البرلمانيات العراقيات وتحديات المرحلة القادمة



صابرين فالح
2014 / 4 / 15

في كل دول العالم ، البرلمان هو سند للشعب وصوته الشريف الهادر وقوته في وقت المحن والمصائب، فهل ارتقى البرلمان العراقي لكي يكون ضمير وصوت الشعب وحامي حقوقه؟
وهل كانت البرلمانيات العراقيات على قدر المسؤولية التي أوكلت اليهن في الدفاع عن حقوق ومكتسبات المرأة العراقية برغم أن دورها في البرلمان لا يقتصر على الدفاع عن حقوق المرأة فقط، بل واجبها هو الدفاع عن حقوق الشعب العراقي كله لان المرأة ليست بمعزل عن قضايا المجتمع، خصوصا أن التجربة البرلمانية العراقية تجربة فتية، لاسيما في مجال دخول المرأة إلى المعترك السياسي كنائبة في البرلمان، إذ لم يسجل التاريخ السياسي المعاصر للعراق منذ تأسيس الدولة العراقية العام 1921 دخول المرأة الحياة النيابية.
و كما هو معروف للجميع فأن البرلمان العراقي يضم 82 مقعدا مخصصاً للمرأة من أصل 325 مقعدا. وقد تمكنت امرأتان فقط من ترؤس لجان مجلس البرلمان، وهما لجنة المرأة والأسرة والطفل ولجنة الإعمار والخدمات.
ما الذي قدمته هؤلاء البرلمانيات للشعب العراقي بشكل عام، وللمرأة العراقية بصفة خاصة، هل اكتفين بدور المؤيد أو المعترض؟ بمعنى آخر هل اكتفين بقول كلمة ( لا أو نعم ) للقرارات والقوانين التي خرجت من تحت قبة البرلمان، أم كان لهن الدور الفاعل في صياغتها وتعديلها بما يتناسب مع مصلحة المواطن والمرأة العراقية؟
لا يخفى عن المتتبع للحالة السياسية في العراق، ولواقع البرلمان فيه، أن المرأة تعاني من هيمنة سياسية واضحة للرجل، في تقليص دورها، وفي اتخاذ القرارات المصيرية المهمة، أو تحجيم دورها في الموافقة أو الرفض، لكثير من القوانين المجحفة التي أقرت من قبل البرلمان. فهناك تحديات كبيرة تواجه المرأة، وتحول دون مشاركتها في الحياة السياسية جنباً إلى جنب الرجل، أبرزها الموروث الاجتماعي العربي الذي يقيد المرأة لاغتنام الفرص المتاحة لها كي تنال مناصب سيادية، ولتكون جزءاً لا يتجزأ من صنع القرار السياسي، رغم أن الدستور العراقي كفل مشاركة المرأة في العملية السياسية، لكن مشاركتها بقيت قاصرة، لا تتعدى تأييد كتلتها او رفضها لهذا القرار او ذاك، ولا يوجد لها دور مستقل في صنع القرار السياسي الذي يعنيها كامرأة. وما يثبت ذلك، أن التشكيلة الوزارية لا توجد فيها سوى امرأة واحدة، هي وزيرة الدولة لشؤون المرأة، وهذه الوزارة بدون حقيبة، ولا تعامل كبقية الوزارات، ولم نسمع إلى اليوم عن عضو مجلس نواب – من النساء- قدمت مقترحاً لقانون، أو رأي أُخذ به داخل المجلس. بحيث أصبحت تكملة عدد فقط، نتيجة لهذا، غابت الرؤية الواضحة أو خطة العمل للبرلمانيات خلال الدورات البرلمانية السابقة .
ورغم وجود العديد من القضايا التي تتطلب تصدي البرلمانيات لها، والعديد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية التي تعني النساء بشكل خاص، إلا اننا لم نجد صوتا برلمانيا نسائيا واحدا يتبنى هذه القضايا، ويقف بالضد من تمرير المشاريع التي تسيء للمرأة، كما حصل في طرح مشروع القانون الجعفري، الذي يحول المرأة إلى كائن بلا حقوق ولا كرامة. بالرغم من انضمام العراق إلى معاهدات دولية، تناهض العنف الأسري والاجتماعي وتمنع العنف ضد المرأة. والجدير بالذكر أن أخطر بنود هذا المشروع الذي يجيز الزواج للفتاة بعمر تسعة أعوام، ولا يبيح الزواج من غير المسلمات إلا مؤقتا، فيما يحدد قانون الأحوال الشخصية العراقي لسنة 1959 سن الزواج للفتاة بـعمر 18 عاما كما ينص هذا القانون الجديد على أن الفقه الجعفري في الشريعة الإسلامية هو الحاكم للعراقيين الشيعة في الأحوال الشخصية، مثل الزواج والطلاق والمواريث والتبني.
وفي الوقت الذي كنا نتطلع فيه إلى إصدار قانون مدني للأحوال الشخصية، يتناسب مع التضحيات التي قدمتها الحركة النسائية العراقية عبر تاريخها النضالي الطويل والعسير، في ظل أنظمة استبدادية، وسنوات دامية من نضال الشعب العراقي بكافة أطيافه من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وترسيخ وحدة الشعب، فوجئنا بقرار لا يختلف عن سابقه من القرارات غير المدروسة، والتي لا تنسجم مع الدستور، ومع طبيعة وواقع المجتمع العراقي، هذا المشروع الذي يحرم المرأة من حقوق عديدة في الزواج والطلاق والإرث والحرية الشخصية، ومع هذا فإن البرلمانيات العراقيات وقفن إزاء هذا القانون موقف المتفرج، من غير أي اعتراضات أو وقفة جادة ضد تمريره.
إن من ستمثل المرأة في البرلمان القادم، يجب أن لا تكون مجرد رقم لإكمال النصاب القانوني، فما هو موقفها كبرلمانية؛ هل ستمثل وجهة نظر الكتلة أو الحزب الذي رشحها إلى البرلمان، أم تمثل بنات جنسها من النساء؟ وهل هي على دراية إن أكثر من تمثلهن أميات وعاطلات عن العمل ونحن في الألفية الثالثة؟ وهل يعلمن أن المرأة بسبب مشروع القانون الجعفري، لا يسمح لها بإكمال الدراسة المتوسطة والإعدادية، وإنما تقتصر على الدراسة الابتدائية، وبعدها تصبح زوجة لأحد أقاربها ولو بالإكراه، لاسيما في الريف؟، هل تعلم من تمثل المرأة العراقية في البرلمان كم عدد الأرامل في المناطق التي تمثلها، وهل تعلم حالات الطلاق التعسفي والبحث المضني عن النفقة لها ولأطفالها في أروقة المحاكم؟.
ولكن، إحقاقا للحق ولنبتعد عن الإجحاف، لا يمكن أن ننكر بعض الانجازات التي تحسب للمرأة البرلمانية، وخصوصا لجنة المرأة والأسرة والطفولة البرلمانية، منها تشريع عدد من القوانين المهمة، بعضها يرتبط بالمرأة العراقية مباشرة والأخرى بعلاقة غير مباشرة. وأول هذه القوانين هو (رفع) تحفظ العراق على المادة التاسعة من اتفاقية (سيداو) فيما يتعلق بمنح المرأة الجنسية لأولادها من زوج أجنبي . أما القانون الثاني فهو قانون ذوي الإعاقة حيث يوجد نحو ثلاثة ملايين معاق في العراق نصفهم من النساء وبالتالي أفادت المرأة من القانون مباشرة كما أنها أفادت منه بصورة غير مباشرة حينما يكون المعاق زوجها حيث ستتسلم راتبا مقابل رعايته وكذلك عندما يكون المعاق احد أولادها. ومن القوانين الأخرى التي كانت لصالح المرأة هو قانون حظر استيراد الألعاب المحرضة للعنف.
ويعد قانون الحماية الاجتماعية من أهم القوانين التي استفادت منها المرأة العراقية لاسيما الأرامل والمطلقات والعاطلات هن أو أزواجهن، وغيرها من الامتيازات التي تضمنها القانون. أما القانون الخامس فهو قانون الانضمام إلى اتفاقية لاهاي الخاصة بحماية الأطفال المختطفين والمعتقلين وآليات تنقلهم وحمايتهم.
نحن نحتاج إلى جهود مكثفة ومشتركة من جميع الجهات، سواء في البرلمان أو الحكومة، للارتقاء بالمرأة العراقية عن طريق الاهتمام بها ورعايتها وحماية مكتسباتها واستحقاقاتها، ونتمنى أن تأخذ المرأة العراقية دورها في البرلمان العراقي القادم، وان لا تسمح بان تكون صوتا يقول (لا أو نعم) طبقا لرأي الكتلة أو الحزب، وتفضيل امتيازات البرلمان على آلام الشعب وطموحاته.
على البرلمانية التي ستمثل المرأة في الدورة القادمة للبرلمان، أن تعيد النظر وبجدية، في دورها وعملها السياسي والبرلماني، وتتخطى المعوقات التي واجهت برلمانيات الدورة الحالية التي أشرفت على الانتهاء، ومعالجة الإخفاقات التي حصلت، والاستفادة من بعض النجاحات، وتقييم ما أحرزته البرلمانية السابقة. وعليها أن تدرك أنها أمام مرحلة حاسمة، وأن تتخذ قراراتها وتتحمل مسؤولية نتائج هذه القرارات، لأنها تمثل صوت المرأة العراقية في العملية السياسية، وأن تكون على قدر تحديات المرحلة القادمة.