة في قانون العقوبات فيما يخص (القتل بدافع غسل العار ) هو الآخر يحتاج الى تعديل وبطلب من الكثير من منظمات المجتمع المدني وكذلك الباحثين في المجال القانوني ، حيث يطالب هؤلاء المعترضون بجعل جريمة غسل العار ( قتل خطأ ) في سبيل الحد من هذه الظاهرة التي أستغلت وأودت بحياة الكثير من النساء البريئات، ناهيك عن نداءات أخرى فيما يخص عقوبة الإعدام التي مازال أمر تطبيقها بين الرفض والقبول حيث هنالك الكثير من النداءات التي تطالب بإلغاء هذه العقوبة في حيث إن هنالك طلبات أخرى تريد الإبقاء عليها حفاظاً على توازن المجتمع تأسيساً لقاعدة (لكل فعل ردة فعل).
على الرغم من انتقاداتنا على قانون رقم 188 لسنة 1959 والامور التي يجب مراعاتها في هذا القانون والتي ذكرناها آنفا، لكنه يبقى قانونا شافيا وافيا سليم المنطق ان صح التعبير، محبوك الصياغة ، لم نسمع بيوم من الايام حدث اختلاف او خلاف بين افراد العائلة الواحدة وبالاخص الزوجين على امور وتطبيق هذا القانون ، على العكس من القانون المقترح من قبل السيد وزير العدل العراقي حسن الشمري (قانون الاحوال الشخصية الجعفري) الذي اسماه البعض قانون الاحوال الشمري من باب النكتة ، فهو قانون بالاضافة الى مافيه من تقسيم للحمة الوطنية وتفريقا للطوائف ، فهو قانون غير محبوك ويحتاج عرضه على فقهاء قانونيين وكذلك منظمات مجتمع مدني ومنظمات معنية بالامور القانونية قبل اقتراحه على مجلس النواب ، وبالاضافة الى كل هذا وذاك اخذ رأي الطائفة الجعفرية بهذا القانون ، فلا يصح المصادقة عليه من دون الرجوع الى المواطن الجعفري ان صحت التسمية ، بالاضافة الى مافيه من تفكيك للحمة الوطنية سيأتي يوم ويطالب فيه اصحاب المذاهب الاخرى كالحنبلية والمالكية والشافعية وحتى الاديان الاخرى كالمسيحية والصابئية والزردشتية والكاكائية وغيرها من المذاهب والاديان بقانون يضمن تماسكهم ويعطيهم حرياتهم ، فكل الملل التي ذكرت تعقد زواجها وفق قانون رقم 188 لسنة 59 ، وبهذا فان هذا القانون هو جامع غير مفرق ، وبرأيي عندما يطالب اصحاب المذاهب والفرق التي ذكرت آنفا بقوانين خاصة بهم يعتبر هذا حق من حقوقهم المشروعة التي يجب ان لايجادلهم احد او يعترض على مثل هكذا مقترحات ، فمثل ماهو مقترح في القانون الجعفري بأن مقر المحكمة الجعفرية العليا النجف الاشرف ، فسيكون مقر المحكمة الشافعية مثلا الانبار ، والحنبلية الموصل وهكذا الى ان يزيد الشرخ وتتعمق الطائفية اكثر مما هي عليه ونصبح كلنا في خبر كان .. وعليكم السلام.