الأرملة العراقية بين مطرقة الإستبداد و سنديان التخلف الإجتماعي



ياسمين جواد الطريحي
2014 / 4 / 8

الأرملة العراقية بين مطرقة الإستبداد و سنديان التخلف الإجتماعي

لا بد من التنويه في البداية لما أُصابَ المجتمع العراقي من كوارث إنسانية فاقت بنتائجها ومآسيها ما أصاب المجتمعات العربية كافة , إذ إبتلى العراق بحروب عدة وحصار لم يكن له مايماثله في شدته وطول مدته في التاريخ المعاصر تلاه الغزو الأنكلو-الأمريكي والأحتلال ...هذا ليس من باب المبالغة ... و تجدر الإشارة هنا الى أن أغلب المجتمعات العربية لا زالت ترضخ تحت كل أنواع الإستبداد ومشتقاته بدرجاتٍ متفاوتة ... كالإستبداد السياسي المتمثل بسلطة الفرد الواحد وأفراد اسرته ،وأرتال من المنتفعين على كل المستويات ، وجيوش عسكرية لاتصلح الا للدفاع عن الحاكم ... وكذلك الإستبداد المجتمعي والديني الذي تجسده المفاهيم البالية لدورالعائلة والمدرسة والفتاوي بمسميات الأحترام والعيب العشائري" والشرف العذري" الذي حمَّلَ المرأة وحدها عِبْءَ هذا الأمر, وكأنها مكون منفصل عن باقي اجزاء المجتمع .ناهيك عن دوامة التحريم و التحليل و الترهيب بسيف الحاكم المتسلط تحت ذرائع مختلفة كعدم" إثارة الإستقرار الداخلي " أو خلخلة "أمن الدولة"الذي يعني "أمن الحاكم" ، حتى أصبحت مجتمعاتنا العربية برمتها قطيعا متناغما مع رغبة الحاكم المستبد وألوان استبداده.

والمجتمع العراقي بطبيعة الحال لا يختلف عما سبق ذكره ،بل وتميَّزَبحروب متتالية وحصارظالم وإحتلال أجنبي خارجي بواجهة عراقية المظهر أجنبية الولاء ( أي جاءت من الخارج مكبلة بعقدها المجتمعية الاستبدادية فوجدت نفسها ، بعد أن تأقلمت مصالحها النفعية والأنتقامية مع منافع المُحتل ، في مركز سلطوي لم تحلم به من قبل تعمل مايحلو لها بالشعب العراقي الذي لم يجد له فرصة في النهوض خلال هذه العقود). وبما أن هذه السلطة المتأجنبة ليس لها جذور ثقافية واعية ووطنية في داخل العراق ، فقامت بعسكرة المجتمع العراقي من خلال إنشاء الميليشيات والقوات الخاصة التى تؤدي دورها بإقصاء الأخر عن طريق العنف والقتل والتشريد والاستيلاءعلى الممتلكات وإشاعة الأرهاب بين أطياف المجتمع العراقي من أجل الإحتفاظ بسلطة لم تكن تحلم بها من قبل طالما ترى في الآخر الوطني عدوا لها ، ومن أجل جعل هذا القطيع أكثرطوعا وأكثر إستسلاما لسلطتها الجديدة.

لذلك فإن المجتمع العراقي بذكوره ونسائه بدأ ترمله منذ حرب الخليج الأولى في أعوام1980-1988 (الحرب الأيرانية العراقية ) التى أفقدته ثروته الأقتصادية والبشرية وقدرته المالية على بناء العراق مرة أُخرى وإرجاع الثقة بالمواطن العراقي الذي أُنهك إنسانيا ، وخاصة المرأة الأرملة والثكلى. وبعدها حرب الخليج الثانية 1991 التى زادت من تدمير كل المراكز الحيوية في العراق وبدأت بزرع بذور تقسيمه إثنياوطائفياً , وعمّقت مأساة المجتمع العراقي بكل مقوماته والمرأة بألاخص فزاد عدد الأرامل والثكالى. ولم تنتهي المأساة عند هذا الحد حتى جاءت الضربة القاضية في سنة 2003 للقضاء على ماتبقى من دولة العراق بشماله وجنوبه وغربه وشرقه ووسطه. وأهم من كل هذا أصبح المجتمع العراقي أرملا بكل مكوناته الأثنية والدينية والمذهبية. فأزداد عدد أرامل العراق بما يقارب ال 6 مليون أي مايعادل تقريبا جيوش 6 او 7 دول عربية مجتمعة فمأساة المرأة العراقية الأرملة التى لم تفقد زوجها فقط والذي هو غالبا معيلها بل فقدت الوطن والمجتمع برمته.

هنا الكارثة الحقيقية ... بماأن المجتمع العراقي لم يكن بحد ذاته مجتمعا "متفتحا" بل عشائريا رجعيا ومحافظا ولم يكن أيضا " مجتمعا مدنيا " بل قبليا مستبدا ، ولم تكن هناك حقوق مواطنة متساوية بالمعنى "الحضاري" المتعارف عليه ، فكان التمييز ضد المرأة الأنسانة تمييزا ناشئ من فكرة التسلط الذكوري على المرأة بكل شئ حتى في الهواء الذي تستنشقه . فالمرأة العراقية التي كانت تحت حماية الأب أو الأخ أو الزوج لاتعتبر متكافئة إنسانيا وإنما مجرد تابع له أو حتى سلعة . وهنا بيت القصيد ... فإذا كانت المرأة العراقية لا تتمتع بإنسانيتها وهي تحت "حماية" الرجل الزوج أو الأب أو الأخ قبل كوارثه ، فكيف أصبح حالها الآن بعد ترملها وفقدانها هذه وفقدانها هذه "الحماية".فكيف يتعامل مجتمع (أرمل) مع هذه المرأة الأرملة؟

تعيش الأرملة العراقية على وجه الخصوص ظرفا مأساويا بشقيه الإنساني المجتمعي والمادي بغياب دولة مدنية ذات مؤسسات تربوية قانونية تأخذ بنظر الأعتبار حماية المواطن أولاً و الأرملة ثانياً.. تتعرض الأرملة العراقية بعد فقدان العمود الفقري وهو الرجل العامل في إقتصاد العائلة والأولاد الى فقدان الأمان الإنساني والمجتمعي من قبل العائلة والمجتمع الذي ينظر اليها نظرة خوف وإستغلال وطمع... كعائلة الزوج المتوفى التى تفترس هذه الأرملة وتستولي على ماتركه إبنهم لها ولأولادها إذا كان بيتا أو مالا...أما الدولة فهي بعسكرتها هذا المجتمع بميليشياتها لحماية سلطتها فهي بعيدة تمام البعد عن معاناة هذه الأرملة وأحتياجاتها المادية بل العكس تساومها على جسدها إذا طالبت بمستحقات أو تقاعد زوجها المتوفى. فتفقد هذه الإنسانة رحمة المجتمع والدولة وتفقد معها آدميتها وتصبح جسدا ليعبره ضعاف النفوس والمتربصون لابتزازها بلقمة عيش فلذات أكبادها.

إن أي مجتمع يتسم بالرجعية و المحافظة لا بد و أن تكون المرأة ضحيته الأولى ...وإن أي دولة فاقدة لسيادتها و قرارها المستقل و بغياب مؤسساتها الوطنية ، فإن ذلك سينعكس سلبا على كل الفئات الإجتماعية فما بالكم بالحلقة الأضعف (المرأة ... والأرملة منها على وجه الخصوص)؟ لذا تركت الأرملة تتصارع مع أمراض هذا المجتمع المتفاقمة من جهل وتخلف و نظرة دونية للمرأة الأنسانة في خضم كفاحها من أجل لقمة العيش بكرامة. و مع زيادة إرهاب الدولة بميليشياته و حربه المذهبية تفاقمت الأمور وازدادت أعداد الأرامل و الثكالى و الأيتام ليصبح المجتمع العراقي المجتمع الأرمل بحق.

هنا يأتي دور ومسؤلية منظمات المجتمع المدني في إيجاد حلول ومشاريع مضمونة لإنقاذ هذه الأرملة من فكي الرجل "المحافظ الرجعي" الذي ينقض عليها وينهش ماتبقى منها ليتركها خاوية المشاعر والحقوق ولتصبح دميته التى يلهو بها متى ماشاء. إن إنشاء مؤسسات قائمة على أُسس علمية وثقافية لرعاية الأرامل وأيتامهن وإعادة تأهيلهن تعليميا ومهنيا وثقافيا وتوفير كل متطلباتهن المادية ، ومد يد المساعدة في الأرشاد والنصح العلمي ورفع الوعي الثقافي والأجتماعي والحقوقي وفتح مجالات العمل كل على حسب تعليمه وقدراته, ربما من خلال ذلك قد نحل جزءا من مشاكلها ... لتصبح جزءا مهما في بناء الدولة المدنية المنشودة ... لا أدّعي أن هناك حل سحري لترمل المجتمع العراقي ، لكن بجهود الشباب والشابات العراقيات الواعيين في القيام بعمل لجان وورش للمرأة الأرملة والأخذ بإحتياجاتها المادية والثقافية والمطالبة بقانون لحماية المرأة الأرملة .حتى يصبح سلاحها الأقوى في الحصول على حقوقها .

ورسالتى للسيد وزير العدل السيد الشمري والنائبة سوزان السعد من حزب الفضيلة العراقي هي كالأتي بدل من أن تشرعا قانون تزويج القاصرات بحجج غير واقعية كالحماية ، العمل على إلغائه والقيام بمشاريع تربوية علمية ثقافية للأرامل العراقيات من أجل ضم الملايين منهن الى المجتمع مرة أخرى . ماذا سيحصل لهذه الطفلة التى تترمل (مع كثافة المفخخات الدموية اليومية) بقانونك اللا إنساني وبأعتراف وإدانة من لجان حقوق الأنسان والمنظمات الدولية ؟ الذي يجعل من هذه الأرملة الصغيرة أكثر عرضة للبيع والشراء. إن حماية المرأة الإنسانة وخاصة الأرملة وأولادها اليتامى هو حق تضمنه القوانين الدولية لحقوق الإنسان , بدل تشريع حق الترمل المبكرالذي سيجعل من غالبية المجتمع العراقي ارملا وهو في عمر الزهور.

وبدل من أن توزع السيدة سوزان السعد الحجاب على النساء ، وهنا اقتبس تعليق أحد اصدقاء "الفيس بوك" حين قال بأنها " توزع أكفانا للعقول"، نتمنى وانت امرأة ايضا ، أن تكوني أكثر وعيا وضميرا وحرصا بحماية بنات جنسك من وطأة الترمل المبكر، أعطي لهن حق الحياة ، وليس حق الترمل.

ياسمين جواد الطريحي