حق النساء في معرفة الحقيقة



إيمان أحمد ونوس
2014 / 4 / 14


في اليوم الدولي لمعرفة حقيقة الانتهاكات ضدّ حقوق الإنسان

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 24 آذار من كل عام يوماً دولياً للحق في معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولاحترام كرامة الضحايا بموجب قرارها رقم (65/196) وقد جاء ذلك على خلفية اغتيال المونسنيور أوسكار أرنولفو روميرو من السلفادور بتاريخ 24/3/1980 ، واعترافاً من المنظمة الدولية بالعمل الهام والقيم الذي اضطلع بها في حماية الأرواح وتعزيز كرامة الإنسان ومعارضته لجميع أشكال العنف ودعواته المستمرة للحوار وتجنب المواجهة المسلحة. وشارك المونسيور في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في بلده، وحظي عمله باعتراف دولي لما كتبه من رسائل استنكر فيها الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي تتعرض لها أشد فئات السكان ضعفاً ومن بينها النساء والأطفال.
جمعية تضامن نساء الأردن والتي أصدرت بياناً بهذه المناسبة اعتبرت أن الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها النساء كالاغتصاب والتحرش أثناء النزاعات وفي المجتمعات الانتقالية تشكل أشد الانتهاكات إيلاماً من الناحيتين الجسدية والنفسية، إضافة إلى تعرضهن أو أحد أفرد أسرهن الى التعذيب والاختفاء القسري والقتل، مما يضعها جميعاً في خانة الجرائم التي تتطلب معرفة أسباب ودوافع وظروف ارتكابها، ومن ثمّ معاقبة مرتكبيها ضماناً لعدم تكرارها ما أمكن مستقبلاً.
مع التأكيد على حق الناجيات من تلك الاعتداءات في معرفة حقيقة ما تعرضن هن أو أحد أفراد الأسرة له، على اعتبار أن معرفة الحقيقة ومعاقبة الجناة قد تمكنهن من الشفاء واستعادة كرامتهن. رغم أن الحاجة لهذه المعرفة وحدها غير كافية، فهناك احتياجات أخرى تطال العديد من الأمور القانونية ذات العلاقة بوضع المفقود غير المحسوم، كالإرث والملكية والحالة العائلية من زواج أو طلاق وحضانة الأطفال، بالإضافة الى الأمور المالية الناشئة عن رحلة البحث المضنية عن المفقود، وتلك المتصلة بإعالة الأسرة في حال كان المفقود هو المعيل الوحيد لها.
واعترافاً من المجتمع الدولي بأهمية الحق في معرفة الحقيقة، فقد تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18/12/2013 قرارها رقم (68/165) بعنوان “الحق في معرفة الحقيقة”، والذي أشارت فيه الى مجموعة من الصكوك الدولية ومنها الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري- خاصة الفقرة الثانية من المادة/24/ والتي تنص على حق الضحايا في معرفة الحقيقة عن ظروف الاختفاء القسري وسير التحقيق ونتائجه ومصير الشخص المختفي، والفقرة الثالثة من نفس المادة التي تُلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير الملائمة بهذا الخصوص. كما أشار القرار الى مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال مكافحة الإفلات من العقاب، والى ضرورة اتخاذ الخطوات الكفيلة بتحديد هوية الضحايا في الحالات التي لا تشكل نزاعاً مسلحاً خاصة في حالات الانتهاكات واسعة النطاق والممنهجة لحقوق الإنسان.
كما ويؤكد القرار على أهمية إجراء الدراسات لبيان علاقات الترابط القائمة بين الحق في معرفة الحقيقة والحق في الوصول الى العدالة.
انطلاقاً من هذا، نجد أنه ومنذ اندلاع الأزمة في سوريا والنساء كنّ أولى ضحايا القتل والخطف والاعتقال والاغتصاب، ومن ثمّ التهجير والتشرّد، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية لم تحظَ أولئك النساء بالرعاية والحماية اللازمة لهن بعد ما تعرضن له من انتهاكات سواء في الداخل أو الخارج، كما أنه لم تستطع ولا امرأة سورية واحدة أن تتوصل لجزء يسير من معرفة حقيقة ما جرى ويجري لها ولأسرتها، ولا أن تصل لذرّة عدالة من خلال القصاص من مرتكبي تلك الجرائم. فإذا ما كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية جادة في وضع قراراتها تلك موضع التنفيذ، فبإمكانها على أقل تقدير مساعدة النساء السوريات في مخيّمات اللجوء اللواتي تعرّضن لكل أنواع الجرائم التي يمكن اعتبارها جرائم ضدّ الإنسانية والقوانين والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وذلك من خلال إيجاد مراكز معالجة مختصة بالصحة النفسية والجسدية، إضافة إلى الوصول بالضحايا للحصول على حقهنّ فعلاً في معرفة الحقيقة، وبالتالي الوصول إلى عدالة جادة وحقيقية تجعلنا نرى تلك القرارات بمنظار حضاري وإنساني.
لكن، ورغم كل ما أقرته الأمم المتحدة من قرارات هامة وجريئة بخصوص الانتهاكات الفظيعة التي تتعرض لها الفئات الأضعف(النساء والأطفال)، فإنه يمكننا القول إن ما تعرّضت وتتعرض له النساء داخل سوريا أو في بلدان النزوح واللجوء من اعتداءات نفسية- جنسية وسواها لم يأخذ حقه من اهتمام المجتمع الدولي ومنظماته سوى اعتبار أولئك الضحايا مجرد أرقام تُستخدم إعلامياً كأوراق ضغط على الجهات المتنازعة على الأرض إما لتحقيق بعض المكاسب السياسية والميدانية أثناء انعقاد المؤتمرات الدولية ذات الصلة بالشأن السوري، أو للتلويح بها كأداة تهديد إن لم يتم الرضوخ لمصالح ومشيئة الدول الكبرى المسؤولة عن استمرار الصراع للعام الرابع على التوالي، دون أيّ اعتبار جاد وحقيقي لآلام آلاف النساء اللواتي دفعن ثمناً باهظاً لتلك الحرب رغم أنهن أشدُّ الفئات رفضاً لها، لأنها أخذت منهن كل شيء، ولم تُبقِ لهن غير الحسرة والدموع والفجائع المتكررة يومياً دون طائل. فهل بقي لتلك القرارات من قيمة إنسانية- قانونية يمكنها أن تصل بالضحايا إلى شواطئ المعرفة والأمان والكرامة...؟